نوفمبر 22, 2024
download (1)

الكاتب : عبد المنعم الاعسم

علينا ان نقرأ جيدا جريمة، ورسالة، اغتيال الشباب الايزيديين، في يوم الثلاثاء الرابع عشر من الشهر الجاري، بتلك الطريقة التي اتسمت بالاستهتار والوحشية والاستعراضية، وان نسمي الاشياء باسمائها، وان نحدد مسؤولية السلطة ومكان تلك المسؤولية، من دون ان نعفي الجهات الدينية والسياسية والبرلمانية والحقوقية من المسؤولية، بل ينبغي محاكمة المرحلة كلها، بنظامها ومكوناتها ومراجعها ونظمها السياسية والعقائديه إذ يستطيع القاتل ان يأتي بحافلات حكومية ومحمية، ثم يرتكب مذبحة بحق مواطنين عراقيين لا علاقة لهم بالصراعات السياسية، وعلى بعد ياردات من مفارز الدولة وسونارات وزارة الداخلية وابراج وزارة الدفاع ومطبات وكاميرات امانة العاصمة وشرطة المرور.
ودواعي القراءة الاستثنائية للجريمة كثيرة، لكن اكثرها اهمية وإلحاحا، هي ان قتل المواطنين الايزيديين في بغداد والموصل وكركوك ظهر وكأنه مرخّص له، أو مسكوت عنه بقرار او باتفاق، وإلا لماذا تتم اعمال القتل بحق الايزيديين، بشكل منهجي بين فترة واخرى، ثم تسجل الجريمة، بعد استنكارات باردة ومغشوشة، ضد مجهول، مع انه معلوم، ويشار له باصابع اليد في كل مرة؟.
قواعد العدالة وفروض التحقيق الجدي والاحترافي ومجريات تطبيق القانون تستلزم اقتفاء اثر الجاني وملاحقته وتحديد هويته وتطمين المواطنين والمهددة حياتهم بان الجهات المعنية ستحميهم ولن تترك الجناة طلقاء، وطبعا، لا نطلب استباق ارتكاب الجريمة باجراءات امنية تحول دون وقوعها فهو مطلب ينطوي على ترف في احوالنا، وهو سبيل تستخدمه دول تحترم دماء ابنائها، وتهتز، وتنشغل، حين تتفاجأ بمثل هذه المذبحة.
ومن غير لف ودوران فان جريمة قتل الايزيديين، بالطريقة المستهترة واللاانسانية والمصممة، تكشف عن امرين، الاول انها تستهدف مكونا دينيا وقوميا، وهذا يسجل في مسؤولية “جماعات” تكفر هذا المكون، وتضيق من الاعتراف الدستوري بحقوق العراقيين في ممارسة دياناتهم ومذاهبهم وعقائهم، وجزئيا، من حقهم في العمل في حقل لا تقبل به تلك الجماعات، او تزعم ذلك، وتعمل، بين فترة واخرى على ارهاب العاملين في هذا الحقل ونسف محلاتهم وتنظيم الاغتيالات الجماعية لهم، وشاءت تقسيمات العمل والعيش ان يكون غالبية هؤلاء العاملين من المكون الايزيدي.
الامر الثاني، يتمثل في تقنيات تنفيذ الجريمة، حيث يستخدم القتلة ادوات ووسائل وشاحنات تابعة لاجهزة الدولة، وهذا يسهل (من الناحية النظرية) القبض عليهم، في حال ارادت الجهات الحكومية فرض هيبة العدالة والقانون ومنع الجريمة واخضاع الجناة للقصاص، لكن ايقاعات التعامل الرسمي مع هذه الجريمة والجرائم التنكيلية السابقة بحق الايزيديين تثير بل تتجه الى تحميل هذه الجهات ومراجعها، او بعض جيوبها المسؤولية عن القتل الممنهج للايزيديين، وستبقى ظنة الاتهام بالتورط او التقصير او التفرج قائمة، حتى تثبت العكس.
******
” “الكرامة هي الملاذ الأخير لمن جار عليه الزمن”.
ماكس فريش-اديب ومعماري الماني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *