اسم الكاتب : حسن الكعبي
لا يمكن التعامل مع الحشد الشعبي، الآن، بوصفه قوة وطنية تشكلت فقط من أجل ظروف طارئة استدعاها اعتداء داعش الإرهابي على العراق، ومحاولة الهيمنة عليه وعلى مقدراته، بل أصبح الحشد انموذجا مثاليا لقوة عسكرية وطنية أثبتت امتلاكها لمؤهلات فائقة، على الصعيد العقائدي في سياق الانتماء لمفاهيم الوطنية ومكوناتها الاجتماعية, والصعيد العسكري في سياق المهارات القتالية التي ألحقت الهزائم الكبرى بداعش، وأجبرته على التقهقر المذل، ولذلك فالحشد لم يعد تلك القوة التي يمكن الاستغناء عنها وإلغاؤها بمزاج سياسي يشرعن القوانين باعتباطية لا تتماشى مع المتطلبات الوطنية، كما أنها في سياق ذلك، لم تعد القوة القابلة للتدجين والاحتواء الفئوي الحزبي أو السياسي بطبعته الكانتونية، فالحشد قوة وطنية تشكلت من الشعب لأجل الشعب والدفاع عن الوطن ضد أي محاولة من محاولات الاعتداء عليه.
إن منطلقات الحشد الشعبي معروفة للداني والقاصي، بكونها منطلقات أخلاقية وإنسانية ودينية، دعمت إيمان الحشد بعدالة القضية التي يناضل من أجلها، وبضرورة محاربة الإرهاب والتصدي لمحاولته في الترويع الإنساني، وزراعة الرعب في أوساطه، وفي حدود هذه المنطلقات، فإنه يصعب تدجين الحشد وسجنه في فضاء أفق فئوي، لأن منطلقاته الإنسانية عابرة لحدود التدجين، كما يصعب إلغاؤه باجتراح قوانين اعتباطية تراهن على التلاعب بالدساتير والفقرات القانونية، فالحشد يحظى بتعاطف جماهيري كبير، وتمثيلات الحشد الإنسانية كونت لها قاعدة جماهيرية، شملت معظم جغرافيا العراق، وهذه الأمور مجتمعة هي جزء من استحقاقات الحشد، في ظل تضحياته الكبيرة وبذل النفس للحفاظ على الوطن وعلى أبنائه.
حري بمن يعرف الحشد جيداً، في ظل تمثيلاته الإنسانية التي تمتزج بالشجاعة الفائقة والتضحيات الكبيرة، أن يبادر الى اجتراح قوانين لصالح الحشد وعدم التفريط به، بعد أن أصبح مؤسسة وطنية ضرورية في بناء الدولة والحفاظ على مقدراتها، وأن يعمد الى دعم الحشد مادياً ولوجستياً، لكي يتمكن الحشد من بناء نفسه، وفق قاعدة دفاعية متينة في مواجهة الإرهاب الذي لا يمكن الاستهانة به، فالإرهاب الذي بدأ يغزو الرقعة الجغرافية الأكبر في العالم، وهو يمتلك القدرة على التلاعب بمقدراته، في ظل مساندة الدول الداعمة للإرهاب، يحتاج الى قوة مواجهة تمتلك وعياً إنسانياً متجاوزاً لحدود الانحيازات، كما يمتلك إيماناً كبيراً بضرورة القضاء على الإرهاب، وإحلال السلام والعدالة، وإشاعة مفاهيمها في عموم الأوساط الإنسانية، فهذه المفاهيم هي التي جند الإرهاب نفسه للقضاء عليها، تمهيداً لإدخال العالم الى أنفاق الظلام والوحشية، وفوضى الصراعات الإنسانية، ولا نعتقد أن هنالك قوة بلغت حدوداً من الإيمان بالإنسانية والإيمان بالسلام ومفاهيم العدالة، كما بلغته قوة حشدنا الوطني.