حافظ ال بشارة
بدأ احد ساسة الأخوة السنة جولة إعلامية واسعة، عبر عدد من القنوات الفضائية الشيعية، حاملاً رسالة واضحة ومباشرة تقول بشكل غير مباشر : الهيمنة الشيعية على المشهد السياسي ليست قدراً حتمياً، وقد تكون على وشك التراجع إن لم تتحرك الأغلبية بسرعة ومسؤولية.
في تصريحاته المتكررة يطرح السياسي المذكور تصورًا جديدًا لمستقبل العملية السياسية في العراق، مؤكدًا أن المكون الشيعي قد لا يكون فعليًا هو الأكبر عددًا من حيث المشاركة الانتخابية، في ظل ما يشهده الشارع السني من حراك انتخابي واسع النطاق. ويعرب عن أمله في أن تحصد الأحزاب السنية الأغلبية اللازمة لتشكيل “الكتلة الأكبر” متحالفة مع الآخرين لتكون قادرة على تشكيل الحكومة، بل ويمضي إلى أبعد من ذلك، متمنيًا أن تجتمع لهم رئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب.
ما يطرحه ذلك السياسي لا يخرج عن الأطر القانونية والدستورية، لكنه يلقي الضوء على تحولات ممكنة قد تكون جذرية. وتشير الإحصائيات إلى أن المحافظات السنية تحقق نسبًا مرتفعة في عمليات تحديث سجل الناخبين، وهو ما يعزز فرضية تقدمها في المشاركة مقارنة بالمحافظات الشيعية، حيث تنشط في الوسط الشيعي بشكل انفعالي دعوات المقاطعة وتروج لها أصوات مشبوهة، تبرر العزوف عن التصويت بوجود الفساد أو فقدان الأمل.
ويأتي ذلك في وقت أعلن فيه أحد قادة الأحزاب السنية المثير للجدل تشكيل تحالفه الانتخابي من العاصمة القطرية الدوحة، في دلالة واضحة على دعم خليجي متزايد، وهو دعم لا تخفيه هذه القوى، بل تقدمه كأحد عوامل قوتها. وعلى النقيض من هذا الحراك، تسود حالة من اللامبالاة أو التحريض على المقاطعة في أوساط الناخبين الشيعة، ما ينذر بتغير جوهري في موازين القوى.
إنّ ما يقوم به هذا السياسي يستحق التقدير، لأنه بجرأة يحاور الجمهور الشيعي من داخل فضائه الإعلامي، ويعرض المشروع السني السياسي بلغة القانون والدستور وصندوق الاقتراع، دون مواربة أو استفزاز.
الرسالة أبعد من مجرد دعاية انتخابية، إنه تحذير مفيد ومبكر وصريح معناه :
“إن لم يشارك الشيعة بكثافة، فقد يخسرون دورهم المركزي، وقد تنقلب الموازين بطريقة دستورية هذه المرة، لا انقلابية.”
المطلوب اليوم أن يتفهم أهالي الوسط والجنوب بوعي استثنائي طبيعة المرحلة، وأن يتساءلوا بجدية : من هو الذي يدعوهم لمقاطعة الانتخابات واشاعة روح الاحباط واليأس؟ وتسقيط القادة؟ ومن المستفيد من تغييبهم عن صناديق الاقتراع؟
إن تراجعهم يعني كسر التوازن الذي حافظ على العملية السياسية الهشة، ويفتح الباب أمام صعود جديد قد لا يكون بالضرورة ضامنًا للديمقراطية أو مانعًا من عودة الاستبداد بأشكال أخرى.
المعركة اليوم ليست فقط على المقاعد، بل على من يكتب الفصل المقبل من تاريخ العراق السياسي.