الاستغفار و الفاحشة في القرآن الكريم

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
يحصل الرين عند الاصرار على الذنب كالفاحشة وعدم الاستغفار “وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ” (آل عمران 135). فالذنب على المؤمن كالصخرة على قلبه فيسرع الى الاستغفار ليزيل تلك الصخرة حتى لا يفقد بصيرته. عكس غير المؤمن فانه لا يشعر بالذنب فلا يستغفر وتتراكم الذنوب على قلبه لتصبح غطاء ويفقد بذلك بصيرته فيفقد انسانيته.

عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن الفاحشة “وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ” ﴿آل عمران 135﴾ فاحشة اسم، فاحِشةً: كبيرة. فاحشة: معصية كبيرة هي في غاية القبح. فعلوا فاحشة: معصية كبيرة متناهية في القُبح. والذين إذا ارتكبوا ذنبًا كبيرًا أو ظلموا أنفسهم بارتكاب ما دونه، ذكروا وعد الله ووعيده فلجأوا إلى ربهم تائبين، يطلبون منه أن يغفر لهم ذنوبهم، وهم موقنون أنه لا يغفر الذنوب إلا الله، فهم لذلك لا يقيمون على معصية، وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم.

وعن كتاب الاء الرحمن في تفسير القران للشيخ محمد جواد البلاغي: قوله عز من قائل “وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ” ﴿آل عمران 135﴾ “وَالَّذِينَ‏” قيل انها مجرورة بالعطف على المتقين و(أولئك) في الآية الآتية اشارة إلى الجميع و ذكرت المغفرة لأن كل من عدا المعصوم محتاج إليها. وقيل الذين مبتدأ وجملة أولئك خبره والقول الاول انسب ببيان الجزاء للمتقين و بقوله تعالى‏ “فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ” (الزمر 74) ‏ فان الاستغفار وان كان عملا صالحا لكنه يبعد ان يترك التنويه باعمال المتقين ويقتصر في التنويه على استغفار أولئك المستغفرين هذا وإذا قيل ان خصوص ما ذكر من اتفاق فعل الفاحشة وظلم النفس مع ذكر اللّه واستغفاره وعدم الإصرار لا ينافي كونهم من المتقين قبل ذلك وبعد ذكر اللّه والاستغفار وإن تضعضعت فيهم ملكة التقوى عند الذنب فعليه تكون كلمة (الذين) معطوفة على (العافين) في طرد صفات المتقين وفيه نوع اشكال واللّه العالم‏ “إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً” في النهاية الفاحشة كل ما اشتد قبحه من الذنوب والمعاصي وكثيرا ما ترد بمعنى الزنا. وفي المصباح فحش مثل قبح وكل شي‏ء تجاوز الحد فهو فاحش ومنه غبن فاحش. وفي القاموس الفاحشة الزنا وكل ما يشتد قبحه من الذنوب أقول وأظن ان ارادة الزنا من الفاحشة في بعض الموارد إنما هو باعتبار كونه من الافراد الظاهرة في الفحشاء فالأظهر في الآية استعمال الفاحشة في مطلق المعصية الفاحشة في قبحها.

الغلظة مع من يستحقون ذلك ويفسدون في الارض “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ” (التوبة 73) (التحريم 9). من الايات التي فيها الفحش “وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ” (آل عمران 135)، و “وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” (النحل 90) فمرتكب عليه ان يستغفر الله ويبتعد عن الفحشاء والمنكر الذي هو فعل الشيطان “إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ” (البقرة 169)، و “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ” (البقرة 268).

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعبير شديد، حيث قال: (لا تَنظُروا إلى كَثْرَةِ صَلاتِهِم وَصَومِهِم وَكَثْرَةِ الحَجِّ وَالمَعرُوفِ وَطَنطَنَتِهِم بِالَّليلِ، وَلَكِنْ اُنظُرُوا إِلى صِدقِ الحَدِيثِ وَأَداءِ الأَمـانَةِ)، و (أَربَعٌ لا تَدخُلِ بَيتاً وِاحُدَةٌ مِنهُنَّ إلاّ خَرِبَ وَلَم يَعمُرْ بِالبَرَكَةِ: الخِيانَةِ والسَّرقَةُ وَشُربُ الخَمرِ والزِّنـا).