المثل بالمثل في القرآن الكريم (ح 1)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
قوله تعالى عن مِثْلَ “وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ” ﴿المائدة 95﴾ يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تقتلوا صيد البر، وأنتم محرمون بحج أو عمرة، أو كنتم داخل الحرم ومَن قتل أيَّ نوعٍ من صيد البرِّ متعمدًا فجزاء ذلك أن يذبح مثل ذلك الصيد من بهيمة الأنعام: الإبل أو البقر أو الغنم، بعد أن يُقَدِّره اثنان عدلان، وأن يهديه لفقراء الحرم، أو أن يشتري بقيمة مثله طعامًا يهديه لفقراء الحرم لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم بدلا من ذلك يوما عن كل نصف صاع من ذلك الطعام، فَرَضَ الله عليه هذا الجزاء، ليلقى بإيجاب الجزاء المذكور عاقبة فِعْله. والذين وقعوا في شيء من ذلك قبل التحريم فإن الله تعالى قد عفا عنهم، ومَن عاد إلى المخالفة متعمدًا بعد التحريم، فإنه مُعَرَّض لانتقام الله منه. والله تعالى عزيز قويٌّ منيع في سلطانه، ومِن عزته أنه ينتقم ممن عصاه إذا أراد، لا يمنعه من ذلك مانع.

عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن مِثْلَ “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ” ﴿النساء 11﴾ يوصيكم الله ويأمركم في شأن أولادكم: إذا مات أحد منكم وترك أولادًا: ذكورًا وإناثًا، فميراثه كله لهم: للذكر مثل نصيب الأنثيين، إذا لم يكن هناك وارث غيرهم. فإن ترك بنات فقط فللبنتين فأكثر ثلثا ما ترك، وإن كانت ابنة واحدة، فلها النصف. ولوالِدَي الميت لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد: ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو أكثر. فإن لم يكن له ولد وورثه والداه فلأمه الثلث ولأبيه الباقي. فإن كان للميت إخوة اثنان فأكثر، ذكورًا كانوا أو إناثًا، فلأمه السدس، وللأب الباقي ولا شيء للإخوة. وهذا التقسيم للتركة إنما يكون بعد إخراج وصية الميت في حدود الثلث أو إخراج ما عليه من دَيْن. آباؤكم وأبْناؤكم الذين فُرِض لهم الإرث لا تعرفون أيهم أقرب لكم نفعًا في دنياكم وأخراكم، فلا تفضلوا واحدًا منهم على الآخر. هذا الذي أوصيتكم به مفروض عليكم من الله. إن الله كان عليمًا بخلقه، حكيمًا فيما شرعه لهم.

جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى عن مِثْلَ “ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ” ﴿البقرة 275﴾ في الآية متوجه إلى كل من أربى وإن لم يأكله ولكنه تعالى نبه بذكر الأكل على سائر وجوه الانتفاع بمال الربا وإنما خص الأكل لأنه معظم المقاصد من المال ونظيره قوله “ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل” وقوله “إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما” الآية والمراد بالأكل في الموضعين سائر وجوه الانتفاع دون حقيقة الأكل “ذلك” أي ذلك العقاب لهم “بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا” معناه بسبب قولهم إنما البيع الذي لا ربا فيه مثل البيع الذي فيه الربا قال ابن عباس كان الرجل منهم إذا حل دينه على غريمه فطالبه به قال المطلوب منه له زدني في الأجل وأزيدك في المال فيتراضيان عليه ويعملان به فإذا قيل لهم هذا ربا قالوا هما سواء يعنون بذلك أن الزيادة في الثمن حال البيع والزيادة فيه بسبب الأجل عند محل الدين سواء فذمهم الله به وألحق الوعيد بهم وخطأهم في ذلك بقوله “وأحل الله البيع وحرم الربا” أي أحل الله البيع الذي لا ربا فيه وحرم البيع الذي فيه الربا والفرق بينهما أن الزيادة في أحدهما لتأخير الدين وفي الآخر لأجل البيع وأيضا فإن البيع بدل البدل لأن الثمن فيه بدل المثمن والربا زيادة من غير بدل للتأخير في الأجل أو زيادة في الجنس. والمنصوص عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم تحريم التفاضل في ستة أشياء الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والملح وقيل الزبيب قال عليه السلام إلا مثلا بمثل يدا بيد من زاد واستزاد فقد أربى لا خلاف في حصول الربا في هذه الأشياء الستة وفي غيرها خلاف بين الفقهاء وهو مقيس عليها عندهم وعندنا أن الربا لا يكون إلا فيما يكال أو يوزن وأما علة تحريم الربا فقد قيل هي أن فيه تعطيل المعايش والإجلاب والمتاجر إذا وجد المربى من يعطيه دراهم وفضلا بدراهم وقال الصادق عليه السلام إنما شدد في تحريم الربا لئلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف قرضا أو رفدا. “فمن جاءه موعظة من ربه” معناه فمن جاءه زجر ونهي وتذكير من ربه “فانتهى” أي فانزجر وتذكر واعتبر “فله ما سلف” معناه فله ما أخذ وأكل من الربا قبل النهي لا يلزمه رده قال الباقر عليه السلام من أدرك الإسلام وتاب مما كان عمله في الجاهلية وضع الله عنه ما سلف وقال السدي معناه له ما أكل وليس عليه رد ما سلف فأما ما لم يقبض بعد فلا يجوز له أخذه وله رأس المال وقوله “جاءه موعظة” وقال في موضع آخر “قد جاءتكم موعظة” لأن تأنيثه غير حقيقي فإن الموعظة والوعظ بمعنى واحد. “وأمره إلى الله” معناه وأمره بعد مجيء الموعظة والتحريم والانتهاء إلى الله إن شاء عصمه عن أكله وثبته في انتهاءه عنه وإن شاء خذله وقيل معناه وأمره في حكم الآخرة إلى الله تعالى إن لم يتب وهو غير مستحل له إن شاء عذبه بعدله وإن شاء عفا عنه بفضله وقيل معناه أمره إلى الله فلا يؤاخذه بما سلف من الربا. “ومن عاد” إلى أكل الربا بعد التحريم وقال ما كان يقوله قبل مجيء الموعظة من أن البيع مثل الربا “فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون” لأن ذلك القول لا يصدر إلا من كافر مستحل للربا فلهذا توعد بعذاب الأبد. ولا خلاف بين الفقهاء إن الربا محرم في النقد والنسيئة وقال بعض من تقدم لا ربا إلا في النسيئة وأما أهل الجاهلية فإنهم كانوا يربون بتأخير الدين عن محله إلى محل آخر بزيادة فيه ولا خلاف في تحريمه ومما جاء في الحديث في الربا ما روي عن علي عليه السلام أنه قال لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في الربا خمسة آكله وموكلة وشاهديه وكاتبه وعنه عليه السلام قال إذا أراد الله بقرية هلاكا ظهر فيهم الربا وعنه عليه السلام قال الربا سبعون بابا أهونها عند الله كالذي ينكح أمه وروي جميل بن دراج عن أبي عبد الله قال درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت الله الحرام.