ديسمبر 26, 2024
download (1)

الكاتب : عبد المنعم الاعسم

الضجة “الاستخبارية” التي تتفاعل في لندن على خلفية معلومات عن “تعاون” اجهزة الامن البريطانية (أم أي5 / أم أي6) مع حكم القذافي في مواجهة معارضيه ليس سوى صفحة واحدة من ملف غزير الاوراق عن حقبة وقف فيها الغرب مع اعتى الانظمة الدكتاتورية، في الشرق الاوسط وافريقيا وامريكا اللاتينية وسكت عن جرائم بعضها، سرا او علنا، وتتكشف الآن، عما يشبه الفضائح، بواسطة سلسلة معلومات مثيرة من على موقع ويكليكس ومن تصريحات ومذكرات رجال المخابرات السابقين، واخيرا من خلال الوثائق السرية التي عثر عليها في اوكار القذافي الامنية وهو يهرب من مخبئ الى آخر.
البعض من وقائع التعاون جرت في ظل الحرب الباردة في مواجهة الاتحاد السوفيتي، غداة انتهاء العالمية الثانية ويبرر بعض المحللين سياسة دعم الانظمة الدكتاتورية وتنظيم انقلابات للاتيان بحكومات فاشية (تشيلي) من قبل الغرب باعتبارها سياسة دولية تتقاسمها مع الاتحاد السوفيتي الذي كان يدعم، بدوره، انظمة قومية يمينية وفاشية ومستبدة، لكن لا احد يتناول تطبيقات هذه السياسة على ضوء المواثيق الدولية لحقوق الانسان وحق الشعوب بتقرير مصيرها، التي كانت تنتهك من طرفي الصراع الدولي باشكال مختلفة وتحت ذرائع الكثير منها يتخذ طابعا اخلاقيا.
وإذ تحول الغرب، منذ تسعينات القرن الماضي، من التحشيد ضد الاتحاد السوفيتي الى التحشيد ضد الارهاب، واحل سياسة التجييش ضد الجماعات الاسلامية المتطرفة محل التجييش ضد الشيوعية فقد قامت منظومات التدخل ، الامنية والاستخبارية، باعادة انتاج السياسة السابقة بدعم (او السكوت على) انظمة حكم فاسدة وفردية وعائلية ودكتاتورية لا ديمقراطية بذريعة المشاركة او التنسيق في حملة مكافحة الارهاب، ومن جانبها، استثمرت الحكومات المستبدة هذه السياسة في الامعان بمحاربة شعوبها وقمعها وسلبها الحريات والحقوق المدنية.
لقد سقطت السياسات الغربية، مرة اخرى، في وحل التواطؤ مع قوى الاستبداد “الشرقية” لاعتبارات تخص تكتيكات الصراع مع “العدو” الجديد (الارهاب) الذي لم يكن غير فصيل سابق مدلل يحظى بحماية ودعم الغرب نفسه، ويتحرك في اقنية مالية وعسكرية وايديولوجية وتكنولوجية تعتبر جزءا عضويا من منظومات العولمة الغربية، ومرة اخرى يجري اكتشاف ما هو اكثر اثارة وافتضاحا، ويتمثل في نجاح انظمة الحكم الفاجرة، المثقلة بالجرائم الانسانية، في كسب ود الغرب، بل وشراء هذا الود بصفقات نفطية واعمال تنسيق في مطاردة مطلوبين، لست بالضرورة ذي قيمة تعبوية.
في لندن يحدث الان ما يشبه لعبة سباق الخيل الالكترونية، الكل يعرف النتيجة والكل يمثل دور الذي لا يعرف، فقد كشفت وثائق سرية عثرعليها في مقر المخابرات الليبية التي كان يرأسها حتى وقت قريب موسى كوسا االمقيم الآن في لندن ان الاميركيين والبريطانيين تعاونوا بشكل وثيق في العقد الماضي مع استخبارات نظام القذافي حتى انهم قاموا بتسليمه سجناء لاستجوابهم. وزير الخارجية الاسبق جاك سترو قال انه لا يعرف عن هذا الموضوع الذي جرت فصوله في عهده. رئيس الوزراء دعا لجنة “بيتر جيبسون” للتحقيق في الامر. هيومان رايتس لا تستطيع ان تنتظر طويلا. احد “الثوار” الليبيين ممن تعاملوا مع الجماعات الاسلامية المسلحة الذي سلمته لندن الى القذافي في وقت سابق يطالب بريطانيا بالاعتذار ويهدد باللجوء الى القضاء . انها مسرحية مسلية اشغلت الجمهور بالحركات المثيرة، والبريئة، للممثلين وانسته ماضيهم سيئ السمعة.
*
“ حتى الفئران تعظ القطط الميتة”.
مثل ألماني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *