نوفمبر 22, 2024
IRAQ-AGRICULTURE-PALM

Palm trees stand at sunset near the Shatt al-Arab waterway in the southern Iraqi city of Basra, on July 6, 2022. - Once known as the "country of 30 million palm trees", and home to 600 varieties of the fruit, Iraq's date production has been blighted by decades of conflict and environmental challenges, including drought, desertification and salinisation. (Photo by Hussein FALEH / AFP)

اسم الكاتب : محمد يسري

يُعدّ الرحّالة المغربي ابن بطوطة، من أشهر الرحّالة المسلمين عبر التاريخ، ومن بين البلاد التي زارها، العراق، حيث تجوّل بين مدنها، وترك في كتاباته، وصفاً ممتعاً للعديد من الأسواق والمساجد والمراقد فيها.

ولد محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي في مدينة طنجة المغربية عام 703هـ، واشتهر باسم ابن بطوطة، لكن لا يوجد سبب مؤكد لذلك، فيما يرى البعض أنه مُشتق من فاطمة أو فطومة وهو اسم أمه، ومن المعروف أن عادة تسمية الابن بأمه كانت شائعة في بلاد المغرب الأقصى خلال تلك الحقبة الزمنية.

تحدث ابن بطوطة عن بداية سفره، والهدف منه في كتابه “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”، فقال إنه خرج من طنجة في الثاني من شهر رجب عام 725هـ “معتمداً حج بيت الحرام، وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام منفرداً عن رفيق أنس بصحبته، وركب أكون في جملته، لباعث من النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة… فحزمت أمري وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكون، وكان والديّ بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصباً، ولقيت كما لقيا نصباً، وسنّي يومئذ اثنتان وعشرون سنة…”.

زار في رحلته الطويلة بقاعاً شتى في قارات العالم الثلاث القديمة، ووصل إلى مصر والحبشة والشام والحجاز ونجد والعراق وبلاد فارس واليمن وعمان والبحرين وبلاد آسيا الوسطى والهند والصين. واستغرقت تلك الرحلة 27 سنة كاملة، وفي نهايتها رجع ابن بطوطة إلى وطنه فعاش به ما تبقى له من العمر، وتوفي في طنجة عام 779هـ.

وهذه حكاية ابن بطوطة مع العراق، ابتداء من مدينة النجف.

النجف

في عام 727هـ غادر ابن بطوطة الحجاز متوجهاً إلى العراق، وصحب بعض العراقيين الذين أتموا شعائر الحج وأرادوا أن يرجعوا إلى بلادهم. كانت العراق في هذا الوقت خاضعة لحكم السلطان أبي سعيد بهادر خان تاسع حكام الدولة المغولية الإيليخانية، إذ دخل المغول بغداد عام 656هـ وأسقطوا الخلافة العباسية، وأقاموا دولة جديدة لهم عُرفت باسم الدولة الإيليخانية، سرعان ما اعتنق حكام تلك الدولة الإسلام على المذهب الشيعي الإمامي الاثني عشري.بعد تصريحات المغامسي.. هذه أهم 5 مذاهب إسلامية وقصص نشوئهابين الظهور، والتطور، والانتشار: قصة المذاهب الفقهية في الإسلام

كانت النجف أولى المدن الكبيرة التي يزورها ابن بطوطة بعد دخوله العراق، واهتم بوصف المزارات الدينية الموجودة فيها، دون أن يمنعه يمنعه انتماؤه للمذهبي السني المالكي من إبداء الإعجاب والانبهار بما شاهد.

يقول ابن بطوطة: “…نزلنا مدينة مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنّجف، وهي مدينة حسنة في أرض فسيحة صلبة من أحسن مدن العراق وأكثرها ناساً وأتقنها بناءً، ولها أسواق حسنة نظيفة، دخلناها من باب الحضرة فاستقبلنا سوق البقالين والطباخين والخبازين، ثم سوق الفاكهة ثم سوق الخياطين والقيسارية، ثم سوق العطارين ثم باب الحضرة حيث القبر الذي يزعمون أنه قبر عليّ عليه السلام، وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة وحيطانها بالقاشاني، وهو شبه الزّليج عندنا، لكن لونه أشرق ونقشه أحسن”.

