نوفمبر 21, 2024
images (2)

اسم الكاتب : دينا الطائي

في مشروع الأمة العراقية .. نتساءل هل يعد المناخ النفسي السائد حالياً في العراق .. عاملاً مساعداً أم معرقلاً لتحقيق الهدف البعيد المرتجى من مشروعنا .. أي تحقيق وعي جمعي عالي المستوى و إعادة بناء مجتمع متآخي متسامح متحضر محب للحياة والتطور والحضارة يعتز بهويته العراقية ويؤمن بأنه بمكوناته يكون امة عراقية لها تأريخها الحضاري .. ؟؟

وكمدخل بسيط في علم النفس هناك سلوك للفرد يصنف بـ ((الاتجاهات النفسية)) و((اتخاذ القرار)) .. إذ تتداخل عوامل كثيرة .. ومن مستويات مختلفة .. بعض منها يكون معوق وبعضها الآخر ميسر لعملية اتخاذ الفرد للقرار والذي يحاول فيه أن يكون مطابقا لتوجهاته الفكرية وأهدافه الاجتماعية .

وحينما حاولت توظيف المجهر السايكولوجي لرصد وتقويم إنطلاقة مشروع الأمة العراقية و المقرر المضي به قدما .. أرى النتيجة تسرني و هي قد لا تروق للكثير من السياسيين الذين لا يستطيعون أن يجدوا أو يمسكوا في مشروعنا ذو الأبعاد المختلفة .. البعد الذي يهيمن على تفكيرهم ألا وهو البعد السياسي .

و أعني بالبعد السياسي المهيمن على هؤلاء الساسة وبعض أفراد المجتمع هو ذلك الذي يخالوه الحل السحري للتخلص من مآسي مجتمع يعاني بالأساس علل كارثية من العجز والعدمية والتهرب من مسؤولية في اتخاذ القرارات بشأن شؤونه المصيرية الى حالة الشك والتخوين والخوف والتقوقع الولائي الضيق .. وكل هذه العلل جاءت نتيجة عقود من التحنيط المبرمج لعنصري العقل والإرادة في الفرد العراقي .. ومع ذلك وجدت أن الرؤية النفسية الهادئة تستطيع أن تشق لنفسها طريقاً واضحاً وثابتاً بعيدا عن صخب الخطابات السياسية و السجالات السياسة المتناحرة حول المصالح الفئوية والحزبية والهويات الثانوية .

هنا لنؤشر عدداً من الملاحظات ذات الطابع التحليلي لشخصية الفرد العراقي وهو يتعامل مع هذا الخيار الحضاري المتقدم الشامل الذي نطرحه اليوم .. أي مشروع الأمة العراقية .. كمشروع مجتمعي للنهضة بالأمة العراقية .. ففي هذه المرحلة العاصفة والغامضة من تأريخ هويته النفسية والاجتماعية والإنسانية.

ولنتخيل معا الملاحظات التي سأوردها على هيأة حوار مباشر يجري بين تساؤلات يومية لن يبرح الفرد العراقي والمجتمع – وأنا منه – بطرحها ما أن يصبح هذا المشروع الحضاري الشامل من بين أولويات اهتماماته اليومية .. وستجد الإجابات وفق اجتهادي بين مترفة أكاديمية وسط واقع مجتمعي يستقطب النصير و المعاد لهذا المشروع الذي يتحدى وعي مجتمع برمته ..

و ذلك بسبب المناخات النفسية المختلفة للفرد العراقي .. والتي ما زالت ملبدة بمختلف أنواع العنف و والضغوط والتهديدات نتيجة تدهور مفهوم الأمن الاجتماعي والنفسي إلى أدنى درجاته .. فإن من العسير أن نتصور إنساناً كالفرد العراقي .. مهدد بالتصفية الجسدية .. ومشوش التفكير .. مشتت الانتباه .. مضطرب الوجدان .. يلهث وراء إشباع حاجاته اليومية للغذاء والدواء والماء والكهرباء والوقود .. ثم يكون قادراً بعد ذلك على اتخاذ قرار دقيق ومستقر من الناحيتين الإدراكية والانفعالية للمشاركة بواقعية في إنجاح مشروع الأمة العراقية والنهوض بمجتمعنا و وعينا الجمعي .. أضيف الى ذلك الغموض الإدراكي و المعلوماتي الذي يلف أذهان العراقيين تجاه هكذا مشروع حضاري شامل .. إبتداءا من محاولات شباب مستقل مغمور من رسم سياسة وإستراتيجية طويلة الأمد لمشروع حضاري شامل يحمل عنوان الأمة العراقية .. و إنتهاءاً بالمساهمات والحوارات الاجتماعية والسياسية والفكرية للأعضاء أو الأفراد المشاركين معنا .

إذن .. ما هو البديل الواقعي للمشروع !! أو كيف يمكن استعادة المناخ النفسي المناسب لتحقيقه!!

حقيقة لا بديل واقعي عن هذا المشروع الحضاري الشامل .. بوصفه ثقافة أولاً .. تنمي التسامح والتشارك والقبول النفسي بالآخر مهما كان مغايراً .

لكن كل ثقافة تحتاج الى بناء تربوي متدرج .. إذ كيف يمكن الانتقال من النزعة الاستبدادية الى النزعة التشاورية على مستوى مجتمع بأكمله أولا ومن ثم الدولة بين ليلة وضحاها ؟!؟

إن المراقب للواقع العراقي .. لا يجد صعوبة في اكتشاف الجهود الضخمة التي بذلها ويبذلها الساسة العراقيين .. لسحب الشخصية العراقية من سيكولوجية التسامح و التصالح والتعايش وتقبل الأخر والتعددية المسالمة ضمن وحدة الهوية المجتمعية- أعني الهوية العراقية – الى سيكولوجية الشك والأنانية والطائفية العدائية ضمن اللاهوية المجتمعية .. وهم يوظفون كل الإمكانيات في استثارة الاتجاهات التعصبية .. ومنها السماح باستـنسال (الإرهاب) و إعادة زرعه في التربة العراقية بوصفه قدر الأمة العراقية و يقتضي اقتلاعه .. ووفق تلك الحجة تهان مكونات لأسباب طائفية أو أثنية أو شوفينية مقيتة ومن ثم إقصاءهم من أي مشروع حضاري .. وهذا يؤدي في نهاية المطاف الى تمزق المجتمع و تعزيز الولاءات الضيقة كونها الملجأ الآمن لمكونات الأمة العراقية بدلا من الهوية العراقية .. لكن لا ننسى ان هؤلاء اعني ساسة اليوم هم نتاج وعينا الجمعي .. هذه هي اللعبة السايكو – دموية التي أغرقت الأمة العراقية والتي جعلت من أي مشروع حضاري شامل كمشروع الأمة العراقية مشكوكاً بأحقيته لدى فئات مجتمعية و سكانية وسياسية ونخبوية غير قليلة على الرغم من الجوهر النبيل المجرد الذي يستند إليه مفهوم الأمة العراقية .

ومع ذلك فإن استعادة المناخ النفسي الملائم نسبياً لإنجاح هكذا مشروع حضاري متقدم وشامل ليس بالمستحيل (من الناحية النظرية على الأقل) .. إذا ما تم التوصل أولاً وقبل كل شيء الى إيمان عميق وفهم حقيقي لتأريخ الأمة العراقية وتأريخ كل مكون فيها لنصل الى مرحلة الاعتزاز والافتخار بكل تلك المكونات .. هذا الإيمان الذي يجب أن يضمن حداً أدنى من الوعي بمشتركيه .. وبمعنى عقلاني للحياة بين كل الأطراف الفاعلة التي يتشكل منها النسيج المجتمعي في العراق ..

اننا نرى في مشروعنا هذا بديلا لكل الطروحات التي تعتمد الأحادية لأن مشروع الأمة العراقية بطبيعيته وأبعاده هو مشروع جامع وشامل بكينونته ومنهجه
و نعتقد ان مشروعنا هذا هو البديل الوحيد الذي سيجعل من الأمة العراقية خياراً دائماً في العقل الجمعي العراقي.
هنا يستحضرني الرأي المتشائم القائل أن شخصية الفرد العراقي غير مستعدة نفسياً بعد لاستيعاب مشروع الأمة العراقية .. فما مدى صحة هذا الرأي ؟!؟

إذا افترضنا أن الشخصية العراقية تعاني جملة من الأعراض المزمنة منها :- قوالب التفكير النمطي .. ضعف التسامح الفكري والاجتماعي .. وإسباغ الخارقية على شخصيات سياسية أو دينية معينة وهنا أعني الإتكالية وعدم تحمل المسؤولية .. والقلق المرضي من الحاضر والمستقبل .. والشك والتخوين والخوف والتقوقع .. عندها لن يكون أمامنا إلا الاستنتاج بأن مسافة تاريخية غير قصيرة ما تزال تفصل الفرد العراقي عن لحظة امتلاك الوعي بضرورة النهوض بمفهوم الأمة العراقية ببعديه الاجتماعي والسياسي .. بوصفه منهج حياة يحفظ حقوق الفرد العراقي على أساس إنسانيته فقط في معادلة واحدة .

ومع ذلك .. فإن العمق الثقافي الذي تتمتع به هذه الشخصية نتيجة التراكمات الحضارية التي ترسبت فيها عبر التأريخ .. جعلها أقل تصلباً أو تعنتاً مما تبدو عليه في الوقت الحالي .. بمعنى أن هذا التراكم الثقافي منحها مرونة إدراكية و معتقدية وحتى انفعالية كامنة .. يمكن استثمارها إيجاباً لإعادة تأهيلها ديمقراطياً ضمن إطار وعي اجتماعي جديد .. جذره النفسي هو استبدال صورة الخصم بصورة الشريك .. أو بمعنى أخر انصهار كل المكونات ببوتقة الهوية العراقية .. وللحديث تتمة ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *