
حيدر صبي
ما يبدو ان استراتيجية اعادة تشكيل خارطة القيادة والنفوذ بدت بمعالم اوضح بدخول عام 2025 حيّز الزمن من عمر هذا القرن , وظهر هذا جلياً مما افرزه الصراع الإقليمي والدولي الذي لازال قائما , فأمام تنامي فعاليات الصين وروسيا لأجل تفكيك آصرة وحدة القطب الأمريكية في قيادة الكوكب يرافقه التنافس الاقتصادي الشرس بين دول شرق اسيا , مع تراجع نفوذ فرنسا في افريقيا المنهكة اقتصادياً , صاحب ذلك تقليص للنفوذ الإيراني في دول غرب اسيا اثر الهزيمة المرّة لحزب الله وسقوط حليفها الأسد , مع صعود ملفت لمكانة كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط . الـعــراق أيــن مـن كـلّ مـا يـحـصـل ؟ سياسة القاء العبء وتفريغ الاحمال في الهروب من مسؤولية الادارة السياسية الحقيقية التي انتهجها الساسة العراقيون , فرضت على العراق تحالفات تشاكس المنظومة الدولية واحياناً تكون بتضاد كبير معها , ما جعله يقع تحت وطأة الضغط الدولي والمصالح الاقليمية , فاضاع استراتيجيته التي كانت ستحافظ على امنه واستقراره السياسي والاجتماعي والاقتصادي . لكن وأثناء هذا المشهد الدراماتيكي المشوه قفزت شخصية السياسي العراقي ” عدنان الزرفي ” بقوة على مسرح السياسة بعد ظهوره في واشنطن خلال حفل تنصيب الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة الامريكية ” دونالد ترامب ” ما اثارهذا الظهور حفيظة عدد غير قليل من القيادات الشيعية حصراً, فباتوا يطرحون تساؤلات حول طبيعة ما سيقوم به من دور سياسي مقبل , دور يخشون فيه ان يُدخِلَ العراق بمرحلة اللاعودة للسياسات القديمة , مع تساؤلات كثر منها : هل للزرفي القدرة في استثمار تلكم العلاقة لصالحه في هذه المرحلة المفصلية والصعبة حتى يكون بامكانه قلب الطاولة وازاحتهم عن مواقعهم دون رجعة ؟ . مع هذا وجدنا ذات المنظومة التي وقفت بالضد من تكليفه توكل للزرفي مهمة اجراء مفاوضات مع وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي لتخفيف العقوبات الاقتصادية على العراق , فعاد إلى المَشهد بدورٍ محوري لينقذ وقتها الحكومة العراقية من عقوبات مؤكدة كانت تنتظرها . ويؤكّد بذات الوقت أهمية دوره السياسي في التأثير في دوائر القرار الأمريكي كعراقي عرف كيف يستثمر علاقته معها , مع كلّ هذا بقي مناؤوه من ساسة الحكم على ذات النمط في وصف شخصيته بـ “رجل امريكا” الذي يستغل الفرص ويستثمر الأزمات لتأكيد حضوره في تعزيز نفوذه كفاعل سياسي كبيرفي النظام الحالي .
لا تـواصـل حـقيـقــي مــع الـولايـات المـتـحـدة الأمـريـكيـة .. مـتـى تـنـتـهـي سـيـاسـة هـدر الفرص ؟ العديد من مراكز البحوث والدراسات والقوى السياسية البينية تؤكد خلو المنظومة الحاكمة من قنوات التَواصل المُباشرة وبشكل فعّال مع الفريق الجمهوري ومن مقربي الرئيس ” ترمب ” , مع أنّ الولايات المتحدة الامريكية كان لها الدور الابرز في التخلص من النظام السابق لتساهم وبشكل رئيس في تأسيس نظام مابعد 2003 , غير ان الحكومات العراقية المتعاقبة إختارت الزيغ نحو سياسات بلدان اخرى تستعدي امريكا , الامر الذي أدّى إلى تقهقر نفوذها في مراكز صنع القرار في البيت الابيض وبالنتيجة قلّت فرص الدعم الحقيقي من الرئاسات الامريكية على المستوى السياسي والاقتصادي ومنه حرمت بغداد نفسها من فرصة كانت مواتية لتثبت مدى مصداقيتها لتكسب ثقة امريكا بها كحليف موثوق به . لقد حان الوقت لتعيد القوى السياسية قناعاتها في فهم النظريات السياسية الحاكمة للبلدان القائمة على المصالح العليا والعلاقات الاستراتيجية التي تحقق مبدأ التوازن والندية لا التبعية لهذه الدولة او تلك وتبدأ بالمراجعة واولى خطواتها ان تزيل تلك القوى تحفظاتها اتجاه الشخصيات الوطنية خصوصا وتلك التي خرجت واياهم من رحم واحد !! .
تبنّي سياسة مغايرة العراق اليوم بحاجة إلى سياسة خارجية أكثر ذكاءً فالبلد يواجه تحديات معقدة تتطلب قدرة تفاوضية عالية مع القوى الكبرى وهو ما تفتقر إليه الحكومة الحالية بسبب غياب القنوات الفعّالة مع واشنطن والاتحاد الأوروبي وحتى بعض دول الشرق الأوسط , هذا الضعف في الدبلوماسية العراقية جعل البلاد أكثر عرضة للتدخلات الخارجية بدلاً من أن تكون طرفاً مؤثراً في المعادلة الإقليمية . . في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع العراق الاستفادة من الشخصيات التي تمتلك خبرة في التعامل مع القوى الكبرى أم أنه سيبقى محكوماً بمراكز نفوذ داخلية تعيق أي محاولة لاستقلال قراره السياسي ؟ فوضعَ واجهةٌ تفاوضية عراقية قوية ليس ترفاً، بل ضرورة لحماية المصالح الوطنية في ظل عالم يتغير بسرعة، حيث لا مكان للضعفاء في معادلات النفوذ الدولية الجديدة . كذلك فالتعامل مع القوى الكبرى يتطلب مهارة سياسية وواقعية في اتخاذ القرارات، وليس مجرد مواقف أيديولوجية. العراق اليوم بحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجي لعلاقاته الخارجية، في تبني نهج أكثر براغماتية لضمان استقراره السياسي والاقتصادي. فهل سيستغل النظام السياسي العراقي هذه الفرصة، أم سيبقى أسيراً لصراعات داخلية تمنعه من تحقيق مصالحه الوطنية ؟