أبريل 22, 2025
164e7d37-83f2-4778-9fe7-e46fb2e39f67

انوار داود الخفاجي

في العقود الأخيرة، شهد العراق تغيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية عميقة أثرت على بنيته المجتمعية وقيمه الأخلاقية. واحدة من الظواهر التي برزت بشكل لافت هي تفشي الدعارة واتخاذها طابعًا مؤسساتيًا ضمن بعض الدوائر الرسمية، بحيث لم تعد تُعامل كجريمة أو انحراف أخلاقي، بل أصبحت في بعض الحالات مهنة مقبولة ضمن أروقة الدولة والمجتمع، أو كما يقال باللهجة العراقية “كار لا عار”.

لطالما كانت الدعارة ظاهرة اجتماعية في مختلف المجتمعات، لكنها في العراق تأثرت بعدة عوامل عززت انتشارها. الحروب المستمرة منذ الثمانينيات، والعقوبات الاقتصادية في التسعينيات، وسقوط النظام السابق عام 2003، كلها عوامل أدت إلى تفكيك النسيج الاجتماعي وزيادة معدلات الفقر والبطالة، ما دفع العديد من النساء إلى ممارسة الدعارة كوسيلة للبقاء.

إضافة إلى ذلك، أدت حالة الفوضى التي أعقبت الغزو الأمريكي إلى تفشي الجريمة المنظمة، وظهور شبكات الاتجار بالبشر التي استغلت النساء في الدعارة، سواء داخل البلاد أو خارجها. ومع غياب تطبيق القانون بشكل حاسم، تحولت هذه الظاهرة إلى جزء من الاقتصاد الموازي الذي تديره قوى متنفذة.

ما يجعل الوضع أكثر خطورة هو دخول هذه الظاهرة إلى بعض مؤسسات الدولة بشكل غير رسمي، حيث أصبحت بعض الدوائر والجهات تغض الطرف عن أنشطة الدعارة، بل وأحيانًا تديرها أو تستفيد منها. هناك تقارير تتحدث عن وجود شبكات تستغل النساء داخل مؤسسات حكومية، سواء عن طريق الابتزاز أو تشغيلهن في أعمال غير مشروعة.

الفساد المستشري في الدولة العراقية ساهم أيضًا في تطبيع الظاهرة، حيث تُستخدم الدعارة كأداة للرشوة وكسب النفوذ، ما جعلها تتحول من عار إلى  كار يمارس في الخفاء وأحيانًا بغطاء رسمي.

من الناحية القانونية، تُعد الدعارة غير قانونية في العراق، ويُعاقب عليها وفق القوانين الجنائية. إلا أن تطبيق هذه القوانين ضعيف بسبب انتشار الفساد والتواطؤ بين الجهات الأمنية وبعض الجماعات النافذة.

أما من الناحية الدينية، فالمجتمع العراقي ذو أغلبية مسلمة يرفض هذه الممارسات بشدة، لكن وجودها في أروقة الدولة يضعف قدرة المؤسسات الدينية على مواجهتها.

تحول الدعارة إلى كار وليس عار في بعض الأوساط أدى إلى نتائج خطيرة على المجتمع العراقي. فمن جهة، تسببت في تفكيك القيم الأخلاقية وأضعفت الروابط الأسرية. ومن جهة أخرى، عززت الفساد وساهمت في خلق بيئة غير آمنة للنساء، حيث يُستغلن تحت مظلة الحماية الرسمية أو القانونية.

إضافة إلى ذلك، فإن انتشار الدعارة يؤدي إلى تفشي الأمراض الجنسية وزيادة معدلات العنف ضد المرأة، ناهيك عن الأثر النفسي المدمر على النساء اللواتي يجدن أنفسهن مجبرات على هذا الطريق.

الخاتمة هل من حلول؟

لمعالجة هذه الظاهرة، يجب اتخاذ خطوات جادة على عدة مستويات.

 *أولًا*، تعزيز سيادة القانون ومحاربة الفساد داخل المؤسسات الحكومية لمنع استغلال النساء.

 *ثانيًا*، توفير فرص اقتصادية واجتماعية بديلة للنساء المعرضات للاستغلال، مثل تحسين ظروف العمل والتعليم.

*ثالثًا*، رفع الوعي المجتمعي بخطورة انتشار الدعارة وضرورة التصدي لها.

بدون هذه الحلول، سيظل تحول الدعارة إلى كار لا عار انعكاسًا لأزمة عميقة في بنية الدولة العراقية، حيث يتحول الانحراف إلى ممارسة مقبولة، ويصبح الفساد أمرًا طبيعيًا، ما يهدد مستقبل البلاد أخلاقيًا واجتماعيًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *