الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن أمة “إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” ﴿الأنبياء 92﴾ أُمَّتُكُمْ: أُمَّتُ اسم، كُمْ ضمير. أمّتكم: ملّـتكم (الإسلام). إِنّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ: ملتكم ملة الإسلام أي شريعتكم التي بينت لكم. هؤلاء الأنبياء جميعًا دينهم واحد، الإسلام، وهو الاستسلام لله بالطاعة وإفراده بالعبادة، والله سبحانه وتعالى رب الخلق فاعبدوه أيها الناس وحده لا شريك له. جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قال الله تعالى عن أمة “إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” (الأنبياء 92) “إن هذه” أي ملة الإسلام “أمتكم” دينكم أيها المخاطبون أي يجب أن تكونوا عليها “أمة واحدة” حال لازمة “وأنا ربكم فاعبدون” وحدون.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قال الله تعالى عن أمة “إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” ﴿الأنبياء 92﴾ في الآيات رجوع إلى أول الكلام فقد بين فيما تقدم أن للبشر إلها واحدا وهو الذي فطر السماوات والأرض فعليهم أن يعبدوه من طريق النبوة وإجابة دعوتها ويستعدوا بذلك لحساب يوم الحساب، ولم تندب النبوة إلا إلى دين واحد وهو دين التوحيد كما دعا إليه موسى من قبل ومن قبله إبراهيم ومن قبله نوح ومن جاء بعد موسى وقبل نوح ممن أشار الله سبحانه إلى أسمائهم ونبذة مما أنعم به عليهم كأيوب وإدريس وغيرهما. فالبشر ليس إلا أمة واحدة لها رب واحد هو الله عز اسمه ودين واحد هو دين التوحيد يعبد فيه الله وحده قطعت به الدعوة الإلهية لكن الناس تقطعوا أمرهم بينهم وتشتتوا في أديانهم واختلقوا لهم آلهة دون الله وأديانا غير دين الله فاختلف بذلك شأنهم وتباينت غاية مسيرهم في الدنيا والآخرة. أما في الآخرة فإن الصالحين منهم سيشكر الله سعيهم ولا يشاهدون ما يسوؤهم ولن يزالوا في نعمة وكرامة، وأما غيرهم فإلى العذاب والعقاب. وأما في الدنيا فإن الله وعد الصالحين منهم أن يورثهم الأرض ويجعل لهم عاقبة الدار والطالحون إلى هلاك ودمار وخسران وسعي وبوار. قوله تعالى: “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” الأمة جماعة يجمعها مقصد واحد، والخطاب في الآية على ما يشهد به سياق الآيات خطاب عام يشمل جميع الأفراد المكلفين من الإنسان، والمراد بالأمة النوع الإنساني الذي هو نوع واحد، وتأنيث الإشارة في قوله “هذه أمتكم” لتأنيث الخبر. والمعنى: أن هذا النوع الإنساني أمتكم معشر البشر وهي أمة واحدة وأنا الله الواحد عز اسمه ربكم إذ ملكتكم ودبرت أمركم فاعبدوني لا غير. وفي قوله: “أمة واحدة” إشارة إلى حجة الخطاب بالعبادة لله سبحانه فإن النوع الإنساني لما كان نوعا واحدا وأمة واحدة ذات مقصد واحد وهو سعادة الحياة الإنسانية لم يكن له إلا رب واحد إذ الربوبية والألوهية ليست من المناصب التشريفية الوضعية حتى يختار الإنسان منها لنفسه ما يشاء وكم يشاء وكيف يشاء بل هي مبدئية تكوينية لتدبير أمره، والإنسان حقيقة نوعية واحدة، والنظام الجاري في تدبير أمره نظام واحد متصل مرتبط بعض، أجزائه ببعض ونظام التدبير الواحد لا يقوم به إلا مدبر واحد فلا معنى لأن يختلف الإنسان في أمر الربوبية فيتخذ بعضهم ربا غير ما يتخذه الآخر أويسلك قوم في عبادته غير ما يسلكه الآخرون فالإنسان نوع واحد يجب أن يتخذ ربا واحدا هو رب بحقيقة الربوبية. وهو الله عز اسمه. وقيل: المراد بالأمة الدين، والإشارة بهذه إلى دين الإسلام الذي كان دين الأنبياء والمراد بكونه أمة واحدة اجتماع الأنبياء بل إجماعهم عليه، والمعنى أن ملة الإسلام ملتكم التي يجب أن تحافظوا على حدودها وهي ملة اتفقت الأنبياء عليهم السلام عليها. وهو بعيد فإن استعمال الأمة في الدين لو جاز لكان تجوز الإيصال إليه إلا بقرينة صارفة ولا وجه للانصراف عن المعنى الحقيقي بعد صحته واستقامته وتأيده بسائر كلامه تعالى كقوله: “وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا” (يونس 19) وهو كما ترى يتضمن إجمال ما يتضمنه هذه الآية والآية التي تليها. على أن التعبير في قوله: “وأنا ربكم” بالرب دون الإله يبقى على ما ذكروه بلا وجه بخلاف أخذ الأمة بمعنى الجماعة فإن المعنى عليه إنكم نوع واحد وأنا المالك المدبر لأمركم فاعبدوني لتكونوا متخذين لي إلها. وفي الآية وجوه كثيرة أخر ذكروها لكنها جميعا بعيدة من السياق تركنا إيرادها من أراد الوقوف عليها فليراجع المطولات.
