الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري: باب حطة 3418 – رسول الله صلى الله عليه وآله: علي باب حطة، من دخل منه كان مؤمنا، ومن خرج منه كان كافرا. 3419 – عنه صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: مثلك في أمتي مثل باب حطة في بني إسرائيل، فمن دخل في ولايتك فقد دخل الباب كما أمره الله عز وجل. 3420 – عنه صلى الله عليه وآله: معاشر الناس إن عليا صديق هذه الأمة وفاروقها ومحدثها، إنه هارونها ويوشعها وآصفها وشمعونها، إنه باب حطتها وسفينة نجاتها. راجع: علي عن لسان علي / المناقب المنثورة. كتاب (أهل البيت في الكتاب والسنة) / معرفة أهل البيت / مكانتهم / مثلهم مثل باب حطة.
جاء في صفحة من درر الامام علي عليه السلام عن شمعون الصفا عليه السلام: نشأته الأولى من قرية مشرفة على شاطئ البحر، وفي منطقة كانت تعرف بجليل الأمم، أطلّ نور من الأنوار الإلهية بولادة شمعون الصفا سنة 10 ق.م.وبالحق يعتبر سليل الأنبياء من ناحية الأب والأم معاً، فوالده حمون بن عامه، يعود في نسبه إلى النبي سليمان بن داود عليه السلام وهو من مواليد بلدة جسكالا، المعروفة – اليوم – ببلدة الجش شمال فلسطين كما ذكر إدوارد روبنصون نقلاً عن القديس جيروم. وأمّه سيّدة جليلة، تربّت في بيت من بيوتات الأنبياء والذين ضرب الله المثل برفعة شأنهم وصدق إيمانهم، فهي أخت النبي عمران والد السيّدة مريم العذراء عليه السلام الذي خصّه الله وآله بسورة في القرآن الكريم، فقال تعالى: ” إنَّ الله اصطفى ادم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين* ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم). وعندما تزوّج حمون من أخت النبي عمران أنجبا شمعون الصفا ( الذي يعتبر ابن عمة مريم)والقرابة بين المسيح وبعض تلامذته كانت معروفة في كتب النصارى الأوائل، فقد نقل الدكتور فردريك فارار في كتابه حياة المسيح ص 229 عن النصارى الأوائل أن بعضاً من التلاميذ الاثني عشر كانوا أولاد خؤولة لعيسى. وهذا ما وجدناه في حديث للإمام علي عليه السلام لجاثليق الروم، يقول: “أوما تعلمون أن وصي عيسى شمعون بن حمون الصفا ابن خاله اختلفت عليه أمة عيسى…”.وبناءً على ما تقدّم تكون قرابة شمعون الصفا عليه السلام بالسيدة مريم عليها السلام من ناحية الاب والأم معاً، فهو ابن خالها وابن عمتها في الوقت نفسه. أما بالنسبة لمنطقة سكنهم، فالمصادر لا تذكر شيئاً سوى أن شمعون كان يسكن في بلدة كفر ناحوم على بحيرة طبريا، لكننا نرجّح أن يكون والده قد سكن بالقرب من الناقورة في منقطة حامول، وحامول هذا تل بالقرب من الناقورة يبعد عن مقام شمعون حوالي خمسة كيلومترات من الناحية الجنوبية الغربية، ويعتقد أهالي المنقطة أن قبر أحد الأنبياء أو الصالحين موجود على سفحه الغربي، ويعتقد البعض أن والد شمعون الصفا حمون مدفون فيه. ونحن نرجّح ذلك لأنّ لفظة حمون، قد تكون حرفت نونها لاماً لتقارب المخارج الصوتية، وقد ذكر روبنصون في كتابه يوميات في لبنان تعريفاً لحامول فقال: “وتحتنا وادي حامول القصيرة، وهو يشق الجبل ويخرج من ثغرة ضيقة إلى الشاطئ شمال الناقورة، وفي هذه الوادي أطلال حامول، وربما كانت حمون”. وورد في كتاب ولاية بيروت المكتوب باللغة التركية، وصف للطريق بين صور وعكا، يقول: “وأمّا النهر فيأتي من حامول واسمها القديم Hammon”.