الكاتب : جعفر الحسيني
اذا حالت الطبقة السياسية دون تشكيل الوزارة من خارج المحاصصة ، فمن الضروري اخراج ثلاث وزارات من اية محاصصة ، وهي :
١ ٠ الكهرباء ٠
٢ ٠ الصحة ٠
٣ ٠ التربية ٠
وذلك لان هذه القطاعات بلغت اوضاعا كارثية لاتنفع معها الحلول الترقيعية ، وهي آخذت بالتفاقم بحيث لايمكن التماهل ازاءها ٠
فالكهرباء قد فشل المتحاصصون في حل معضلتها ، وهي بالنسبة لهم ليست سوى الدجاجة التي تبيض ذهبا ، وكأن كل ماجرى لم يهز الضمائر بعد ، او انه يجري في موزمبيق وليس في العراق ٠
وصحيا ، نحن امام مأساة رهيبة ، وزيارة واحدة لمدينة الطب كافية ، لجعل الانسان وجها لوجه امام هول المصيبة ٠ فهي قد وضع حجر اساسها في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم ، في ٨ آذار ١٩٦١ ، اي عندما كان سكان بغداد ٧٥٠ الفا وسكان العراق ٧ ملايين ٠ وتم افتتاحها عام ١٩٧٠ ، وكان عدد سكان بغداد مليون وربع وسكان العراق ٩ ملايين نسمة ٠ واذا افترضنا انها مُصممة لخدمة هذا العدد ، فان عدد سكان بغداد تضاعف اكثر من ست مرات ( ٨ ملايين ) وعدد سكان العراق كله تضاعف اكثر من اربع مرات ( ٣٨ مليون ) وبالتالي فان بغداد تحتاج على الاقل لاربع مدن طبية مثل مدينة الطب الحالية ، او ما يساويها من مستشفيات كبرى ٠ وتحتاج كل محافظة من محافظات العراق ، لمدينة طب كبرى ، وبعضها كالبصرة والموصل لاثنتين ، مع الاشارة ان هناك مستشفيات حكومية قيد الانشاء ، توقف العمل بها في مراحله النهائية ، وهي على اي حال اقل بكثير من حاجة المحافظات الفعلية ٠
وطبعا ان بناء هذه المدن الطبية او المستشفيات الكبرى ، سيواجه معضلة التمويل ، ويحتاج الى بيوت هندسية عالمية متخصصة ، وشركات عالمية رصينة ، بعيدا عن تداخل الفساد الحكومي والمافيات السياسية والعصابات والسماسرة ٠
اما التعليم فمشاكله لم تعد فقط : المدارس الطينية ، واكتظاظ الصفوف ، وتسرب الطلبة ، وانتشار الغش ، والنجاح برشوة او بضغط ، وتخرج طلبة يقرأون ويكتبون بصعوبة ، وتراجع القيم التربوية ٠ بل اضحت مشكلته خماسية الاضلاع : المنهج ، الطالب ، المعلم ، الادارات المدرسية والتربوية ، كادر الوزارة ( طبعا مع تسجيل التقدير والاحترام لكل من لاينطبق عليه هذا التوصيف ) ٠ وصار المتحاصصون يتصارعون على وزارة التربية ، للاستحواذ على حصتهم من اموال طباعة الكتب المدرسية ٠
ان التعليم هو مفتاح نهضة اي بلد ، واليابان المثال الاوضح لذلك ٠ ولم يعد العالم يتحدث عن تنمية اقتصادية شاملة ، انما عن ( التمنية البشرية الشاملة ) ، والتي عمادها التعليم والبحث العلمي ٠ وهاهي سنغافورة ، وهي بلا مساحة ولا موارد ، تملك اقتصادا ، اعظم بما لايقاس من اقتصاد الكونغو البلد المترامي الاطراف الكثير السكان الغني الموارد ٠
يعرف الدستور الكويتي ( المادة ١٣٠ ) الوزير بأنه راسم لاتجاهات وزارته، ويشرف على تنفيذها ضمن السياسة العامة للحكومة. ولم يأت الدستور العراقي ولا النظام الداخلي لمجلس الوزراء على تعريف الوزير ، لكن وزارة المالية عرفت الوزير تعريفا يختزل دوره بكونه الموظف الاكبر في وزارته ، ولا يتطرق لدوره كراسم لسياسة حكومته في القطاع الذي تكون وزارته مسؤولة عنه ٠ وهو تعريف يعطي الوزير معنى محدودا :
( – الوزيـــــر:- هو الرئيس ألأعلى للوزارة و المسؤول الاول عن اعمالها و توجيه سياساتها وتصدر باسمه القرارات و ألأوامر و التعليمات في كل ما له علاقة بمهمات الوزارة وتقسيماتها و صلاحياتها وسائر شؤونها الفنية و ألأدارية و التنظيمية ضمن الحدود المبينة قانوناً , وله ان يخول وكيل الوزارة او أياً من موظفيها مايراه من صلاحيات )٠
فالوزير قائد سياسي ، يقود ويطبق سياسة الدولة في قطاع وزارته ، فهو لايُنتظر منه ان يدير وزارته فحسب ، انما ان يعمل على النهوض بالقطاع المسؤول عنه ، فوزير الزراعة مثلا مسؤول عن النهوض بالزراعة والاهتمام بكل ما يتعلق بها ويؤدي الى تطويرها وتقدمها ٠
ان لدينا ( اشكالية ) حول مواصفات الوزير ومؤهلاته وقدراته ، خاصة وقد اخفق اغلب المستوزرين من السياسيين اخفاقا ذريعا ، ولم يأتِ الحل من التكنوقراط او اصحاب الشهادات العالية الذين تم استيزارهم٠ بينما كان مثلا السياسي والمحامي جاك سترو في بريطانيا، من انجح الوزراء في وزارة طوني بلير ، في جميع الوزارات التي شغلها ( كوزير ظل او وزير فعلي ) : التعليم ، البيئة ، الداخلية ، الخارجية ، العدل ٠ وفي العراق الملكي ، كان الشيخ محمد رضا الشبيبي من انجح الوزراء واعظم السياسيين ، وكان عبد المحسن السعدون انجح وزير عدل انذاك ، رغم ان دراسته لاتتعدى الابتدائية او المتوسطة ( مدرسة العشائر باسطنبول ) ، وكان ياسين الهاشمي انجح وزير مالية واستطاع ان يخلص العراق من التزامات مالية تراكمت عليه ، رغم انه رجل عسكري ٠
وهكذا فان الاشخاص الذين يمتلكون موهبة القيادة ، ينجحون كوزراء ، اما الذين لايمتلكونها ، ففي احسن احوالهم سيكونون غير متألقين ٠ وفي مثل ظروف العراق ، سيكونون فاشلين ٠
ومن ثم علينا ان نبحث عن الوزير – القائد (النزيه ، المتعلم جيدا ، والذي يمتلك خيالا خصبا خلاقا ) ، والقيادة موهبة تنصقل بالتعليم والخبرة ، ومن لا يملك هذه الموهبة لن يكون قائدا ولو امتلك كل شهادات الدنيا او قضى عمره في العمل ، فعبد الرحمن عارف رحمه الله ، وهو رجل طيب ونزيه ، كانت فترة رئاسته للجمهورية قصة فشل ، رغم اكثر من ربع قرن قضاها في الجيش تولى خلالها ارفع المناصب واعلاها ٠