اسم الكاتب : رياض سعد
اقدم حضارة عرفها التاريخ البشري ؛ واول دولة انشئت على المعمورة ؛ هي في بلاد الرافدين ؛ وهذا الامر لا يختلف فيه اثنان , وتشير التقديرات الى ان عدد نفوس سكان ارض السواد قبل الفتح الاسلامي او السيطرة العسكرية العربية والاعرابية ؛ يتراوح بين 6 الى 9 ملايين نسمة ؛ بينما كان سكان الجزيرة العربية اقل من هذا الرقم بكثير جدا ؛ فقبائلهم معروفة ومناطق سكناهم محدودة ؛ وتشير بعض التقديرات الى ان عدد نفوس سكان الجزيرة يتراوح ما بين 2 الى 3 ملايين ؛ وانا اذهب الى ان هذا العدد مبالغ فيه جدا , فهم اقل من ذلك بكثير ؛ والشواهد التاريخية تؤكد ما ذهبت اليه .
وكانت في العراق لغات ولهجات عدة كما في بعض دول العالم ؛ وهذه اللغات واللهجات بينها قواسم مشتركة ؛ وان كان هنالك اختلافات جوهرية بين لغة واخرى ايضا , وهذا الامر سبب الارباك والتشويش لدى البعض ؛ فظن بعض الاعراب الجهلة ان بعض سكان العراق القدامى فرسا لانهم لا يتكلمون العربية ؛ بينما هم كانوا نبطا – كما اطلق العرب عليهم هذه التسمية – وهم اقرب للعرب منهم للعجم كما تشير الى ذلك بعض الدراسات والابحاث التاريخية – راجع كتابنا : قصة النبط : سكان العراق القدامى – ؛ فقد كان يظن بعض الاعراب وجهلة العرب ان كل من لا ينطق بالعربية فهو عجمي – بالمعنى الاخص اي فارسي ايراني – ؛ والحقيقة خلاف ذلك ؛ حتى ان البعض ذهب الى ان لغة حمير في اليمن لا تمت للعربية بصلة .
ان العراقيين قبل مجيء عرب واعراب الجزيرة كانوا على اصناف ؛ فمنهم اليهود الذين يتكلمون العبرية ومنهم النصارى الذين يتكلمون السريانية والعربية ايضا , ومنهم العرب الاقحاح كسكان مملكة ميسان والحضر والحيرة , ومنهم النبط القريبين من العرب نسبا ولهجة , ومنهم العجم … الخ ؛ ولكن النسب تختلف بينما هؤلاء ؛ وبعد دخول عرب واعراب الجزيرة , اعتنق اغلب سكان العراق الاسلام ومن ثم استعربوا بمرور الايام – هذا بالنسبة لغير الناطقين بالعربية – ؛ واما عرب العراق الاقحاح فهم اول من وضع قواعد اللغة العربية لكل الناطقين بالعربية في العالم اجمع .
البعض يطلب منا ان نغض الطرف عن كل هذه الحقائق ونسلم بقضية نقيضها معها ؛ فهؤلاء يدعون ان سكان العراق القدامى والاوائل انقرضوا كما انقرض قوم عاد وثمود , والعراق اصبح عبارة عن ثكنة فارسية عسكرية والارض خالية من السكان ولا يوجد فيها سوى العسكر الايرانيين ؛ وعندما جاء العرب والاعراب ملئوا الفراغ وقطنوا العراق بعدما كان خاليا من خلق الله …!!
والعجيب في الامر , ان هذه الفرضية المنكوسة والتافهة والسطحية لا يستخدمها هؤلاء الكتاب والباحثون مع باقي دول العالم ؛ فقط يعملون بها عندما يتعلق الامر بالعراق والعراقيين …!! .