وصف ابن بطوطة بعدها بعض الكرامات والخوارق التي نسبها أهل النجف إلى مقام علي بن أبي طالب، منها قوله: “…وهذه الروضة ظهرت لها كرامات ثبت بها عندهم أن بها قبر عليّ رضي الله عنه، فمنها أنه في ليلة السابع والعشرين من رجب، وتسمى عندهم ليلة المحيا يؤتى إلى تلك الروضة بكل مقعد من العراقين وخراسان وبلاد فارس والروم فيجتمع الثلاثون والأربعون ونحو ذلك، فإذا كان بعد العشاء الآخرة جعلوا فوق الضريح المقدس، والناس ينتظرون قيامهم وهم ما بين مصلّ وذاكر وتال ومشاهد للروضة فإذا مضى من الليل نصفه أو ثلثاه أو نحو ذلك قام الجميع أصحّاء من غير سوء، وهم يقولون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليّ ولي الله”.

خرج الرحالة المغربي من النجف بعدها واتجه ناحية أبي صخير الواقعة جنوبي العراق، ووصف الأطلال الباقية من حضارة المناذرة العريقة التي قامت في بلاد الرافدين في القرن الرابع الميلادي.

يقول ابن بطوطة: “…وخرجنا من مشهد عليّ عليه السلام فنزلنا الخورنق موضع سكنى النعمان ابن المنذر وآبائه من ملوك بني ماء السماء، وبه عمارة وبقايا قباب ضخمة، في فضاء فسيح على نهر يخرج من الفرات”.

واسط والبصرة

بعدها اتجه ابن بطوطة إلى وسط العراق، وزار مدينة واسط التي بناها الحجاج بن يوسف الثقفي في القرن الأول الهجري. ووصفها بقوله “حسنة الأقطار، كثيرة البساتين والأشجار، بها أعلام يهدي الخير شاهدهم وتهدى الاعتبار مشاهدهم، وأهلها من خيار أهل العراق، بل هم خير على الإطلاق، أكثرهم يحفظون القرآن الكريم ويجيدون تجويده بالقراءة الصحيحة وإليهم يأتي أهل بلاد العراق برسم تعلّم ذلك”.

ثم خرج من واسط وزار مرقد القطب الصوفي الشهير أحمد الرفاعي في بلدة أم عبيدة، وقابل حفيد الرفاعي، كما وصف أحوال الصوفية الذين تجمعوا بجانب المرقد.

وبعد أيام، وصل ابن بطوطة إلى البصرة. وتعجب من كثرة ما في أرضها من النخيل، وقال “…وليس في الدنيا أكثر نخلاً منها فيباع التمر في سوقها بحساب أربعة عشر رطلاً عراقية بدرهم… ويصنع بها من التمر عسل يسمّى السّيلان…”.

كذلك امتدح أخلاق أهل البصرة، فقال إن “لهم مكارم أخلاق وإيناس للغريب وقيام بحقّه فلا يستوحش فيما بينهم غريب”. أما القدر الأكبر من الاهتمام فوجهه ابن بطوطة لمسجد البصرة القديم الذي يُعرف بمسجد علي بن أبي طالب، حيث قال: “وهذا المسجد من أحسن المساجد، وصحنه متناهي الانفساح مفروش بالحصباء الحمراء… وفيه المصحف الكريم الذي كان عثمان رضي الله عنه يقرأ فيه لمّا قتل… وأثر تغيّر الدم في الورقة التي فيها قوله تعالى فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم…”.

الكوفة وبغداد

قضى ابن بطوطة بعض الوقت في البصرة ثم سافر زائراً بعض المدن الإيرانية، وبعدها قدم مرة أخرى إلى العراق فدخل إلى الكوفة ووصف مسجدها وما احتوى عليه من كرامات ومزارات مقدسة.

يحكي بعض القصص الشعبية المنشرة بين أهل الكوفة بخصوص هذا المسجد فيقول “…منها بيت إزاء المحراب عن يمين مستقبل القبلة، يقال: إن الخليل، صلوات الله عليه، كان له مصلّى بذلك الموضع، وعلى مقربة منه محراب محلّق عليه بأعواد الساج مرتفع وهو محراب عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وهنالك ضربه الشّقي ابن ملجم والناس يقصدون الصلاة به، وفي الزاوية من آخر هذا البلاط مسجد صغير محلّق عليه ايضاً بأعواد الساج يذكر أنه الموضع الذي فار منه التنّور حين طوفان نوح عليه السلام، وفي ظهره خارج المسجد بيت يزعمون أنّه بيتنوح عليه السلام، وإزاؤه بيت يزعمون أنه متعبّد إدريس عليه السلام، ويتّصل بذلك فضاء متّصل بالجدار القبليّ من المسجد يقال إنّه موضع إنشاء سفينة نوح عليه السلام. وفي آخر هذا الفضاء دار عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه والبيت الذي غسل فيه، ويتّصل به بيت يقال أيضاً إنه بيت نوح عليه السلام، والله أعلم بصحّة ذلك كلّه”.

غادر ابن بطوطة الكوفة واتجه لمدينة الحلّة فكتب مظهراً إعجابه بعمرانها: “هي مدينة كبيرة… ولها أسواق حسنة جامعة للمرافق والصناعات وهي كثيرة العمارة، وحدائق النخل منتظمة بها داخلاً وخارجاً، ودورها بين الحدائق، ولها جسر عظيم معقود على مراكب متّصلة منتظمة فيما بين الشطّين تحفّ بها من جانبيها سلاسل من حديد مربوطة في كلا الشطّين إلى خشبة عظيمة مثبتة بالساحل…”.

ثم توجه إلى مدينة كربلاء فوصف ما بها من مراقد دينية، وتحدث عن اهتمام أهل المدينة بالزائرين والمسافرين فقال: “مدينة صغيرة تحفّها حدائق النخل ويسقيها ماء الفرات. والروضة المقدّسة داخلها، وعليها مدرسة عظيمة، وزاوية كريمة، فيها الطعام للوارد والصادر، وعلى باب الروضة الحجّاب والقومة لا يدخل أحد إلّا عن إذنهم فيقبّل العتبة الشريفة وهي من الفضّة وعلى الضريح المقدّس قناديل الذهب والفضّة وعلى الأبواب أستار الحرير…”.

يمم ابن بطوطة وجهه بعد ذلك قاصداً مدينة بغداد التي وصفها بقوله: “مدينة دار السلام، وحضرة الإسلام، ذات القدر الشريف، والفضل المنيف، مثوى الخلفاء، ومقرّ العلماء…”.

ووصف الرحالة الطنّجي مساجد بغداد العامرة بالمصلين، والجسور المقامة على جانبي نهر دجلة، كما تحدث عن الحمامات العامة المنتشرة في بغداد. وقال مسلطاً الضوء على بعض العادات الاجتماعية الشائعة بين البغداديين عند استخدامهم الحمامات العامة، إن كل حمام توجد به عدد من الخلوات/ الغرف “وفي داخل كلّ خلوة حوض من الرخام فيه أنبوبان، أحدهما يجري بالماء الحارّ والآخر بالماء البارد فيدخل الإنسان الخلوة منها منفرداً لا يشاركه أحد إلّا إن أراد ذلك، وفي زاوية كلّ خلوة أيضاً حوض آخر للاغتسال، فيه أيضاً أنبوبان يجريان بالحارّ والبارد، وكلّ داخل يُعطى ثلاثاً من الفوط: إحداها يتّزر بها عند دخوله والأخرى يتّزر بها عند خروجه، والأخرى ينشف بها الماء عن جسده”.

كما أبدى إعجابه بهذا النظام الدقيق المتبع فقال: “ولم أر هذا الاتقان كلّه في مدينة سوى بغداد، وبعض البلاد تقاربها في ذلك”.

من جهة أخرى، حرص ابن بطوطة على وصف الحياة العلمية في بغداد من خلال زيارة المدرسة الشهيرة المعروفة باسم المدرسة المستنصرية، والمنسوبة للخليفة العباسي المستنصر بالله. يقول عن المدرسة التي تضم شيوخاً لتدريس الفقه على المذاهب السنية الأربعة: “لكلّ مذهب إيوان فيه المسجد، وموضع التدريس وجلوس المدرّس في قبّة خشب صغيرة على كرسيّ عليه البسط، ويقعد المدرس وعليه السكينة والوقار لابساً ثياب السواد معتماً، وعلى يمينه ويساره معيدان يعيدان كلّ ما يمليه، وهكذا ترتيب كلّ مجلس من هذه المجالس الأربعة، وفي داخل هذه المدرسة الحمّام للطلبة ودار الوضوء…”.

وبعد خروجه من بغداد، توجه ابن بطوطة إلى شمال العراق فزار الموصل. وتحدث عن مزاراتها المهمة وعن قبر النبي يونس، كما أشاد كثيراً بأهلها، فقال إن “لهم مكارم أخلاق ولين كلام وفضيلة ومحبّة في الغريب وإقبالاً عليه…”. ثم خرج من العراق متوجهاً إلى مدينة مكة في السعودية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *