نوفمبر 22, 2024

الكاتب : جاسم الشمري

يمر العراق، ومنذ أكثر من 21 عاما من الاحتلال،أو التغيير، أو الديمقراطيّة، بمرحلة متشابكة ومتداخلة ومركّبة، سبّبت القلق لكثير من السياسيّين!

وحينما يُذكر “القلق” يذهب الفكر إلى “القلق العصابيّ والأخلاقيّ والموضوعيّ (الواقعيّ)” وفقا لنظريّة فرويد في التحليل النفسيّ، والذي يرى أنّ القلق ردّ فعل غريزيّ في داخل الإنسان.

والقلق حالة شبه ملازمة للإنسان، وبالذات للمسؤولين في العصور المظلمة، ومراحل الخلل السياسيّ والأمنيّ وتفشّي الظلم والفساد وضياع هيبة الدولة!

والقلق بعبارة بسيطة هو الخوف الذي يستشعرهالإنسان من المخاطر الحقيقية، أو المتوهمة في فكره، أو الواقع.

وأعتقد أنّ ” القلق السياسيّ” هو الخوف الذي يستشعره السياسيّ، أو القيادة، في مرحلة الحكم أو المعارضة، وغالبيّة هذا النوع من القلق حقيقي مرتبط بالحاضر أو المستقبل وبعيد عن الأوهام والخيال.

وقد عانى العراق من مراحل قلق سياسيّة حقيقيّة وعديدة، وأبرزها كانت في الأيّام الأولى بعد الاحتلال الأمريكيّ في العام 2003، وكذلك مرحلة كتابة الدستور وتمرير العمليّة السياسيّة في العام 2005.

وأكبر مراحل القلق كانت منتصف العام 2014 والأعوام الثلاثة اللاحقة، حينما سَيْطر “داعش” على ثلث العراق، وكذلك مظاهرات تشرين الأوّل/ أكتوبر في العام 2019.

وخلال العام الحاليّ، ربّما، يُمكن تحديد القلق السياسيّ الأبرز بخروج بعض الجماعات المسلّحة عن سيطرة الحكومة وتوجيهها، حتى الساعة،لضربات بالصواريخ والطائرات المسيّرة لبعض الأهداف داخل “إسرائيل”، وأخيرا البيان الخطير للمرجعيّة الشيعيّة في النجف في الخامس من الشهر الحاليّ، والداعي “لحصر السلاح بيد الدولة”!

وأظنّ أنّ حكومة محمد شياع السوداني تمرّ بحالة قلق مُرْبِكة، ولا تدري كيف يمكنها أن تُوازن بين سعيها لحفظ الأمن الداخليّ، وعدم التصادم مع الفصائل المسلّحة التي تمتلك قدرات لا يُستخفّ بها!

والقلق السياسيّ العراقيّ ليس من فراغ، أو خيالوأوهام بل هو قلق حقيقيّ من واقع مليء بالتطوّرات، وخصوصا بعد فوز ترامب بالرئاسة الأمريكيّة، ومن هنا كانت كلمة رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي يوم التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر الحاليّ!

واستغل المالكي بيان المرجعيّة كمناسبة للتحذير من احتمالات تطوّر الحرب في غزّة ولبنان واتّساع دائرتها، وضرورة التزام حكومة السوداني والقوى السياسيّة بالبيان لأنّه يهدف إلى “تأهيل الدولة لتحمّل المسؤوليّة والالتفات إلى الواقع“!

وقد رمى المالكي بالكرة في ملعب السوداني، وربطها بدعوة المرجعيّة بقوله “الواجب الأساسيّ والأكبر يقع على عاتق الحكومة وأجهزتها“!

وهذه الدعوة للحكومة يمكن أن ينظر لها من جانبين، الأوّل، وهو أضعفهما، بأنّها دعوة جادّةللحكومة لمكافحة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح للمجاميع المسلّحة بالعمل خارج إطار القوّات الرسميّة.

أما الجانب الآخر، والأقوى، هي دعوة مُبطّنة للتخلّص من السوداني عبر توريطه في مواجهات مفتوحة مع الجماعات المسلّحة البارزة، خصوصا أنّ بعض الفصائل، ومنها كتائب سيّد الشهداء، قد أكّدت بأنّ “دعوة المرجعيّة بشأن حصر السلاح لا تشمل سلاح فصائل المقاومة“!

وعند التدقيق في خطاب المالكي نجد أنّه لم يدع إلى حلّ المجاميع المسلّحة غير الرسميّة!

فكيف سيتمكّن السوداني من الاقدام على هذه الخطوة المفصليّة بين السلاح الرسميّ وغير الرسميّ؟

وإن وقعت تلك المواجهات الحكوميّة مع بعض الفصائل فسيجد السوداني نفسه وحيدا في الواجهة، وبهذا ينتهي تخوّف “رفاق الأمس” من احتماليّة سطوع نجم “السوداني” في المرحلة القادمة كقيادي جديد في الميدان!

وبدليل أنّ المتحدّث باسم ائتلاف دولة القانون، عقيل الفتلاوي، أكّد الثلاثاء الماضي بأنّ ائتلافه “لا يخشى منافسة السوداني انتخابيّا“، لكنّه يسعى إلى “تحديد مساحة استغلال المال والسلطة للكسب الانتخابيّ”!

والأخطر هي دعوته للعراقيّين لأخذ دور رجال الأمن بمراقبة ” كلّ مَن يُعتقد أنّ لديه نشاط سياسيّخارج إطار السلطة“، وهذه الدعوة قد تفتح الباب لتصفيات شخصيّة وطائفيّة بعيدة عن العدالة!

وصدقا يبدو خطاب المالكي كأنّه دعوة لإعلان حالة الطوارئ العامّة بدليل دعوته لإجراء تغييرات في جميع مفاصل الدولة المدنيّة والعسكريّة والحكوميّة!

وجميع هذه القضايا المذكورة في خطاب المالكي تبثّ القلق في نفوس السياسيّين وكياناتهم!

مخاوف المالكي قد تكون حقيقيّة، وربّما، بعضها ذكرتها صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في
الثالث من هذا الشهر عبر تحذير “إسرائيل” لبغداد من “استخدام الفصائل المدعومة من إيران الأراضي العراقيّة لتوجيه ضربات ضدّها“، وخصوصا مع تأكيد واشنطن بأنّ “الردّ الإسرائيليّ على العراق محتوم”، وفقا لصحيفة أكسيوس!

وقبل خطاب المالكي بساعات طالب مقتدى الصدر أتباعه بتأدية التمارين الرياضيّة بعد الصلوات بإشراف كافّة مكاتبه وبعض المدرّبين!

فهل مخاوف المالكي لها علاقة بدعوة الصدر، أم هي خطوات مُتّفق عليها لوجود مخاوف مشتركة؟

‏إنّ علاج ” القلق السياسيّ” لا يكون بالشحن النفسيّ والروحيّ أو بالأدوية المهدّئة، وإنّما ببناء دولة المؤسّسات، ونشر العدالة الاجتماعيّة والقضائيّة، وبناء دولة المواطنة وجعل الانتماء للعراق هو المعيار الأوحد للمفاضلة بين المواطنين!

عالجوا “القلق السياسيّ” بالعدل، وعدم الانجرار وراء السياسيات الغريبة والهجينة والتخريبيّة الناشرة للقلق القاتل في أرجاء الدولة والمجتمع!

dr_jasemj67@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *