ديسمبر 26, 2024

الكاتب : كاظم المقدادي

يعيش العراقيون في بيئة متداعية مُثقلة بكم هائل من المشكلات المزمنة، ويعانون من تفاقم تداعياتها الوخيمة. بالمقابل يلمس الجميع ان معالجة المشكلات البيئية القائمة من قبل وزارة البيئة والجهات الحكومية المعنية الأخرى، تجابه بسوء إدارة بيئية وتخبط وعشوائية جلية.
وهذا ما يتجلى في الأحداث التالية كأدلة:.
أولآ- تذيل العراق في مؤشر الأداء البيئي العالمي خلال العقد الأخير، حيث حصل على درجة واطئة، وهي 30.4 من 100، وأصبحت مرتبته 172 من أصل 180 دولة شملها المؤشر عام 2024. وهي مرتبة منخفضة بين الدول من حيث الاداء البيئي.

ثانياً- حصول العراق على المرتبة 178 من بين 180 دولة في مؤشر أداء الحفاظ على الطبيعة لعام 2024، بمجموع نقاط بلغ 43 نقطة. وبذلك حل العراق على المستوى العربي في المرتبة الأخيرة.
علماً بان هذا المؤشر يستخدم 25 مؤشرًا رئيسيًا لتقديم نظرة شاملة على أداء الدول في مجال الحفاظ على التنوع البيولوجي والبيئة، ويشمل التحليل عوامل متعددة مثل تغطية المناطق المحمية، الأنواع المهددة بالانقراض، القوانين المتعلقة بالحفاظ على الطبيعة، والاتجاهات المستقبلية في هذا المجال.

ثالثاً- تشتد معاناة العراقيين في ظل تفاقم تلوث البيئة بشتى صنوف الملوثات الخطيرة المنتشرة، طيلة عقدين من عمر منطومة الفساد والمحاصصة وتقاسم المغانم,، واشلها الذريع في إتخاذ إجراءات جدية وفاعلة.

رابعاً- كُتِبَ ونُشِرَ خلال العقدين الأخيرين الكثير حول التلوث البيئي وأنواعه وطبيعته وتداعياته في العراق،مع طرح حلول ومعالجات، لكن الحكومات المتعاقبة أهملتها تماماً,حيال ذلك كتب الكاتب والباحث حمزة الجناحي قبل 9 أعوام::” للاسف ان الحديث عن التلوث البيئي في العراق حديث طويل ومعقد ويجب على الدولة والحكومات العراقية الحالية واللاحقة الاهتمام بهذا الموضوع ومعالجته والاستعانة بالدول المتطورة وتوظيف خبراتها لأخراج العراق من هذه المحنة التي لا يمكن التغاضي عنها لما لها من تأثيرات مباشرة على المواطن وحتى تصرفاته العصبية والولادات الجديدة التي تولد مشوهه وربما اذا كانت سليمة ستخرج حاملة لجينات الغباء لتزيد التلوث العراقي تلوثاً جديداً(” كتابات”، 5/10/2015).

خامساً- قدمت لوزارة البيئة ولغيرها من المؤسسات المعنية مبادرات ومقترحات لحلول ومعالجات عملية، إضافة الى وثائق وقرارات وتوصيات ملؤتمرات علمية، كُرست لمساعدة العراق على التخلص من النفايات الخطرة,, هي الأخرى أُهملت، ولم يهتم بها أحد من المسؤولين المتنفذين، غير مبالين بتفاقم المشكلات البيئية الساخنة وتداعياتها الجسيمة..

إقتراناً بهذه المواقف غير المسؤولة واللاوطنية ليس غريباً ان تكون جودة الهواء في العراق متدنية جداً، بحيث أصبح أكثر من 50 في المائة من هواء بغداد ملوثاً، حتى في غياب رائحة الكبريت- بحسب علي الوائلي، رئيس مراقبة جودة الهواء في وزارة البيئة (تبارك المجيد، ” المدى”،14/10م2024)

سادساً-تجلى الفشل وسوء الإدارة والتخبط على أشده في التعامل مع المشكلة الراهنة لتلوث أجواء بغداد ومدن قريبة منها..

لقد بين د. رعد موسى الجبوري ان مدى جودة الهواء يوضحه المؤشر العالمي لجودة الهواء، ويتم حسابه من التركيزات المقاسة لملوثات: منها ثاني أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت والغبار الناعم (PM₁₀) و (PM₂,₅) والأوزون، مع تحديد النتيجة الإجمالية الأكثر أهمية للصحة من بين التركيزات المقاسة. و مراقبة ذلك تتم بشكل مستمر، من خلال زرع حساسات مراقبة في المواقع المفتاحية في المدينة.
وأضاف د. الجبوري: للأسف لازال العراق متخلفا في هذا المجال ولا يمتلك سياسات ولا أنظمة إدارة للحفاظ على جودة البيئة ومنها جودة الهواء. فاحتل العراق المرتبة السادسة الأسوأ في تقرير جودة الهواء العالمي لعام 2023 وفي تصنيفات المدن، وجاءت بغداد في المرتبة الخامسة الأسوأ في العالم “طريق الشعب”،17/ 10/2024)

علماً بان تقرير مؤشر جودة الهواء العالمي (AQI) كشف تصدر العاصمة بغداد ا قائمة المدن الأكثر تلوثاً في العالم بشأن تلوث الهواء، مقارنة مع 120 مدينة في العالم، حيث سجلت بغداد نسبة تلوث 186 ملغرام/متر³، متقدمة على كينشاسا في الكونغو،التي سجلت تلوثا وصل الى 178 ملغرام/متر³، وجاءت مدينة هانوي بفيتنام بالمرتبة الثالثة عالميا بمعدل 164 ملغرام/ مترمكعب.وتجاوزت بغداد مدن في العالم إشتهرت بإرتفاع نسب التلوث فيها،مسجلة نسب تلوث 3 أضعاف دلهي و 5 أضعاف القاهرة، مما يشير- برأي الكاتب سمير داود حنوش- إلى وجود كارثة بيئية تقترب من الإبادة الجماعية لحياة العراقيين كباراً وصغاراً من الذين يصبحون أكثر عُرضة لأمراض التلوث مثل الجهاز التنفسي، وأنواع السرطانات (“صوت العراق”،17/10/2024).

وكان الراصد الجوي صادق عطية قد كشف في كانون الثاني 2024 عن ارتفاع نسبة تلوث الهواء في أجواء البصرة، بسبب تحول اتجاه الرياح نحو المدينة، ناقلآ انبعاثات الآبار النفطية المنتشرة في المحافظة، إذ وصل تركيزه إلى حوالي 74 مليغراما في المتر المربع. وينتج هذا الغاز عن حرق الوقود الأحفوري، بما في ذلك الفحم والنفط والغاز، ويشكل خطراً على صحة الإنسان” ( “طريق الشعب”،23 /1/2024).

سابعاً- منذ شهرين تختنق بغداد عشية كل يوم برائحة الكبريت التي أخذت تثير الخوف والهلع والاستياء بين سكان العاصمة وأطرافها، بينما تعجز الحكومة حتى الآن عن تحديد مصدر تلك السموم ( تبارك مجيد- “طريق الشعب”،13/10 /2024).

ثامناً- أعلنت وزارة البيئة إنها “تمتلك قاعدة بيانات متكاملة بخصوص الأنشطة الملوثة”، لكن العراقيين لم يشهدوا أنها وظفتها وفعلت شيئاً إستبقت به الأزمة قبل حدوثها عبر إجراءات عاجلة وفاعلة، وإجراء دراسة ميدانية، ووضع خطط مستقبلية-كما يُفترض..

تاسعاً- التخبط الصارخ وتضارب الروايات الرسمية حول مصدر رائحة الكبريت التي تخنق بغداد، في ظل تبادل جهات حكومية معنية الاتهامات بالتقصير والمسؤولية، وسارغت، في ظل هذه المعمعة، كل منها، تُبرئ نفسها، وتتهم الأخرى في الأزمة.

وقد صدرت تصريحات كثيرة ومتناقضة، أغلبها مبني على تخمينات وليس بالإستناد الى دراسات علمية. ومنها ما قالته وزارة البيئة، على لسان الوكيل الفني للوزارة د. جاسم الفلاحي، أن سبب انتشار الروائح مؤخراً ” ظواهر مناخية وطقسية نتيجة تعرض العراق إلى تيارات مختلفة بالإضافة لتغير اتجاه الرياح وارتفاع درجات الرطوبة”..والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه الظواهر ولدت في هذه الأيام ؟!!

بينما أرجع مرصد “العراق الأخضر” المتخصص في شؤون البيئة، أسباب انتشار رائحة الكبريت في سماء العاصمة بغداد بشكل متكرر إلى استخدام نفط عالي الكبريت في محطات توليد الكهرباء.وحذر من أن هواء بغداد، خاصة خلال الأيام الأخيرة، بات محملاً بمواد خطرة تهدد صحة الأطفال وكبار السن، مشيرًا إلى أن بغداد تسجل لأول مرة نسبة تلوث في الهواء تصل إلى 515%. (“شفق نيوز”،14/10/ 2024).

أما المتحدث بإسم وزارة البيئة لؤي المختار فقد أعلن:” أن المعلومات المتوفرة من التحقيق تشير إلى أن الرائحة ناتجة عن عمليات حرق النفايات في المطامر الصحية بمنطقة معسكر الرشيد في الرصافة، بالإضافة إلى المخلفات الصناعية الناتجة عن معامل صهر الحديد والعبوات المعدنية في مناطق شرق القناة”… وهذا لا يتفق مع ما طرحه الوكيل الفني للوزارة.

ووجه آخرون أصابع الإتهام إلى معامل الطابوق وكور صهر النحاس التي يبلغ عددها أكثر من 250 معملاً تنتشر في ضواحي بغداد..

وأكد عامر الجابري، مدير إعلام هيئة الأنواء الجوية ان رائحة الكبريت تنتج عن احتراق الوقود الأحفوري، وهو أمر شائع في المناطق التي توجد فيها مصافي النفط. وإنتقد “التفسيرات الخاطئة التي انتشرت حول مصدر هذه الرائحة، حيث أشار بعض المتخصصين إلى أنها قد تكون ناتجة عن احتراق في مواقع الطمر الصحي”، مؤكدًا أن “المشكلة الحقيقية تكمن في انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت من المصافي وعمليات احتراق الوقود الأحفوري، وهي انبعاثات تحمل مخاطر صحية كبيرة على السكان”.
وأضاف:”خلال هذا العام تمت إضافة مصدر جديد لرائحة الكبريت، وهو صناعة الأسفلت، التي تتطلب استخدام مواد أسفلتية تحتاج إلى حرق الوقود الأحفوري، وعادةً ما يكون ذلك من النفط الأسود أو الخام، الذي يحتوي على محتوى كبريتي عال. وتفاقمت الحالة مع عدم توفر وسائل السيطرة على الانبعاثات وعدم تحقيق المتطلبات البيئية”.
وأعرب الجابري عن استيائه من عدم اتخاذ الجهات المعنية، وخاصة وزارة البيئة، إجراءات جدية لمعالجة هذه المشكلة المتكررة. وحمل المؤسسات الحكومية، وخاصة وزارة البيئة، اسؤولية حماية المواطنين من المخاطر البيئية، ودعا إلى “العمل الجاد على معالجة مشكلة انبعاثات الكبريت، ووجوب أن تكون من الأولويات، نظرًا لتأثيراتها الخطيرة على الصحة العامة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *