ضياء ابو معارج الدراجي
في غضون أقل من أربع وعشرين ساعة، ظهر دونالد ترامب، بعدة تصريحات متناقضة، كشفت إما عن ارتباك غير مسبوق في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران، أو عن أسلوب مدروس ومتعمد يعتمد على “الجنون الاستراتيجي” الذي يجعل الخصم في حيرة من أمره.
إليك كيف بدا ترامب خلال ساعات محدودة فقط:
🔹ترامب: غادروا طهران فوراً
▪وكأنه ينذر بحرب كاسحة، يخلي المدنيين، ويخلق حالة من الذعر.
🔹ترامب: أرسلتُ مبعوثين للتفاوض مع إيران
▪وفي الوقت ذاته، يمد غصن الزيتون، رغم أنه لم يُسقط السيف بعد.
🔹ترامب: لا نريد حرباً
▪لكن ماذا عن تهديده بقصف المنشآت النووية الإيرانية بعد دقائق فقط؟
🔹ترامب: صبرنا ينفد
▪ثم يقول: “لن نقتل المرشد”، ليعود بعدها ويقول: “قد نقتل المرشد”!
🔹ترامب: قواتنا دفاعية
▪ثم يستدرك: “قد نتدخل”… ليتراجع بعدها: “لن نتدخل”… ليعود ثانية: “قد أقوم بضرب المنشآت النووية”، ثم ينكر ذلك بقوله: “لا أقوم بضرب المنشآت النووية”.
🔹ترامب: نريد مفاوضات
▪ثم يقول: “نريد استسلاماً بلا شروط”، وفي النهاية يختم بعبارة تحمل طابع اللامبالاة المبطنة بالتهديد:
“لا أحد يعلم ما سأفعله ضد إيران…”
كل هذا حدث خلال أقل من يوم واحد. والسؤال الذي يطرحه كل مراقب اليوم هو: ماذا يريد ترامب فعلاً؟
هل نحن أمام تكتيك نفسي متعمد، يشبه طريقة المفاوض الذي يدخل غرفة الاجتماعات وهو يُقلب الطاولة بوجه، ثم يبتسم بالوجه الآخر؟ أم نحن أمام إدارة أمريكية تتخبط بين تيارات داخلية متناقضة، من الصقور والدبلوماسيين، والعسكر والاقتصاديين؟
الرسائل المبطنة:
ترامب لا يخاطب إيران فقط، بل يخاطب الداخل الأمريكي، وجمهوره الانتخابي، والبنتاغون، وإسرائيل، والخليج، والصين، وروسيا. لكن الأهم، أنه يخاطب الرأي العام الدولي بلغة “الغموض العدواني”، وهو أسلوب لطالما استخدمه في صفقات تجارية، لكنه لا يصلح كثيراً في الحروب.
إذا كان الهدف من هذه التصريحات المتقلبة هو إرباك طهران، فقد نجح ترامب في إرباك الجميع، بما فيهم حلفاؤه. وإذا كان الهدف منها هو ترسيخ صورة “الرئيس الذي لا يمكن التنبؤ به”، فقد بلغ حدًا بات من الصعب على أحد أن يأخذ أي تصريح له على محمل الجد.
فوالله… الذي يفهم ماذا يريد ترامب من إيران، فليفهمنا.
هل نحن أمام سياسة مدروسة أم نوبات من الانفعال؟
إنه ترامب… حيث الفوضى ليست عرضاً جانبياً، بل هي السياسة بحد ذاتها.
ضياء ابو معارج الدراجي