جاء في صفحة الشيخ حسن التريكي: إن الفتنة المذهبية والطائفية أصبحت من أخطر الأسلحة التي يستخدمها أعداء الإسلام لضرب الأمة من الداخل، وإضعاف كيانها، وتمزيق وحدتها. وقد أمرنا الله جل وعلا، ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليه السلام بحفظ وحدة الأمة والدفاع عنها بكل الوسائل: قال الله تعالى: “إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ” (الأنبياء 92). وقال الله تعالى: “وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ” (المؤمنون 52). وقد دافع أهل البيت عليه السلام عن وحدة الأمة بكل الوسائل، وتحملوا الظلم والآلام في سبيلها. فهذا سيد العترة وأمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام، ورغم إيمانه بحقه المطلق، وشعوره بمدى الظلم الذي وقع عليه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: (لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، ووالله لأسلمن ما سلمت امور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة، التماسا لأجر ذلك وفضله، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه). كما بين لنا الله ورسوله والأئمة الأطهار عليه السلام أن الدعوة إلى الله وإلى حق أهل البيت عليه السلام يجب أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن نجادل الآخر بالتي هي أحسن: قال تعالى: “ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”(النحل 125). كما نهانا الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليه السلام عن استعمال أساليب السب واللعن لأنها لا تثبت حقاً ولا تبطل باطلا. فقال الله تعالى: “ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم” (الأنعام 108) فحقائق الدين تقوم على المنطق السليم والعقل النير والدليل والبرهان. يقول تعالى: “قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما أنا عليكم بحفيظ” (الأنعام 104). والدين ليس بحاجة إلى أساليب السب والشتم لإقناع الطرف الآخر أو التشفى منه، بل أكثر من ذلك أن هذه الأساليب سوف تعرض المقدسات إلى الإهانة، فعندما تسبون مقدسات الآخرين ورموزهم فسوف يسبون الله سبحانه وتعالى ويسبون رسول الله ويسبون أولياءكم، والسبب المباشر لذلك السب لمقدساتكم هو سبكم لمقدساتهم ورموزهم. وعلينا أن نستفيد من سبب نزول الآية المباركة في ذلك الوقت ومقارنتها بوضعنا الراهن: روى علي بن ابراهيم قال: حدثني أبي، عن مسعدة بن صدفة، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: “إنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة (الصخرة الملساء) سوداء في ليلة ظلماء. فقال عليه السلام: “كان المؤمنون يسبون ما يعبد المشركون من دون الله، فكان المشركون يسبون ما يعبد المؤمنون، فنهى الله المؤمنين عن سب آلهتهم لكي لا يسب الكفار إله المؤمنين، فيكون المؤمنون قد أشركوا بالله تعالى من حيث لا يعلمون، فقال: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) (وسائل الشيعة ج12،ص297،ح 3617).
جاء في موقع شبكة فجر الثقافية عن الاختلاف و الوحدة في نظر القرآن الكريم (4) للسيد محمد باقر الحكيم: التأكيد على وحدة الرسل والرسالات. فالأنبياء وما جاءوا به من الوحي إنما هو مصدر واحد، وهو: الله سبحانه وتعالى، وهم يتحملون مسؤولية من نوع واحد، وهي: مسؤولية إبلاغ رسالات الله، وإصلاح البشر، ودعوتهم إلى الخير وآلهدى والصلاح، وتحذيرهم من الشر والضلال والفساد، وكذلك قيامهم بين الناس بالعدل والقسط، وحل الاختلاف بالحق من خلال الحكم الإلهي، لا بالهوى والميول والرغبات. وقد أكد القرآن الكريم هذه الوحدة بأساليب متعددة. فتارة: يصرح بها من خلال استعراض مسيرة الأنبياء ودعواتهم، ويختم ذلك بقوله تعالى “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” (الانبياء 92) بعد أن استعرض القرآن الكريم الإشارة إلى أعمال مجموعة من الرسل، وبعد استعراض مسيرة مجموعة من الرسل، حيث جاء قوله تعالى: “يا أيها الرسل كلوا من الطيبات وأعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم * وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون”. وأخرى بأسلوب تأكيد وحدة مضمون دعوة الأنبياء المتعددين عند استعراض رسالتهم إلى أقوامهم، كما نلاحظ ذلك في عدة سور قرآنية: كالشعراء وغيرها. وثالثة: بالإشارة إلى أن العقيدة الإسلامية الصحيحة هي عدم التفريق بين الرسل، والإيمان بهم جميعاً مع احترامهم، والإنكار على من يفرق بين هؤلاء الرسل، لأنهم جميعاً هم رسل الله تعالى: “آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير”. “قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل إلى إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون”. وكذلك الآيات الشريفة في سورة النساء من (150 ـ 164) خصوصاً قوله تعالى: “لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك” إلى آخر الآيات.
جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: وحدة الدين والعقيدة لجميع الأنبياء: أكدت القصة أن الدين كله من الله سبحانه وان الأساس للدين الذي جاء به الأنبياء المتعددون هو أساس واحد لا يختلف بين نبي وآخر، فالدين واحد ومصدر الدين واحد أيضا وجميع الأنبياء أمة واحدة تعبد هذا الاله الواحد وتدعو إليه. وهذا الغرض من الاهداف الرئيسة للقرآن الكريم حيث يهدف القرآن من جملة ما يهدف إليه ابراز الصلة الوثيقة بين الاسلام الحنيف وسائر الأديان الإلهية الأخرى التي دعا إليها الرسل والأنبياء الآخرون، ليحتل الاسلام منها مركز الخاتمية التي يجب على الانسانية أن تنتهي إليها، ويسد الطريق على الزيغ الذي يدعو إلى التمسك بالأديان السابقة على أساس أنها حقيقية موحاة من قبل الله تعالى. إضافة إلى ذلك تظهر الدعوة على انها ليست بدعا في تأريخ الرسالات وانما هي وطيدة الصلة بها في أهدافها وأفكارها ومفاهيمها: “قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ” (الاحقاف 9)، بل انها تمثل امتدادا لهذه الرسالات الإلهية وتلك الرسالات تمثل الجذر التأريخي للرسالة الاسلامية، فهي رسالة أخلاقية وتغييرية لها هذا الامتداد في التأريخ الانساني ولها هذا القدر من الأنصار والمضحين والمؤمنين. وعل أساس هذا الغرض تكرر ورود عدد من قصص الأنبياء في سورة واحدة ومعروضة بطريقة خاصة، لتؤكد هذا الارتباط الوثيق بينهم في الوحي والدعوة التي تأتي عن طريق هذا الوحي، ولنضرب لذلك مثلا ما جاء في سورة الأنبياء: “ولسليمان الريح عاصفة تجرى بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شئ عالمين * ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين” (الانبياء 81-82). “وأيوب إذ نادى ربه اني مسني الضر وأنت ارحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين” (الانبياء 83-84). “وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين * وأدخلناهم في رحمتنا انهم من الصالحين” (الانبياء 85-86). “وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات ان لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين” (الانبياء87-88). “وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين” (الانبياء 89-90). “والتي احصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين” (الانبياء 91). “ان هذه أمتكم أمة واحدة وانا ربكم فاعبدون” (الانبياء 92). ويبدو أن القرآن الكريم يريد أن يشير إلى الغرض الأصيل من هذا الاستعراض لقصص الأنبياء بالآية الخاتمة المعبرة عن هذه الوحدة العميقة الجذور في القدم للأمة المؤمنة بالإله الواحد، وتأتي بقية الأغراض الأخرى في ثنايا هذا الغرض.