هذه المنطقة المميزة بمياهها العذبة وتربتها الخصبة، وقربها من البحر، أتاحت لشمعون عليه السلام أن يعمل صياداً للسمك على شاطئها بعد زواجه، لكن مرحلة طفولته يكتنفها الغموض التام فلا حديث ولا رواية تتعلق به في هذه الفترة.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قال تعالى: “وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)” (يس 13-27) وقال ابن إسحاق بل كفر الملك وأجمع هو وقومه على قتل الرسل فبلغ ذلك حبيبا وهو على باب المدينة الأقصى فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة الرسل. ثم ذكر سبحانه تمام الحكاية عن الرجل الذي جاءهم من أقصى المدينة فقال “اتبعوا من لا يسئلكم أجرا” أي وقال لهم اتبعوا معاشر الكفار من لا يطلبون منكم الأجر ولا يسألونكم أموالكم على ما جاءوكم به من الهدى “وهم” مع ذلك “مهتدون” إلى طريق الحق سالكون سبيله قال فلما قال هذا أخذوه ورفعوه إلى الملك فقال له الملك أ فأنت تتبعهم فقال “وما لي لا أعبد الذي فطرني” أي وأي شيء لي إذا لم أعبد خالقي الذي أنشأني وأنعم علي وهداني “وإليه ترجعون” أي تردون عند البعث فيجزيكم بكفركم. ثم أنكر اتخاذ الأصنام وعبادتهم فقال “ءأتخذ من دونه آلهة” أعبدهم “إن يردن الرحمن بضر” أي إن أراد الله إهلاكي والإضرار بي “لا تغن عني شفاعتهم شيئا” (يس 23) أي لا تدفع ولا تمنع شفاعتهم عني شيئا والمعنى لا شفاعة لهم فتغني “ولا ينقذون” أي ولا يخلصوني من ذلك الهلاك أو الضرر والمكروه “إني إذا لفي ضلال مبين” أي إني إن فعلت ذلك في عدوك عن الحق واضح والوجه في هذا الاحتجاج أن العبادة لا يستحقها إلا الله سبحانه المنعم بأصول النعم وبما لا توازيه نعمة منعم. “إني آمنت بربكم” الذي خلقكم وأخرجكم من العدم إلى الوجود “فاسمعون” أي فاسمعوا قولي وأقبلوه عن وهب وقيل أنه خاطب بذلك الرسل أي فاسمعوا ذلك مني حتى تشهدوا لي به عند الله عن ابن مسعود قال ثم إن قومه لما سمعوا ذلك القول منه وطاوه بأرجلهم حتى مات فأدخله الله الجنة وهو حي فيها يرزق وهو قوله “قيل أدخل الجنة” (يس 26) وقيل رجموه حتى قتلوه عن قتادة وقيل إن القوم لما أرادوا أن يقتلوه رفعه الله إليه فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء الدنيا وهلاك الجنة عن الحسن ومجاهد وقال أن الجنة التي دخلها يجوز هلاكها وقيل إنهم قتلوه إلا أن الله سبحانه أحياه وأدخله الجنة فلما دخلها “قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي” تمنى أن يعلم قومه بما أعطاه الله تعالى من المغفرة وجزيل الثواب ليرغبوا في مثله وليؤمنوا لينالوا ذلك وفي تفسير الثعلبي بالإسناد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين علي بن أبي طالب عليه السلام وصاحب يس ومؤمن آل فرعون فهم الصديقون علي أفضلهم). “وجعلني من المكرمين” (يس 27) أي من المدخلين الجنة والإكرام هو إعطاء المنزلة الرفيعة على وجه التبجيل والإعظام وفي هذا دلالة على نعيم القبر لأنه إنما قال ذلك وقومه أحياء وإذا جاز نعيم القبر جاز عذاب القبر فإن الخلاف فيهما واحد وما في قوله “بما غفر لي ربي” (يس 27) مصدرية والمعنى بمغفرة الله لي ويجوز أن يكون معناه بالذي غفر لي به ربي فيكون اسما موصولا ويجوز أن يكون المعنى بأي شيء غفر لي ربي فيكون استفهاما يقال علمت بما صنعت هذا بإثبات الألف وبم صنعت هذا بحذفها إلا أن الحذف أجود في هذا المعنى. ثم حكى سبحانه ما أنزله بقوله من العذاب والاستئصال فقال “وما أنزلنا على قومه من بعده” أي من بعد قتله أومن بعد رفعه “من جند من السماء” يعني الملائكة أي لم تنتصر منهم بجند من السماء ولم تنزل لإهلاكهم بعد قتلهم الرسل جندا من السماء يقاتلونهم “وما كنا منزلين” أي وما كنا ننزلهم على الأمم إذا أهلكناهم وقيل معناه وما أنزلنا على قومه من بعده رسالة من السماء قطع الله عنهم الرسالة حين قتلوا رسله عن مجاهد والحسن والمراد أن الجند هم ملائكة الوحي الذين ينزلون على الأنبياء.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال تعالى “إذ أرسلنا إليهم إثنين فكذّبوهما فعزّزنا بثالث فقالوا إنّا إليكم مرسلون” (يس 14). أمّا من هم هؤلاء الرسل؟ هناك أخذ وردّ بين المفسّرين، بعضهم قال: إنّ أسماء الإثنين (شمعون) و(يوحنا) والثالث (بولس)، وبعضهم ذكر أسماء اُخرى لهم. وكذلك هناك أخذ ورد في أنّهم رسل الله تعالى، أم أنّهم رسل المسيح عليه السلام (ولا منافاة مع قوله تعالى: (إذ أرسلنا) إذ أنّ رسل المسيح رسله تعالى أيضاً)، مع أنّ ظاهر الآيات أعلاه ينسجم معه التّفسير الأوّل، وإن كان لا فرق بالنسبة إلى النتيجة التي يريد أن يخلص إليها القرآن الكريم. والجدير بالتأمّل أنّ الإكرام و الإحترام والتجليل، وإن كان من نصيب الكثير من العباد، واُصولا فإنّه أي الإكرام يتعاظم مع (التقوى) جنباً إلى جنب، “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” (الحجرات 13) ولكن (الإكرام) بشكل مطلق وبدون أدنى قيد أو شرط جاء في القرآن الكريم خاصاً لمجموعتين: الاُولى: (الملائكة المقرّبون) “بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)” (الأنبياء 26-27) والثانية: الأشخاص الذين بلغوا بإيمانهم أكمل الإيمان ويسمّيهم القرآن (المخلَصين) فيقول عنهم: “أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ” (المعارج 35). وعلى كلّ حال، فقد كان هذا مآل ذلك الرجل المؤمن المجاهد الصادق الذي أدّى رسالته ولم يقصّر في حماية الرسل الإلهيين، وارتشف في النهاية كأس الشهادة، وقَفل راجعاً إلى جوار رحمة ربّه الكريم. ولكن لننظر ما هو مصير هؤلاء القوم الطغاة الظلمة؟. مع أنّ القرآن الكريم لم يورد شيئاً في ما انتهى إليه عمل هؤلاء الثلاثة من الرسل الذين بعثوا إلى هؤلاء القوم (من الرسل شمعون الصفا وصي عيسى عليه السلام)، لكن جمعاً من المفسّرين ذكروا أنّ هؤلاء قتلوا الرسل أيضاً إضافةً إلى قتلهم ذلك الرجل المؤمن، وفي حال أنّ البعض الآخر يصرّح بأنّ هذا الرجل الصالح شاغل هؤلاء القوم بحديثه وبشهادته لكي يتسنّى لهؤلاء الرسل التخلّص ممّا حيك ضدّهم من المؤامرات، والانتقال إلى مكان أكثر أمناً، ولكن نزول العذاب الإلهي الأليم على هؤلاء القوم قرينة على ترجيح القول الأوّل، وإن كان التعبير (من بعده) (أي بعد شهادة ذلك المؤمن) يدلّل في خصوص نزول العذاب الإلهي على أنّ القول الثاني أصحّ (تأمّل بدقّة). رأينا كيف أصرّ أهالي مدينة أنطاكية على مخالفة الإلهيين، والآن لننظر ماذا كانت نتيجة عملهم؟ القرآن الكريم يقول في هذا الخصوص: “وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنّا منزلين”. فلسنا بحاجة إلى تلك الاُمور، وأساساً فانّه ليس من سنّتنا لإهلاك قوم ظالمين أن نستخدم جنود السماء، لأنّ إشارة واحدة كانت كافية للقضاء عليهم جميعاً وإرسالهم إلى ديار العدم والفناء، إشارة واحدة كانت كافية لتبديل عوامل حياتهم ومعيشتهم إلى عوامل موت وفناء، وفي لحظة خاطفة تقلب حياتهم عاليها سافلها.