محمد حسين الشيخ أحمد الوائلي.. زهرةٌ قُطِفت قبل الأوان

ضياء ابو معارج الدراجي

لم يكن ذنبه إلا أنه حمل اسمًا كان أكبر من أن تتحمله أزقة الظلم، ولم تكن جريمته إلا أنه وُلد ابنًا لرجلٍ خطب في الناس صدقًا فكان صوته أقوى من قعقعة سيوف الجلادين. محمد حسين الشيخ أحمد الوائلي، الأستاذ الجامعي، الباحث، الشاب الذي لم يعرف قلبه غير العلم، كان على موعدٍ مع القدر في ليلةٍ من ليالي رمضان، حين امتدت يد الجريمة لتقتطفه من بين عائلته وأحلامه وتلقي به في ظلمات الزنزانات القذرة.

في التاسع عشر من رمضان عام ١٤٠٢ هـ، الموافق لعام ١٩٨٢، لم يكن سوق النجف الكبير يشهد ازدحامه المعتاد فحسب، بل كان مسرحًا لصمتٍ ثقيلٍ خيّم على أعين الناس، وهم يشاهدون رجال مديرية أمن النجف يقتادون محمدًا دون أن ينبس أحدٌ ببنت شفة. أي جرمٍ يمكن أن يرتكبه أستاذٌ جامعيٌ لا سلاح له سوى قلمه وأوراقه؟ لكن الجريمة لم تكن تحتاج إلى دليل، فقد كانت التهمة مكتوبة مسبقًا: “نجل الخطيب الشيخ أحمد الوائلي”.

ما كان ذنبك يا محمد؟ هل ورثت من أبيك إلا حب الوطن؟ هل كان جرمك أنك نشأت في بيتٍ لم يعرف إلا صوت الحق؟ أم أن عيونهم كانت تمتلئ رعبًا من مجرد اسمك، فقرروا قتلك حتى لا يظل للحق شاهدٌ في هذا البلد الذي حولوه إلى مقبرة للأحرار؟

خمسةُ أشهرٍ في غياهب السجون كانت كافيةً ليذوق محمد ألوان العذاب، في زنازين ضيقةٍ تفوح منها رائحة الموت، بين الجلادين الذين لا يعرفون الرحمة، وبين جدرانٍ سمعَت من الآهات ما يكفي لأن تكون شاهدةً على عصرٍ من الظلم لن يُنسى. لم يكن إعدامًا، بل كان اغتيالًا علنيًا للحقيقة، انتقامًا من رجلٍ لم يكن يملك إلا فكره واسمه، لكنهم أرادوا أن يطمسوا كل أثرٍ له، حتى لا يبقى دليلٌ على جريمتهم.

في بغداد، حيث كانت محكمة الثورة تعقد جلساتها الهزلية، لم يكن هناك وقتٌ ليضيعوه على أدلةٍ أو مرافعات. قرار الإعدام كان جاهزًا، والتوقيع عليه مجرد إجراءٍ شكلي. في الخامس من كانون الثاني ١٩٨٣، أُعدم محمد حسين شنقًا، ولم يكن لأحد أن يعلم، فالحكم لم يُبلَّغ لأسرته، والجثة لم تُسلَّم، والدفن كان في مكانٍ مجهول، وكأن الأرض ابتلعته ولم تترك خلفها إلا حسرةً تسكن قلوب أهله ومحبيه.

لم يكن محمد حسين مجرمًا، بل كان ضحيةً لزمنٍ قبيح، زمنٍ كان فيه اللقب تهمة، والعلم خطرًا، والانتماء عقوبةً لا تُغتفر. لم يكن هذا مجرد إعدام، بل كان طمسًا لتاريخٍ واغتيالًا لبراءة، ورغم مرور العقود، لا تزال مرارة ذلك اليوم تسكن في الذاكرة، كجرحٍ مفتوحٍ لا يندمل.

هل كان في ظنكم أن صمتكم سيمنعنا من أن نروي قصته؟ هل اعتقدتم أن من يموت يُنسى؟ لا، يا قتلة محمد، لن يُنسى، لن يُمحى من التاريخ، لن تغطي جرائمكم عتمة السنين، وستبقى أسماؤكم وصمة عارٍ لن تُمحى مهما حاولتم دفن الحقيقة.

لن ننسى.. ولن نغفر..

✍️ضياء ابو معارج الدراجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *