الكاتب : عبد المنعم الاعسم
خطاب زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله الذي اعلن خوض القتال الى جانب حكم الرئيس السوري بشار الاسد، شكل انزلاقا خطيرا في مجرى الصراع على الارض السورية، إذ تحولت هذه البلاد من لاعب ناشط في ملاعب الاخرين الى ملعب للاخرين، وشاءت المفارقة التاريخية ان يصبح العراق احد ابرز هؤلاء اللاعبين على بعد ان كانت سوريا، منذ سقوط صدام حسين ولحوالي عقد من السنين، ابرز اللاعبين على اراضيه، ورئة لمشروع الارهاب وتسلل مقاتلي تنظيم القاعدة، بل وساحة لتدريب المتطوعين الاجانب قبل عبورهم الحدود “من اجل الجهاد” في العراق.
لا ينبغي النظر، عراقيا، الى هذا الانقلاب في الاحداث السورية من زاوية التشفي أو تصفيات الحساب، ولا تصح المطالبة بالتفرج على ما يجري والنأي عما يحدث هناك، اولا، لأنه من المستحيل على العراق ان يقف متفرجا اذا ما اراد حماية مصالحه من شظايا البركان السوري الذي يتفجر بجواره، وثانيا، لأن التفرج يعمق ويفاقم الانقسام الحاد الحاصل لدى الرأي العام العراقي حيال مصير سوريا: بين من يؤيد بحماس “الثورة” السورية” ومَن يناهضها بقوة.. اخذا بالاعتبار البعد الطائفي الواضح لهذا الانقسام.
ولا يمكن بحال الاخذ مأخذ الجد ما قاله السيد نصر الله بان تحويل سلاح حزبه
من ساحته المفترضة في مواجهة اسرائيل جنوبا نحو الساحة السورية غربا، كونه مواصلة لحرب “المقاومة” ضد اسرائيل وامريكا، فليس هذا سوى جزء من خارطة المواجهة، او تفصيل من عنوانها الكبير الذي يتخذ على الارض السورية طابعا طائفيا، من جهة، وطابعا اقليميا من جهة ثانية، الامر الذي يدفع المحلل الموضوعي الى التقليل من اهمية الكلام عن مقاومة اسرائيل وامريكا، واعتبار الامر الرئيسي ذي صلة بالانحياز الى محور اقليمي- دولي بمواجهة محور آخر، وبالقتال الى جانب طائفة محلية ضد طائفة أخرى.
من هذه الزاوية ينظر المراقب(والعالم كله) الى مصداقية موقف العراق الرسمي المعلن كونه محايدا، ومحبذا للحل السلمي، لأن خطاب نصرالله المرخِّص للقتال الى جانب الاسد وطائفته يتجه (مثل فتوى) الى محور عراقي له نفوذ في الحكومة وخارجها، وكان مسبوقا بتقارير موثقة عن وجود متطوعين عراقيين يقاتلون جماعات الثورة الى جانب قوات الحكومة السورية.
المشكلة الاولى هنا، ان خطاب نصر الله والمحور العراقي المحسوب عليه، لا يضعان بالاعتبار مرحلة سوريا ما بعد بشار الاسد.. كاحتمال وارد في الاقل.. والمشكلة الثانية، ان الموقف الرسمي العراقي غير مرحب به من اصحاب الثورة السورية الذين سيديرون شؤون سوريا بعد الاسد، وان العراق، كما لو كتب عليه، ان يعيش خصومة ابدية مع جاره السوري.
******
” الإنسان هو الكائن الطفيلي الوحيد الذي ينصب مصيدته الخاصة ويقوم بوضع الطعم فيها ثم يخطو داخلها”.
جون شتاينبك