اسم الكاتب : عبد الحليم الرهيمي
قبل ان تندلع حركة الأحتجاجات في الأول من تشرين الأول – اكتوبر ، وحتى بعد اندلاعها واتساعها ، عمدت الطبقة السياسية المتنفذة الى ترويج اتهام حركة الاحتجاجات بأرتباطها بالخارج لاسيما بالولايات المتحدة والسعودية والبعثيين وغيرهم
وبما (ينزع) عنها الصفة الوطنية العراقية . غير أن جماهير هذه الحركة فضلاً عن الرأي العام الوطني سخر من هذه الاتهامات ولم يكترث بها . لكن توصيفات أخرى صدر بعضها عن جهات متعاطفة مع هذه الحركة ومؤيديها اطلقت توصيفات خاطئة وساذجة في آن معاً كونها تجانب الواقع وحقائقه بسبب (الحول السياسي والأكاديمي) في النظر الى هذه الحركة وشموليتها وهويتها الوطنية . ففي حين يصف البعض هذه الحركات بعدم شمولها وامتدادها لكل محافظات العراق وأقتصارها على بغداد ومحافظات الوسط والجنوب يصفها آخرون بأنها حركة تعبر عن صراع شيعي – شيعي ، وإنها كذلك لا تمثل ولا تعني بقية مكونات الشعب العراقي من الكرد والتركمان أو السنّة أو المسيحيين وغيرهم من المكونات الاخرى ، وهو ما ينتزع عن الحراك صفته الوطنية العراقية الطاغية خلافاً للتوصيفات الأخرى .
والواقع ، إن ما يشير الى الطابع الوطني العراقي لهذا الحراك ويؤكد هويته الوطنية غير الطائفية والمذهبية وغير العنصرية وكذلك غير المناطقية ، هو الأهداف والشعارات والمواقف واللافتات التي يعبر عنها جمهور حركة الاحتجاجات في ساحة التحرير ببغداد وفي غيرها من الساحات في بقية محافظات الوسط والجنوب ، فضلاً عما يعبر به ناشطون من الحراك الى مختلف وسائل الاعلام .
إن مطالبات المحتجين على تحقيق العدالة وأنفاذ القوانين على الجميع ومحاربة الفساد والفاسدين وايجاد نظام حكم عادل وسلطة نزيهة وبرلمان حقيقي يعبر فعلاً عن المواطنين وايجاد نظام تعليمي وصحي وخدماتي سليم ونزيه يقدم خدمة حقيقية للمواطنين .. وغير ذلك هي مطالب تهم وتعني جميع العراقيين بمختلف انتماءاتهم ومناطقهم ، وهذا ما يظهر حركة الاحتجاجات وبشكل جلي طابعها الوطني العراقي . أما شعاراتها وأهدافها السياسية المطالبة بتغيير الطبقة السياسية وايجاد مؤسسات حقيقية لدولة عادلة وعصرية وتحقيق السيادة والاستقلال الوطني فهي شعارات تهم أيضاً جميع العراقيين وتعبر عن أهدافهم وطموحاتم ، وهو ما يضفي على حركة الاحتجاجات عوامل اضافية في التعبير هويتها الوطنية العراقية .
إن صفة الهوية الوطنية للاحتجاجات وشعاراتها وأهدافها تبدّد أي توصيف مناطقي يطلقه البعض عليها ، وإذا كانت المحافظات المحررة أو ذات الاغلبية للمكون السنّي والكردي والتركماني لم تنطلق فيها الاحتجاجات لأسباب باتت معروفة ، فأنها ساهمت فيها بمختلف التعبيرات المادية والمعنوية والسياسية وذلك فضلاً عن مساهمة أعداد وشرائح منها في ساحة التحرير ببغداد برمزية أو بكثافة .
أما التوصيف الذي يعتبر هذه الحركة بمثابة صراع شيعي – شيعي لا يعني ولا يهم بقية المكونات فهو توصيف خاطئ ويتعمد نزع الهوية الوطنية للاحتجاج . لكن يجب الاعتراف في الوقت نفسه بانه حقاً صراع بين أقلية شيعة الحكم والسلطة وأكثرية الشيعة من الفقراء والطبقة المتوسطة ، وبهذا المعنى فأن الاحتجاجات تعبر أيضاً عن صراع أقلية سنية وكردية ومن بقية المكونات في السلطة والحكم والأكثرية منها التي تمثلها قواعدها التي تعتبر نفسها حليفاً للأكثرية الشعبية الشيعية التي تصارع أقليتها في السلطة .
فأذا كانت حركة الاحتجاجات في السنوات الماضية سواء في ساحة التحرير ببغداد أو في بعض المحافظات ذات الأكثرية الشيعية بالوسط والجنوب اتسمت بالصفة المطلبية (والسياسية أحياناً) وكانت تهم وتعني الى حد كبير حيث المواطنين في بقية المحافظات ، فأن حركة الاحتجاجات الراهنة التي اتسمت بالهوية الوطنية العراقية لم تدعو إليها أي شخصية دينية أو سياسية ولم ترفع فيها صور أي منها خاصة قوى وتيارات السلطة ، فضلاً عن المشاركة الواسعة لكل الفئات العمرية مع الشباب ولكل محافظات الوسط والجنوب وبغداد ، وذلك تحت العلم العراقي وتحت شعار (نازل أخذ حقي) وشعار (نريد وطن) أضفى على هذه الحركة الصفة والهوية الوطنية العراقية بأمتياز وألغى بالضرورة كل الأوصاف الأخرى.