الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله سبحانه “قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ” ﴿الأعراف 38﴾ أمة اسم، قال الله تعالى لهؤلاء المشركين المفترين: ادخلوا النار في جملة جماعات من أمثالكم في الكفر، قد سلفت من قبلكم من الجن والإنس، كلما دخلت النارَ جماعةٌ من أهل ملة لعنت نظيرتها التي ضلَّتْ بالاقتداء بها، حتى إذا تلاحق في النار الأولون من أهل الملل الكافرة والآخرون منهم جميعًا، قال الآخرون المتبعون في الدنيا لقادتهم: ربنا هؤلاء هم الذين أضلونا عن الحق، فآتهم عذابًا مضاعفا من النار، قال الله تعالى: لكل ضعف، أي: لكل منكم ومنهم عذاب مضاعف من النار، ولكن لا تدركون أيها الأتباع ما لكل فريق منكم من العذاب والآلام.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله سبحانه “قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ” ﴿الأعراف 38﴾ تنازع القادة والاتباع في جهنم. في هذه الآية يواصل القرآن الكريم بيان المصير المشؤوم للمكذبين بآيات الله. ففي الآيات السابقة صور لنا وضعهم عند حلول الموت، وسؤال الملائكة القابضة للأرواح لهم، وهنا يرسم لنا ما يجري بين الجماعات المظلّة والغاوية، وبين من تعرضوا للإغماء في يوم القيامة. ففي يوم القيامة يقول الله لهم: التحقوا بمن يشابهكم من الجن والإنس ممن سبقوكم، وذوقوا نفس مصيرهم النّار “قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ”. إنّ هذا الأمر يمكن أن يكون بشكل أمر تكويني، يعني أن يجعلهم جميعا في مكان واحد، أو يكون شبيها بأمر تشريعي يصدر إليهم يسمعونه بآذانهم، ويكونون مجبورين على إطاعته. وعند ما يدخل الجميع في النّار تبدأ مصادماتهم مع زملائهم وأشباههم في المسلك، وهي مصادمات عجيبة، فكلّما دخلت جماعة منهم في النّار لعنت الأخرى واعتبرتها سببا لشقائها ومسئولة عن بلائها ومحنتها “كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها”. ولعلنا قلنا مرارا: إنّ ساحة القيامة وما يجري فيها انعكاس واسع وكبير لمجريات هذه الدنيا. فلطالما رأينا في هذا العالم الجماعات والفرق والأحزاب المنحرفة تلعن إحداها الأخرى، وتبدي تنفرها منها. على العكس من أنبياء الله، والمؤمنين الصالحين، والمصلحين الخيّرين، فإنّ كل واحد منهم يؤيّد برنامج الآخر، ويعلن عن ارتباطه به واتحاده معه في الأهداف والغايات. إلّا أنّ الأمر لا ينتهي إلى هذا الحدّ، بل عند ما يستقر الجميع ـ بمنتهى الذلّة والصغار ـ في الجحيم والعذاب الأليم، تبدأ كل واحدة منها برفع شكايتها إلى الله من الأخرى. ففي البداية يبدأ المخدوعون المغرّر بهم بعرض شكايتهم، وحيث أنّهم لا يجدون مناصا ممّا هم فيه يقولون: ربّنا إنّ هؤلاء المغوين هم الذين أضلونا وخدعونا، فضاعف يا ربّ عذابهم، عذابا لضلالهم وعذابا لإضلالهم إيّانا. وهذا هو ما يتضمّنه قوله تعالى: “حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ”. مع الإمعان والدقة يتّضح لماذا ينال المخدوعون المضللون ضعفا من العذاب أيضا، لأنّه لا يستطيع أئمّة الظلم والجور ورؤوس الانحراف والضلال أن ينفذوا لوحدهم برامجهم، بل هؤلاء الأتباع المعاندون المتعصبون لأسيادهم هم الذين يمدون قادة الضلال ورؤوس الانحراف بالقوّة والمدّد الذي يوصلهم إلى أهدافهم الشريرة، وعلى هذا الأتباع يجب أن ينالوا ضعفا من العذاب أيضا، عذابا لضلالهم هم، وعذابا لمساعدتهم للظالمين وإعانتهم قادة الانحراف. ولهذا نقرأ في حديث معروف عن الإمام الكاظم عليه السلام حول أحد شيعته يدعى صفوان، حيث نهاه عن التعاون مع هارون الرشيد قائلا: (يا صفوان كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا). قلت: جعلت فداك أي شيء؟ قال عليه السلام إكراؤك جمالك من هذا الرجل (هارون الرشيد العباسي). قلت: والله ما أكريته أشرا ولا بطرا ولا للصيد ولا للهو، ولكنّي أكريته لهذا الطريق (يعني طريق مكّة). فقال لي عليه السلام: يا صفوان أيقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك. فقال لي: أتحبّ بقاءهم حتى يخرج كراؤك. قلت: نعم. قال عليه السلام: (من أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النّار).
جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده،فإن لم يستطع فبلسانه،فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). اعداد القوة فرض كفائي ليكون المنتظر مستعد بأنه جندي الامام المهدي ضد الاعداء كما قال الله عز وجل. فالمظلوم عليه ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فلا خير في امة منتظريها ينظرون الى المنكر ولم يفعلوا شئ كما قال الله عز من قائل”كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” ( آل عمران 110). فمنتظري الامام المهدي الحجة عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكما جاء في الحديث النبوي الشريف.
عن المركز الاسترتيجي للدراسات الاسلامية التحديد المفاهيمي لمصطلحيّ الأمّة والمُواطَنة للسيد صادق عباس الموسوي: في نصف القرن العشرين الثاني تنامى التّيار العربيّ، وبرزَ مصطلحُ الأُمَّـة مناسِباً للعرب، خاصّة مع تأسيس جامعة الدُوَل العربيَّة 1946، والثورة القوميّة التي قام بها (جمال عبد الناصر)، حيث اجتاحت الفكر العربيّ لتطفو على السطح ولتُصبح هذه المفردة وثيقة التعبير عن الشعب الذي يتكلَّم العربيّة. لكن وبشكلٍ مساوقٍ لهذا التيّار الجارف، نما فكرٌ إسلاميّ ينأى بنفسه عن القوميّة مُعيداً للشعارات السالفة عن الأُمَّـة التي تتكوَّن من مسلمين حتّى لو ضاقت بينهم السبل وأبعدتهم الأقطار. يُمكنُ مقاربة ثنائية الأُمَّـة / العربيّة والأُمَّـة / الإسلاميِّة، من خلال تفحُّص نصوص متزامنة للدلالة على الخطاب المُتَّحدِ في الوقت والمختلفِ في الفكر. فشيخُ الجماعات الإسلاميِّة )حسن البنّا( (1949م) يستعمل الثنائيّة الدينيَّة. يقولُ في رسالة الجهاد: (إنّ الأُمَّـة التي تُحسِن صناعة الموت، وتعرفُ كيفَ تموتَ الموتةَ الشريفة، يهبُ لها اللّهُ الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة ) (28). حيثُ يطلقُ بداهةً مُفردة الأُمَّـة على مدلولها الدّيني. على النقيض منه يستعمل صاحب (كيف ينهض العرب؟) (عمر الفاخوري) (1946م) المصطلح في ثنائيّة لغويّة، حيث يأسف لأنَّ (الأُمَّـة العربيَّة نائمة نوماً عميقاً منذ ستة قرون، فهي لذلك متخدِّرة الأعصاب وإن أخذت تفتحُ عينيها، لكنّها تفتحُهما لتُغمِضَهُما بعد قليل). بعد أكثرِ من عشرةِ سنوات تبقى الثنائيَّة السالفة، تّتضح جليَّاً بين شهيدِ الجماعات الإسلاميِّة والمُنَظِّرِ لها (سيِّد قطب) (1966م) الذي يُؤَّكد على الاستعمَال الدّيني للمصطلح حين يوَصِّف الأُمَّـة الإسلاميِّة باعتبارها (جسداً واحداً يحُّسُ إحساساً واحداً، فما يُصيبُ عضواً منه يشتكي منه سائر الأعضاء). وبين مُعاصرِهِ (زكي الأرسوزي) (1968م) الذي يفخر ويمتدح الأُمَّـة العربيّة التي لم تأفل منذ الإنسانيّة الأولى (فالأُمَّـة العربيّة برأيه ينبوع الشعوب السامية كافّة، عالَمٌ بذاتها لم تأفل منذ ظهور الإنسان على مسرح التاريخ)، ويعاضِدُهُ في ذلك (ساطع الحُصَري) الذي أفرَد مؤلّفات جمّة للدفاع عن الأُمَّـة العربية. هذه الثنائية ظلّت تحكم الدُوَل العربيّة، بين التيارات الإسلاميِّة التي تُعطي لمفهوم الأُمَّـة طابَعهُ السلفِّي الذي استخدمَه القُرآن وعبَّر عن ذهنيّة الأصحاب والتابعين ومن لَحِقَ بهم، وبين التيّاراتِ القوميَّةِ التي اتَّخذَت من خلفِّيتها مدلولاً جديداً للمصطلح، خاصَّة مع بروز مفكِّرين غير مسلمين، يهتَّمون بإبعاد المصطلح عن بُعده الدِّيني ليكونوا ضمن دائرة دلالته. وبين الأُطروحات والأُطروحات المضادّة أُوجِدَت صيَغ تعبيريّة تُبرِز التكامل بين العروبة والإسلام، صيَغ تُبعِد عن سطح الخطاب معنى التقابل والتعارُض فتؤكّد أنَّ (العرب مادَّة الإسلام) أو أنّ (الإسلام عربي).وقد وقع أصحاب ثنائية الأُمَّـة/ العروبة في إشكال التمييز بين القوميَّة وبين الأُمَّـة، فكثيرٌ منهم جعلوا منهما مُصطَلحين مترادفَين، وقد حذّر (أرسوزي) من ذلك لأنَّ كلاً منهما يعني معنىً مختلفاً عن الآخر، ونبَّهَ أيضاً (عمر فروّخ) من إستعمَال القوميّة دون الأُمَّـة حيث يقول (إنَّهم يُكثرون الكلام على القوميَّةِ ويُهملون الكلام على الأُمَّـة أو يجعلون الكلام عن الأُمَّـة تابعاً للكلام على القوميّة… إنَّ القوميَّة موجودةٌ بالأُمَّـة). التحذير المذكور هو بسبب الاعتبار بأنَّ الأُمَّـة مفهومٌ فيه من الإتِّحاد أكثر منه في القوميَّة، وهو يتضَّمن عوامل أخرى غير اللُّغة كالتاريخ المشترك وغيره من عوامل الارتباط.