الكاتب : فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن الفاحشة “اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴿العنكبوت 45﴾ اتل ما أُنزل إليك من هذا القرآن، واعمل به، وأدِّ الصلاة بحدودها، إن المحافظة على الصلاة تنهى صاحبها عن الوقوع في المعاصي والمنكرات، وذلك لأن المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها، يستنير قلبه، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تنعدم رغبته في الشر، ولَذكر الله في الصلاة وغيرها أعظم وأكبر وأفضل من كل شيء. والله يعلم ما تصنعون مِن خيرٍ وشر، فيجازيكم على ذلك أكمل الجزاء وأوفاه.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز وجل “اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴿العنكبوت 45﴾ وعن بعضهم في دفع الإشكال أن الصلاة تقام لذكر الله كما قال تعالى: “أقم الصلاة لذكري” ومن كان ذاكرا لله تعالى منعه ذلك عن الإتيان بما يكرهه وكل من تراه يصلي ويأتي بالفحشاء والمنكر فهو بحيث لولم يصل لكان أشد إتيانا فقد أثرت الصلاة في تقليل فحشائه ومنكره. وأنت خبير بأن شيئا من هذه الأجوبة لا يلائم سياق الحكم والتعليل في الآية فإن الذي يعطيه السياق أن الأمر بإقامة الصلاة إنما علل بقوله: “إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” ليفيد أن الصلاة عمل عبادي يورث إقامته صفة روحية في الأنسان تكون رادعة له عن الفحشاء والمنكر فتتنزه النفس عن الفحشاء والمنكر وتتطهر عن قذارة الذنوب والآثام. فالمراد به التوسل إلى ملكة الارتداع التي هي من آثار طبيعة الصلاة بنحو الاقتضاء لا أنها أثر بعض أفراد طبيعة الصلاة كما في الجواب الثاني، ولا أنها أثر الاشتغال بالصلاة ما دام مشتغلا بها كما في الجواب الثالث، ولا أن المراد هو التوسل إلى تلقي نهي الصلاة فحسب من غير نظر إلى الأنتهاء عن نهيها كأنه قيل أقم الصلاة لتسمع نهيها كما في الجواب الرابع، ولا أن المراد أقم الصلاة لينهاك الذكر الذي تشتمل عليه عن الفحشاء والمنكر كما في الجواب الخامس. فالحق في الجواب أن الردع أثر طبيعة الصلاة التي هي توجه خاص عبادي إلى الله سبحانه وهو بنحو الاقتضاء دون الاستيجاب والعلية التامة فربما تخلف عن أثرها لمقارنة بعض الموانع التي تضعف الذكر وتقربه من الغفلة والانصراف عن حاق الذكر فكلما قوي الذكر وكمل الحضور والخشوع وتمحض الإخلاص زاد أثر الردع عن الفحشاء والمنكر وكلما ضعف ضعف الأثر. وأنت إذا تأملت حال بعض من تسمى بالإسلام من الناس وهو تارك الصلاة وجدته يضيع بإضاعة الصلاة فريضة الصوم والحج والزكاة والخمس وعامة الواجبات الدينية ولا يفرق بين طاهر ونجس وحلال وحرام فيذهب لوجهه لا يلوي على شيء ثم إذا قست إليه حال من يأتي بأدنى مراتب الصلاة مما يسقط به التكليف، وجدته مرتدعا عن كثير مما يقترفه تارك الصلاة غير مكترث به ثم إذا قست إليه من هو فوقه في الاهتمام بأمر الصلاة وجدته أكثر ارتداعا منه وعلى هذا القياس. وقوله: “ولذكر الله أكبر” قال الراغب في المفردات:، الذكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للأنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه والذكر يقال اعتبارا باستحضاره. وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول ولذلك قيل: الذكر ذكران ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ، وكل قول يقال له ذكر. انتهى. والظاهر أن الأصل في معناه هو المعنى الأول وتسمية اللفظ ذكرا إنما هو لاشتماله على المعنى القلبي والذكر القلبي بالنسبة إلى اللفظي كالأثر المترتب على سببه والغاية المقصودة من الفعل.
والصلاة تسمى ذكرا لاشتمالها على الأذكار القولية من تهليل وتحميد وتنزيه وهي باعتبار آخر مصداق من مصاديق الذكر لأنها بمجموعها ممثل لعبودية العبد لله سبحانه كما قال: “إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ” (الجمعة 9)، وهي باعتبار آخر أمر يترتب عليه الذكر ترتب الغاية على ذي الغاية يشير إليه قوله تعالى: “وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي” (طه 14). والذكر الذي هو غاية مترتبة على الصلاة أعني الذكر القلبي بمعنى استحضار المذكور في ظرف الإدراك بعد غيبته نسيانا أو إدامة استحضاره، أفضل عمل يتصور صدوره عن الأنسان وأعلاه كعبا وأعظمه قدرا وأثرا فإنه السعادة الأخيرة التي هيئت للإنسان ومفتاح كل خير. ثم إن الظاهر من سياق قوله: “وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” إن قوله: “ولذكر الله أكبر” متصل به مبين لأثر آخر للصلاة وهو أكبر مما بين قبله، فيقع قوله: “ولذكر الله أكبر” موقع الإضراب والترقي ويكون المراد الذكر القلبي الذي يترتب على الصلاة ترتب الغاية على ذي الغاية فكأنه قيل: أقم الصلاة لتردعك عن الفحشاء والمنكر بل الذي تفيده من ذكر الله الحاصل بها أكبر من ذلك أي من النهي عن الفحشاء والمنكر لأنه أعظم ما يناله الإنسان من الخير وهو مفتاح كل خير والنهي عن الفحشاء والمنكر بعض الخير. ومن المحتمل أن يراد بالذكر ما تشتمل عليه الصلاة من الذكر أو نفس الصلاة. والجملة أيضا واقعة موقع الإضراب، والمعنى: بل الذي تشتمل عليه الصلاة من ذكر الله أو نفس الصلاة التي هي ذكر الله أكبر من هذا الأثر الذي هو النهي عن الفحشاء والمنكر لأن النهي أثر من آثارها الحسنة و”ذكر الله” على الاحتمالين جميعا من المصدر المضاف إلى مفعوله والمفضل عليه لقوله: “أكبر” هو النهي عن الفحشاء والمنكر. ولهم في معنى الذكر وكون المضاف إليه فاعلا أو مفعولا للمصدر وكون المفضل عليه خاصا أو عاما أقوال أخر. فقيل: معنى الآية: ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لله تعالى وذلك أن الله تعالى يذكر من ذكره لقوله: ” فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ” (البقرة 152)، وقيل: المعنى: ذكر الله تعالى العبد أكبر من الصلاة، وقيل: المعنى: لذكر الله العبد أكبر من كل شيء. وقيل: المعنى: لذكر العبد لله في الصلاة أكبر من سائر أركان الصلاة، وقيل: المعنى: لذكر العبد لله في الصلاة أكبر من ذكره خارج الصلاة، وقيل: المعنى: لذكر العبد لله أكبر من سائر أعماله، وقيل: المعنى: للصلاة أكبر من سائر الطاعات وقيل: المعنى: لذكر العبد لله عند الفحشاء والمنكر وذكر نهيه عنهما أكبر من زجر الصلاة وردعها، وقيل: إن قوله: “أكبر” معرى من معنى التفضيل لا يحتاج إلى مفضل عليه كقوله: “ما عند الله خير من اللهو”. فهذه أقوال لهم متفرقة أغمضنا عن البحث عما فيها إيثارا للاختصار، والتدبر في الآية يكفي مئونة البحث على أن التحكم في بعضها ظاهر لا يخفى. وقوله: “والله يعلم ما تصنعون” أي ما تفعلونه من خير أو شر فعليكم أن تراقبوه ولا تغفلوا عنه ففيه حث وتحريض على المراقبة وخاصة على القول الأول.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز وجل “اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴿العنكبوت 45﴾ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر: “اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ”. اقرأ يا محمد هذه الأمثال التي ضربناها للناس في القرآن لعلهم يفقهون ويتقون “وأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ والْمُنْكَرِ”. وتسأل: ظاهر الآية يدل على أن المصلين ينتهون عن الفحشاء والمنكر، ولا يفعلون منهما شيئا مع أن أكثرهم فاسقون، بل إن البعض منهم أسوأ سيرة من بعض الملحدين والمشركين؟ الجواب: كلا، إن ظاهر الآية يدل بوضوح على أن الصلاة تنهى المصلي عن الفحشاء والمنكر، تنهاه بالقول والإرشاد، ولا دلالة فيها على أن المصلي ينتهي بسببها عن الفحشاء والمنكر، والفرق بين النهي والانتهاء كبير وواضح. وليس من شك ان كل كلمة من كلمات الصلاة وحركة من حركاتها تنهى عن معصية اللَّه، وتأمر بطاعته، وبكلمة ان الصلاة كالقرآن تأمر وتنهى تشريعا لا تكوينا. انظر ج 1 ص 72 فقرة: (التشريع والتكوين). ولابن عربي في الفتوحات المكية كلمة غامضة ومعقدة حول هذه الآية، ولكنها دقيقة المعنى، وتوضيحها ان المصلي يحرم عليه حين الصلاة أن يتفوه بكلمة أو يتحرك بحركة تناقض طبيعة الصلاة وتبطلها، ولا يحرم عليه ان يقول ويفعل شيئا يتلاءم مع الصلاة وصحتها، كما لو زاد في التسبيح والتحميد حين الركوع والسجود، أو تصدق لوجه اللَّه في أثناء الصلاة دون أن يخل بشيء منها، كما فعل علي أمير المؤمنين عليه السلام حين تصدق بخامته، وهو راكع. وعلى هذا يكون المراد بالفحشاء والمنكر كل قول أو فعل يبطل الصلاة، أن أي الصلاة تقول للمصلي: حافظ عليّ ولا تأت بشيء يبطلني ويخرجني عن هويتي وحقيقتي. “ولَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ”. ليس المراد ان ذكر اللَّه أكبر من الصلاة، لأن الصلاة ذكر اللَّه، والشيء لا يكون أكبر من نفسه، وانما المراد ان اللَّه أكبر ذاكر لعباده باللطف والرحمة، وبكلام أوضح ان اللَّه ذاكر ومذكور، هو ذاكر لأنه يذكر عباده بلطفه ورحمته، وهو مذكور لأن عباده يذكرونه بقلوبهم ايمانا وإخلاصا وبألسنتهم تهليلا وتسبيحا، وبأفعالهم ركوعا وسجودا، وهو أكبر الذاكرين والمذكورين لأنه رب العالمين “واللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ” من خير وشر، ويجزي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وجل “اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴿العنكبوت 45﴾ وعند منتصف النهار وبينما هو غارق في حياته المادية يفاجأ بصوت تكبير المؤذن، فيقطع عمله ويسرع إلى حضرته، بل في آخر النهار بداية الليل أيضاً وقبل أن يدلف إلى فراش الدعة والراحة، يدعوه ويطلب منه حاجته، ويجعل قلبه مركز أنواره. وبغض النظر عن كل ما تقدم فإنّ الأنسان حين يتهيأ لمقدمات الصلاة، يطهّر بدنه ويبعد عنه مسائل الحرام والغصب، ويتجه إلى الحبيب، فكلّ هذه الأُمور لها تأثير رادع لنوازع الفحشاء والمنكر. غاية ما في الأمر أنّ كل صلاة بحسب شروط الكمال وروح العبادة لها أثر رادع ناه عن الفحشاء والمنكر، فتارة تنهى نهياً كليّاً وأُخرى جزئياً.. ومحدوداً. ولا يمكن لأحد أن يصلي ولا تدع الصلاة فيه أثراً حتى لو كانت الصلاة صورية، وحتى لوكان ملوّثاً بالذنب وبالطبع فإنّ مثل هذه الصلاة قليلة الفائدة ومثل هؤلاء الأفراد لولم يصلّوا صلاةً كهذه لكانوا أسوأ ممّا هم عليه. ولنوضّح أكثر فنقول: النهي عن الفحشاء والمنكر له سلسلة درجات ومراتب كثيرة، وكل صلاة مع رعاية الشروط لها نسبة من هذه الدرجات. (أحاديث) ينبغي الإلتفاتُ إليها 1 ـ في حديث عن ا لنّبي الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله ورد أنّه قال: (من لم تنهَهُ صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلاّ بُعداً). 2 ـ وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله أيضاً: (لا صلاة لمن لم يطع الصلاة، وطاعة الصلاة أن ينتهي عن الفحشاء والمنكر). 3 ـ كما نقرأ في حديث ثالث عنه صلى الله عليه وآله أنّ شاباً من الأنصار أدّى الصلاة معه، ولكنّه كان ملوثاً بالذنوب القبيحة، فأخبروا النّبي صلى الله عليه وآله فقال: (إن صلاته تنهاه يوماً). 4 ـ هذا الأثر للصلاة له أهمية قصوى إلى درجة أنّنا نجده في الرّوايات الإسلامية معياراً لقبول الصلاة وعدمها، إذ ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: (من أحبّ أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل، فلينظر هل منعت صلاته عن الفحشاء والمنكر؟ فبقدر ما منعته قبلت منه). ويقول القرآن تعقيباً على ما ذكره ومن شأن الصلاة “ولذكرُ الله أكبر”.
وظاهر الجملة هو بيان غاية وحكمة أُخرى في الصلاة، أي أن أثراً آخر من آثار الصلاة وبركاتها أهم من كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر هو تذكير الأنسان بربّه، هذا الذكر هو أساس السعادة والخير، بل العامل الأصلي للنهي عن الفحشاء والمنكر أيضاً هو ذكر الله، وكونه أكبر لأنّه العلّة والأساس للصلاة. وأساساً. فإنّ ذكر الله فيه حياة القلوب ودعتها، ولا شيء يبلغ مبلغه “أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (الرعد 28). ولا ريب أنّ روح العبادة بجميع أقسامها ـ صلاة كانت أم غيرها ـ هو ذكر الله، فأذكار الصلاة، وأفعالها ومقدماتها، جميعها في الواقع تحيي ذكر الله في قلب الأنسان. وممّا يلفت النظر أن في الآية (14) من سورة طه إشارة إلى هذه الحكمة الأساسية من الصلاة، إذ نلاحظ فيها الخطاب لموسى قائلا: “وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي” (طه 14). إلاّ أنّ المفسّرين الكبار ذكروا للجملة المتقدمة تفسيرات أُخرى، وقد ورد في الرّوايات الإسلامية إشارة إليها أيضاً من ضمنها: إنّ المراد من الجملة المتقدمة، أن ذكر الله لكم برحمته أكبر من ذكركم لله بطاعته. ومنها: إنّ ذكر الله أكبر من الصلاة وأعلى، لأنّ روح كل عبادة (ذكر الله). وهذا التّفاسير التي ورد بعضها في الرّوايات الإسلامية، ربّما كانت إشارة إلى بطون الآية، وإلاّ فإنّ ظاهرها منسجم مع المعنى الأوّل، لأنّه في أغلب الموارد التي يرد التعبير فيها بـ (ذكر الله) أو (ذكروا الله) أو (اُذكروا اللّه) الخ، يقصد بها ذكر الناس لله. والآية المذكورة آنفاً، يتداعى لها هذا المعنى، إلاّ أنّ ذكر الله لعباده يمكن أن يكون نتيجة مباشرة لذكر العباد لله، وبهذا يرتفع التضاد بين المعنيين. في حديث عن معاذ بن جبل أنّه قال: لا شيء من أعمال ابن آدم لنجاته من عذاب الله أكبر من ذكر الله، فسألوه: حتى الجهاد في سبيل الله؟ فقال: أجل، فالله يقول: “ولذكر الله أكبر”. والظاهر أنّ (معاذ بن جبل) سمع هذا الكلام من رسول الله صلى الله عليه وآله: لأنّه نفسه ينقل إنّه سأل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: أيّ الأعمال أفضل؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله). وحيث أنّ نيّات الناس، وميزان حضور القلب منهم في الصلاة وسائر العبادات، كل ذلك متفاوت جدّاً، فإنّ الآية تختتم بالقول: “والله يعلم ما تصنعون” ﴿العنكبوت 45﴾. أي يعلم ما تصنعون من أعمال في الخفاء أو العلن، والنيّات التي في قلوبكم أو الكلمات التي تجري على ألسنتكم.