الكاتب : عامر ملوكا

جاء في الأدب العربي: (أحبب حبيبك هوناً ما، فربما صار بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، فربما صار حبيبك يوماً ما).

هذا البيت من الأدب العربي القديم يعبر عن حكمة عميقة حول طبيعة العلاقات الإنسانية وتقلباتها. يقول البيت: “أحبب حبيبك هوناً ما، فربما صار بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، فربما صار حبيبك يوماً ما”، ويهدف إلى تذكيرنا بعدم الإفراط في الحب أو الكراهية؛ لأن العلاقات ليست ثابتة، وقد تتغير بتغير الظروف.

في هذا القول حكمة تدعو إلى الاعتدال في مشاعرنا تجاه الآخرين، فالشخص الذي نعتبره اليوم صديقاً مقرباً قد يتحول، لأسباب مختلفة، إلى خصم، كما قد تتحول العداوة إلى صداقة بتغير الزمان والمواقف. يدعو هذا المبدأ إلى الحكمة في التعامل مع علاقاتنا، حيث يتطلب منا أن نكون متزنين وغير متهورين في إظهار الحب أو العداء.

الاعتدال في العواطف يساعدنا على الحفاظ على توازننا العاطفي وعدم التعلق الشديد أو الكراهية العمياء، لأن العلاقات عرضة للتقلب. كما أن التوازن يساعد في تقليل الألم أو خيبة الأمل في حال حدثت تغييرات غير متوقعة، وهو أيضًا نهج يعكس الحنكة والفهم العميق لطبيعة الحياة والتغيرات التي تأتي بها.

لتحقيق النجاح الحقيقي في الحياة، لا يجب أن يتمثل الهدف في هزيمة العدو، بل في كسبه وتحويل العداوة إلى فرصة للتعاون البنّاء. التفكير العميق في كيفية تحويل الخصوم إلى شركاء يعكس حكمة ونضجاً، حيث إنه أقل تكلفة من الصراع، وأكثر استدامة. النجاح يكمن في إقامة علاقات تدوم، تُثمر عن نتائج إيجابية للطرفين.

في الحياة اليومية، قد نواجه تحديات وخلافات، سواء في العمل، أو في البيت، أو مع أشخاص نلتقي بهم باستمرار. الاختلاف بين الناس هو أمر طبيعي وضروري، إذ يعزز التنوع والتطور الفكري. ومع ذلك، قد يؤدي اختلاف الآراء، لا سيما في المجتمعات الشرقية، إلى اتخاذ مواقف متشددة، قد تدفع البعض إلى تحويل الصديق أو القريب إلى خانة الخصوم. هنا، يكون الطريق الأسهل هو المنافسة، إلا أن تبني موقف مرن واستراتيجي يمكن أن يحول التوتر إلى تعاون مثمر.

التفاهم يبدأ بالاستماع النزيه لوجهات النظر الأخرى، بعيداً عن التحيز. بهذه الطريقة، يمكننا تجاوز الخلافات البسيطة وتحويلها إلى فرص لبناء جسور تفاهم، كما يحدث غالباً في الحياة العملية حين يتحول خلاف حول المسؤوليات إلى فرصة لتبادل الأفكار والتعلم المتبادل.

التاريخ مليء بالأمثلة التي تجسد هذا النهج. فبعد الحرب العالمية الثانية، قررت الدول الغربية عدم السعي إلى سحق ألمانيا، بل على إعادة بنائها من خلال خطة مارشال. هذا القرار لم يحوِّل ألمانيا إلى حليف فقط، بل أسهم في تحقيق الاستقرار والنمو في أوروبا كلها. فعندما تكون النية واضحة ومبنية على الرغبة في تحقيق السلام والاحترام المتبادل، كما حدث في هذه الحالة، يُتاح للطرف الآخر فرصة لإعادة بناء الثقة والتعاون بدلاً من البقاء في حالة من العداء المستمر. وأيضا صلاح الدين الأيوبي وملك إنجلترا ريتشارد قلب الأسد في فترة الحروب الصليبية، كان صلاح الدين الأيوبي وملك إنجلترا ريتشارد قلب الأسد خصمين. لكن مع الوقت، نشأ بينهما احترام متبادل، وتوصلا إلى هدنة تحفظ لكل منهما مصالحه، حيث أتاح هذا الاتفاق تعايشًا سلميًا واحترامًا متبادلًا بين الجانبين. وأيضا على مستوى

الخلافات العائلية في العائلات، قد ينشأ العداء بسبب خلافات قديمة. يمكن التغلب على هذا العداء عبر خطوة بسيطة، كإظهار الاهتمام بمناسبة عائلية مهمة للطرف الآخر أو إبداء دعم عند الحاجة، مما يساعد على فتح باب المصالحة.

إن الوضوح في النيات يمثل خطوة أساسية؛ فغياب الشفافية قد يزيد من الشكوك والتوتر. لذلك، عندما يتم توضيح الرغبة في بناء علاقة قائمة على الاحترام والمصالح المشتركة، يصبح من الممكن التركيز على حلول وسط تحقق منافع متبادلة. تنازلات بسيطة يمكن أن تكون جسورًا للتواصل، مثلما هو الحال في السياسة بين الدول؛ فقد أظهرت الاتفاقيات بين الصين والولايات المتحدة في سبعينيات القرن العشرين كيف يمكن للتحاور حول المصالح المشتركة أن يخفف من حدة الصراع، ويساهم في بناء علاقات اقتصادية وسياسية تعود بالنفع على الطرفين.

التحلي بالمرونة والاحترام المتبادل، وتجنب الانتقادات الشخصية في بداية التواصل، التحلي بالمرونة والاحترام المتبادل، وتجنب الانتقادات الشخصية، هي مكونات أساسية لتطوير أي علاقة قائمة على التقدير. فالمرونة تتيح لنا القدرة على التكيف مع مواقف وآراء الطرف الآخر، مما يعزز فرص الحوار ويساهم في خلق بيئة أكثر تقبلاً ودفئًا. عندما نكون مرنين، نمنح أنفسنا والآخرين مساحة للتعبير بصدق، كما نُظهر استعدادنا لتجاوز العقبات بدل التشبث بمواقف صارمة قد تؤدي إلى تعقيد الأمور وزيادة التوتر.

الاحترام المتبادل يأتي كقاعدة تُبنى عليها الثقة، وهو يعني التعامل مع الآخر كندّ، والاستماع له دون تقليل أو انتقاص. فالتقدير يولد شعورًا بالطمأنينة، مما يشجع الطرف الآخر على الرد بالمثل، ويجعل الحوار أقرب إلى التعاون بدلاً من التنافس. احترام الآخر لا يعني الموافقة على آرائه بالضرورة، بل يعني إظهار الاهتمام بحقه في التعبير وإظهار احترامنا لإنسانيته بغض النظر عن الخلافات.

هي أمور حيوية لتطوير علاقة قائمة على التقدير. إذ عندما يشعر الطرف الآخر أن كرامته مصونة، قد يبدأ في التراجع عن مواقفه العدائية، ويتولد لديه إحساس بالتعاون.

كسب العدو أو تحويله إلى شريك يتطلب صبرًا وشجاعة، ولكنه يعود بنتائج تتجاوز التوقعات، لأن التحالفات القائمة على التعاون تحقق للجميع منفعة أكبر، وتساهم في خلق بيئة أكثر استقرارًا.
د.عامر ملوكا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *