صباح البغدادي
على الرغم من اقتراب موعد بدأ العد التنازلي الذي سوف تحدد فيها كل من “أمريكا / اسرائيل” لتوجيه الضربة المرتقبة في حال فشل المفاوضات , ومع إعلان وزير الخارجية العماني، بدر البوسعيدي، صباح هذا اليوم الخميس :” أن الجولة السادسة من المحادثات النووية الأمريكية-الإيرانية ستُعقد في مسقط يوم الأحد 15 حزيران كما هو مقرر لها “. إلا أن لهيب التصريحات العدائية المستعرة لا يزال يحرق جسد المنطقة . بدورها “طهران” ما تزال لهذه اللحظة تُمسك بعنادها بحق تخصيب اليورانيوم على أراضيها ، وملوحة بالوقت نفسه باستعدادها التام لمواجهة أي حروب , والخوف الآن من الذي سوف يقع على العراق ومن خلال أن تتجاهل الطلبات الأمريكية لإسرائيل بعدم استهداف محطات الكهرباء ومنشآت النفط العراقية إذا تورطت الفصائل الولائية المسلحة في هذه الحرب المرتقبة. لكن إسرائيل، بغطرسة عسكرية، قد لا تكتفي بقصف مقرات ومعسكرات الحشد الشعبي، بل تُهدد بتوجيه ضربة ساحقة للعراق، مُدمرة بنيته التحتية الهشة أصلاً.
ولا نريد ان نشهد قريباً العقيد “أفيخاي أدرعي” الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، يطل عبر منصات التواصل الاجتماعي والإعلام المرئي (1) مُكرراً سيناريو الضاحية الجنوبية في بيروت، ليطالب سكان العاصمة بغداد أو بقية سكنة منطاق بعض محافظات العراق بإخلاء منازلهم بحجة استهداف “أهداف عسكرية” مُعيداً مسرحية الدمار الإسرائيلية إلى أرض الرافدين.
وفي خضم هذا الجنون، يُفاقم المدعو (أبو آلاء الولائي) زعيم كتائب ما يسمى بـ (سيد الشهداء)، الكارثة بتهديداته العلنية قبل ساعات، معلناً أن فصيله سيشن “عمليات استشهادية” ضد مصالح أمريكا في العراق ويُهدد كذلك بسقوط حكومات إقليمية إذا اندلعت الحرب !؟ هذا الخطاب الخطير يكشف حقيقة الوجه الاخر لنوايا الفصائل الولائية: جر العراق عنوة إلى حرب ليست له، لتصبح أرضه درعاً بشرياً لحماية إيران، بينما حكومته العاجزة تقف متفرجة. العراق، المُنهك بالفقر والجوع والبطالة والفساد، يُدفع لدفع ثمن صراع إقليمي بقيادة ميليشيات تخدم أجندات طهران، تاركة شعبه يواجه الموت والدمار بلا ذنب سوى ولاءات قادتها الخيانية. وفي خضم الصراعات الإقليمية المحتدمة، يجد العراق نفسه مرة أخرى رهينة بين مطرقة الطموحات الإقليمية وسندان الضغوط الدولية. الفصائل المسلحة المنضوية تحت عباءة مؤسسة الحشد الشعبي، تلك المؤسسة الرسمية التي وُلدت كضرورة وطنية لمواجهة الإرهاب، تحولت في يد البعض إلى أداة لخدمة أجندات خارجية، تقودها ولاءات عقائدية وعسكرية لما يُسمى “الولي الفقيه” هذه الفصائل، التي ترفع شعار الدفاع عن الوطن، تضع العراق اليوم على حافة الهاوية، متورطاً في صراع لا ناقة له فيه ولا جمل، بينما يتردد صدى تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضربة عسكرية “مرتقبة” لإيران إذا فشلت المفاوضات حول برنامجها النووي.
الحشد الشعبي، بتأسيسه عام 2014، كان رداً شعبياً ووطنياً على وحشية تنظيم “داعش” ولكن، وبمرور الزمن، تحولت بعض فصائله إلى كيانات شبه مستقلة، تتحرك وفق أوامر تأتي من خارج الحدود، وليس من حكومة بغداد. قادة هذه الفصائل، بولاءاتهم العقائدية والعسكرية لإيران، يضعون العراق في مرمى النيران. صواريخ تُطلق من الأراضي العراقية تستهدف قواعد أمريكية أو مصالح إسرائيلية، ليست سوى رسائل إيرانية مكتوبة بدماء العراقيين. هذه الأعمال، التي تُنفذ تحت ذريعة “المقاومة” لا تخدم سوى أجندات خارجية، بينما العراق يدفع الثمن غالياً: دمار البنية التحتية، انهيار الاقتصاد، وتفاقم معاناة شعبٍ منهك.
فصائل الحشد الولائية، التي ترى نفسها “حائط الصد الأخير” للدفاع عن إيران، تدفع العراق نحو مواجهة كارثية. أي هجوم ينطلق من الأراضي العراقية سيُقابل برد أمريكي-إسرائيلي مدمر، لن يفرق بين مقرات الفصائل والبنية التحتية الحيوية التي يعتمد عليها المواطن العراقي. محطات الكهرباء، المصانع، الجسور، والمستشفيات – كلها أهداف محتملة في حرب لا يملك العراق فيها قراراً ولا قدرة على تحمل تبعاتها , وباقتصاده الهش ووضعه المعيشي المتردي، ليس في وضع يسمح له بالدفاع عن نفسه، فكيف يُطلب منه حماية دولة أخرى؟ البطالة تتجاوز 30% بين الشباب، الخدمات الأساسية تكاد تكون معدومة، والفساد ينخر مؤسسات الدولة. بينما يعاني المواطن العراقي من انقطاع الكهرباء ونقص المياه، تُستخدم الأراضي العراقية كساحة لتصفية الحسابات الإقليمية. أليس من المخجل لهؤلاء أن يتم تحويل أرض الرافدين إلى مجرد أداة طيعة في يد أطراف خارجية؟
الولاء العقائدي والمرجعية الدينية والسياسية والعسكرية في اتخاذ القرارات لبعض قادة الفصائل لـ”الولي الفقيه” ليس مجرد مسألة دينية، بل هو تهديد وجودي لسيادة العراق. هؤلاء (القادة) الذين يتغنون بالوطنية، يتصرفون كوكلاء لدولة أجنبية، متجاهلين مصلحة الشعب العراقي. إطلاق الصواريخ من العراق ليس مقاومة، بل استدراج حتمي لانتظار الكارثة والخراب . لان كل صاروخ يُطلق هو دعوة مفتوحة للدمار، وكل عملية عسكرية تُنفذ تحت راية “المقاومة” هي طعنة في ظهر الشعب العراقي.
أين الدولة العراقية من هذا كله؟ لماذا تظل عاجزة عن ضبط هذه الفصائل وإخضاعها لسلطة القانون ومحاسبتها قضائيا ؟ إن مؤسسة الحشد الشعبي، في محاربة الإرهاب، تُستغل اليوم كغطاء لأعمال تهدد أمن العراق واستقراره. الحكومة، التي تتغنى بالسيادة، تقف متفرجة بينما تُستخدم أراضيها كملعب للصراعات الإقليمية. أليس هذا تقصيراً صارخاً في حماية الوطن والمواطن؟
العراق ليس طرفاً في الصراع بين إيران والولايات المتحدة، ولا ينبغي أن يكون كذلك. شعبه، الذي عانى من الحروب والحصار والإرهاب، يستحق أن يعيش بسلام، لا أن يُجبر على دفع ثمن نزاعات لا يملك فيها قراراً. الفصائل الولائية، بتصرفاتها المتهورة، لا تدافع عن العراق، بل تعرضه لخطر الدمار. إذا كانت إيران ترى نفسها قوة إقليمية قادرة على مواجهة أمريكا وإسرائيل، فلتخوض معركتها بنفسها، ولا تجعل العراق درعاً بشرياً لحماية مصالحها.
لذلك، يتعين على الحكومة العراقية وضع استراتيجية وطنية شاملة ترتكز على ثلاث ركائز اساسية ومهمة:
أولاً، نزع سلاح الفصائل الولائية ودمجها تحت قيادة الجيش العراقي الرسمي، مع محاسبة قادتها المتمردين على شريعة الدولة ، وعلى أي أعمال تهدد الأمن الوطني.
ثانياً، تعزيز الدبلوماسية العراقية لإعلان الحياد العلني والصريح في الصراع الإيراني-الأمريكي، ومن خلال التنسيق مع دول الخليج العربي مثل قطر والسعودية ومصر وكذلك عُمان، التي تستضيف المحادثات النووية، لتجنب توريط العراق في نزاع إقليمي وكذلك بالتنسيق مع جامعة الدول العربية.
ثالثاً، إطلاق حملة إعلامية وطنية شاملة تكشف زيف دعاية الفصائل التي تُسوّق الحرب كـ”دفاع عن المذهب” وعلى ان تكون الحملة وتُعزز الوحدة الوطنية عبر حوار شامل وبناء يضم المرجعيات الدينية المعتدلة من جميع الطوائف والمذاهب ، وتكون برعاية مباشرة ودعم من مكتب السيد السيستاني، والقوى المدنية والشبابية التي قادت احتجاجات تشرين ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات السياسية والأكاديمية المستقلة.
إن العراق ليس ملكية خاصة لطهران، ولا ساحة لتصفية حسابات واشنطن وتل أبيب. شعبه، الذي صمد في وجه الإرهاب والحروب، يستحق دولة قوية تحمي أطفاله وتضمن وكرامتهم ومستقبلهم . الضربة المرتقبة، إذا وقعت، قد تكون كارثة، لكنها قد تكون أيضاً فرصة لاستيقاظ الدولة العراقية وتحريرها من قبضة الفصائل الولائية. على المؤسسات الوطنية أن تتحرك الآن، قبل أن يُصبح العراق مجرد ركام تتقاسمه أجندات الخارج، تاركة المواطن العراقي يدفع ثمن ولاءات خيانية لن تجلب سوى المزيد من الدم والدموع.
إن استمرار الفصائل الولائية في تنفيذ أجندات خارجية تحت عباءة الحشد الشعبي هو خيانة لتضحيات الشعب العراقي. على الحكومة العراقية أن تستعيد زمام المبادرة، وتفرض سيطرتها على كل الأسلحة والفصائل، وتضع حداً للعبث بمستقبل البلاد. العراق ليس ملكية خاصة لأي دولة، ولا ملعباً لتصفية الحسابات. شعبه يستحق حياة كريمة، لا أن يكون وقوداً لحروب الآخرين. فهل ستستيقظ الدولة العراقية قبل أن تُدمر “الضربة المرتقبة” ما تبقى من أمل للمواطن ولانه لا يريد ان يكون العراق مجرد جثة هامدة على مذبح فصائل الولاء؟.
(1) إنذار عاجل جديد إلى سكان منطقة الجادرية / ببغداد وتحديدًا المتواجدين في المبنى المحدد في الخارطة أنتم متواجدون بالقرب من منشآت ومصالح ومقرات سرية تخزن فيها أسلحة ومعدات قتالية تابعة للفصائل الايرانية المتخفية تحت عباءة “الحشد الشعبي” حيث سيعمل ضدها جيش الدفاع الاسرائيلي على مدى الزمني القريب ومن أجل سلامتكم وسلامة أبناء عائلتكم عليكم أخلاء هذا المبنى والمباني المجاورة فورًا والابتعاد عنها لمسافة لا تقل عن 500 متر؟.