الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَو تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا” (الفتح 25) ” هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ والْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ”. قلنا عند تفسير الآية 10 من هذه السورة: ان المشركين منعوا الرسول صلى الله عليه واله وسلم والصحابة من زيارة المسجد الحرام سنة ست للهجرة، وكان معهم سبعون ناقة على ما قيل ساقوها للنحر بمكة وهي التي عناها سبحانه بقوله: “والْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ” ومعكوفا أي محبوسا للنحر، ومحله أي محل نحره وهو مكة. وأيضا قلنا عند تفسير الآية 24: ان المسلمين فتحوا مكة من غير قتال سنة ثمان، لأن اللَّه ألقى الرعب من المسلمين في قلوب المشركين. والآية التي نحن بصددها تشير إلى هذا المعنى وتؤكد ان أهل مكة لم يسكتوا ويكفوا عن قتال النبي والصحابة حين دخلوا مكة إلا خوفا من المسلمين، والدليل على ذلك كما صرحت الآية ان هؤلاء المكيين هم الكافرون الذين منعوا المسلمين من زيارة المسجد الحرام ومن وصول الهدي إلى مكة لينحر فيها. ويأكل منه البائس الفقير.
ويستطرد الشيخ مغنية في تفسيره الآية الفتح 25 قائلا: ثم أشار سبحانه إلى بعض فوائد السلم والكف عن القتال في صلح الحديبية و فتح مكة، بقوله: 1 – “ولَولا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ ونِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ”. حين دخل النبي صلى الله عليه واله وسلم مكة فاتحا كان فيها جماعة من المسلمين نساء ورجالا ولكنهم كانوا غير معروفين ولا متميزين عن المشركين لأنهم كتموا ايمانهم خوفا من أعداء الإسلام، ولو دارت رحى الحرب لأصاب ضررها المسلم والكافر. فربما قتل المسلم أخاه المسلم الذي يكتم إيمانه، وهو يظن انه يقتل كافرا، وفي ذلك ما فيه من المشقة على المسلمين بما يلزمهم من الكفارة ودية قتل الخطأ، بالإضافة إلى ان أعداء الدين يتخذون منه وسيلة للطعن والتشهير بأن المسلمين يقتل بعضهم بعضا. 2 – “لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ “. المراد بالرحمة هنا الإسلام، والمعنى ان اللَّه سبحانه كف الأيدي عن القتال في فتح مكة لأنه يعلم ان بعض أهلها المشركين سيهتدون ويسلمون، وهذا ما حدث بالفعل “لَو تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً”. أي لو تميز كل فريق عن الآخر، وعرف المسلم من الكافر لأذن اللَّه للمسلمين بقتال الكافرين، وأنزل بهم أشد العذاب.
قوله تعالى عن الالتزام “إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا” ﴿الفتح 26﴾ يشير سبحانه بالذين كفروا إلى عتاة الشرك الذين منعوا النبي سنة ست للهجرة من زيارة المسجد الحرام، لا لشيء إلا لأن قلوبهم مفعمة بالتعصب وأنفة الكبرياء. وهذا وحده يستوجب الإذن بقتالهم وقتلهم، ولكن اللَّه سبحانه كف أيدي المسلمين عنهم حرصا على حياة من كتم إيمانه ومن سيدخل في الإسلام منهم بعد فتح مكة. “فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وكانُوا أَحَقَّ بِها وأَهْلَها”. المراد بالسكينة هنا الرضا والصبر الجميل، وبألزمهم أوجب على المؤمنين، أما كلمة التقوى فقيل: ان المراد بها قول لا إله إلا اللَّه. والأرجح ان المراد بها العمل بالتقوى، والمعنى ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قبل صلح الحديبية على الرغم من كبرياء المشركين وعتوهم، وكره هذا الصلح بعض الصحابة وأصروا على القتال، ولكن اللَّه سبحانه ألهمهم الصبر الجميل على غطرسة المشركين، وأمرهم أن يقبلوا الصلح ويرضوا به فسمعوا وعملوا بما يوجبه الايمان والتقوى، ولا بدع فإنهم أهلها وأولى الناس بالعمل بها، فلقد جاهدوا وضحّوا بالكثير في سبيل اللَّه، وصبروا صبر الأحرار والأبرار “وكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً”. يعلم المتقين والمجرمين، ويجزي كلا بما كسبوا وهم لا يظلمون.