يطلبوا منا ان نصدق بأن ارض السواد والانهار والخيرات والثمار والثروات والاشجار … الخ , والتي قطنها البشر منذ فجر التاريخ , واقاموا فيها اولى الحضارات وانشئوا فيها الدول والحكومات , وشنوا الغارات والغزوات على مختلف البقاع وجلبوا العبيد والسبايا من كل حدب وصوب ؛ قد خلت فجأة وبقدرة قادر من سكانها وهجرها اهلها , وتلاشوا وتبخروا كما يتبخر الماء في النار واندثروا كما الديناصورات المنقرضة ؛ وفي الوقت نفسه يريدون منا ان نؤمن بأن صحارى الجزيرة القاحلة والقبائل المعدودة الجائعة وسكان القفار والبراري الخالية من الثمار والانهار … الخ ؛ قد تكاثر ابنائها كما الصين الشعبية وزحفوا على البلدان المختلفة في الشرق والغرب وتحولت هذه البلدان الى عربية بمجرد ان وطئت اقدام الاعراب وسكان الصحاري ارضها …؟؟!! .
وصدق من قال : ( حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له ) .
وادعى اصحاب الفكر المنكوس بأن العراق ما هو الا جزء صغير من وطن كبير طوباوي لا حقيقة له على ارض الواقع ؛ فالعراق العظيم بنظرهم المنكوس جزء ناقص لا يكتمل الا مع الاتحاد مع الصومال وجيبوتي وموريتانيا , وقد نظروا لهذه الطامة الكبرى والفوا الكتب والابحاث المزيفة لإثبات تلك الدعوى ؛ نعم كلنا نتحدث العربية الا ان هذا الامر لا يعني اننا من عرق او قومية واحدة او ان تقاليدنا وعاداتنا وثقافتنا وتاريخنا مشترك ؛ وهذا الامر واضح للعيان ولا يحتاج الى برهان ؛ فما الذي يجمع العراقي بالصومالي او اليمني بالمغربي غير اللغة والاسلام وان كانت اللهجات مختلفة وايضا هنالك اديان ومعتقدات مختلفة غير الاسلام ؟! .
فمثلا اليكم هذه القائمة ببعض الدول التي تتحدث اللغة الاسبانية بل ان بعضها تعتبر الاسبانية لغة رسمية مع وجود بعض اللغات الاخرى ؛ وذلك بسبب التوسع الاستعماري الاسباني سابقا : المكسيك , كولومبيا , الأرجنتين , فنزويلا , بيرو , تشيلي , الإكوادور , غواتيمالا , كوبا , جمهورية الدومينيكان , هندوراس , بوليفيا , إلسالفادور , نيكاراغوا , باراغواي , كوستاريكا , أوروغواي , بنما , غينيا الإستوائية , في عام 1973 ألغيت الإسبانية كلغة رسمية في الفلبين … ؛ فهل من الممكن القول بأن هذه الشعوب المختلفة تنتمي لامة واحدة الا وهي الامة الاسبانية لمجرد انها تتكلم اللغة الاسبانية او تعتنق المسيحية ؛ وما وجه الشبه بين الاسبان وابناء تلك الشعوب ؟؟!! .
لذلك فشلت كل الدعوات الوحدوية بين الدول الناطقة بالعربية ؛ وذلك بسبب اختلاف الاعراق والقوميات والثقافات والعادات والتقاليد والاشكال الجسمانية والسمات الوراثية فيما بينها ؛ نعم هنالك قواسم مشتركة بين العراقيين والسوريين او الحجازيين مثلا ؛ وكذلك بين بعض العراقيين وبعض الايرانيين ؛ الا ان هذا شيء والهوية الوطنية الحقيقية شيء اخر … ؛ واخر المهازل ادعت دولة جزر القمر بكونها عربية ؛ طمعا بالمساعدات العربية , علما انها لا تتحدث العربية اصلا …!!
فهل انا العراقي معني بشؤون تلك الدولة البعيدة والغريبة عني بكل شيء ؛ ولماذا ادفع لها اموال ومساعدات من الميزانية العراقية والتي هي من حق الامة العراقية وحدها لا غير ؛ فقد خصصت الحكومة العراقية مساعدات لدولة جزر القمر ؛ وحاولت احدى النائبات تبرير تلك الخطوة بالقول : ان جزر القمر فقيرة ..!!
وهل انا حلال المشاكل , وهل العراق منظمة غوث اللاجئين او مؤسسة انسانية لدفع الصدقات والمساعدات , وهل تخلص العراق من الفقر والبطالة , وارتفع رصيد العراق الى 9 بليون دولار ؛ كي اتصدق بالفائض عن الحاجة …؟؟!!