ايهاب مقبل
مع عودة الحديث عن تسوية سياسية محتملة في سوريا، تتجه الأنظار نحو مصير قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تمثل القوة الفعلية في شمال وشرق البلاد. فمنذ سنوات، شكّلت قسد حجر الزاوية في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها اليوم أمام مفترق طرق: إما الاندماج ضمن الدولة السورية الجديدة، أو مواجهة مستقبل مجهول يحمل تحديات كبيرة.
في هذا المقال، سأعرض ستة سيناريوهات محتملة بانتظار قسد إذا ما اختارت البقاء خارج مظلة الحكومة السورية الجديدة:
السيناريو الأول: الضغط العسكري والسياسي من دمشق
بقاء قسد ككيان مستقل سياسًا وعسكريًا قدْ يدفع الحكومة السورية إلى اعتبارها ميليشيا خارجة عن السيادة الوطنية. في حال استعادت الحكومة السورية الجديدة قوتها أو حصلت على دعم روسي صريح ضد “المشاريع الانفصالية”، فقد تواجه قسد حملات عسكرية محدودة أو ضغوطًا اقتصادية وخدمية تؤدي إلى إضعاف مناطق سيطرتها. تحتل قسد فعليًا اليوم العديد من البلدات العربية في محافظات الحسكة ودير الزور وحلب والرقة مثل الشدادي وتل حميس والبصيرة والشحيل والصور والكسرة والباغوز وهجين وذيبان والطبقة والمنصورة وعين عيسى وتل رفعت ومنبج وريفها وتفرض على العائلات والعشائر العربية نظامًا علمانيًا إلحاديًا صارمًا يخالف التقاليد والثقافة الإسلامية.
السيناريو الثاني: انسحاب أمريكي مفاجئ
رغم الاعتماد الكبير على الوجود الأمريكي، إلا أن قسد لا تملك ضمانات أمريكية طويلة الأمد، والسبب أن الأمريكيين يستخدمون عادةً القوى الكردية العلمانية في صراعات الشرق الأوسط كـ(ورق مرحاض) حالما يرمونه عند الانتهاء من استخدامه، كما حدث في تمرد القوى الكردية في شمال العراق أبان حرب الخليج الثانية في العام 1991، فقد تركت واشنطن الأكراد بمفردهم يواجهون قمعًا دمويًا من الجيش العراقي، وكما حدث من انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا في العام 2019، فقد تركت قسد تواجه بمفردها آلة الحرب التركية. في حال قررت واشنطن الانسحاب (كما ألمحت في مرات سابقة)، فإن الفراغ الذي سيتركه هذا الانسحاب قد يتحول إلى كابوس، إذ قد تستفيد تركيا أو دمشق من هذا الانكشاف لتقويض حلم الإدارة الذاتية بالكامل.
السيناريو الثالث: توسّع الهجمات التركية
أنقرة تعتبر قسد امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف دوليًا كـ”منظمة إرهابية”. ومع فشل الجهود الدبلوماسية لحل هذا التوتر، فإن غياب الاندماج مع الدولة السورية قد يعطي تركيا مبررًا لتوسيع عملياتها العسكرية في شمال سوريا، لا سيما مع دعم قوات الحكومة السورية الجديدة.
السيناريو الرابع: العزلة الدولية وغياب الاعتراف
طالما بقيت قسد خارج إطار الدولة، ستظل عاجزة عن كسب اعتراف دولي أو المشاركة الفعلية في العملية السياسية. وقد تتحول إلى سلطة أمر واقع غير شرعية، مع اقتصاد هش، وافتقار للبنية القانونية والمؤسساتية المعترف بها دوليًا، ما يضعف قدرتها على الاستمرار.
السيناريو الخامس: موقف كردستان العراق: تعاطف قومي… وتحفظ سياسي
في المشهد الكردي الإقليمي، لا يمكن تجاهل موقف حكومة إقليم كردستان العراق. فعلى الرغم من وجود تعاطف قومي بين الأكراد على جانبي الحدود، إلا أن أربيل، وبخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK)، تتحفظ على دعم قسد علنًا بسبب ارتباط الأخيرة بحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره تركيا تهديدًا مباشرًا.
ترتبط كردستان العراق بعلاقات اقتصادية واستراتيجية وثيقة مع أنقرة، وتسير على خيط رفيع: فهي لا تدعم مشروع الإدارة الذاتية سياسيًا، لكنها في الوقت ذاته لا ترغب برؤية قسد تُسحق أو تُقصى تمامًا، لما لذلك من انعكاسات شعبية داخل الإقليم. وبذلك، تظل أربيل مراقبًا حذرًا، تتمنى التوازن دون التورط، وتدعم اندماج قسد بالحكومة السورية الجديدة.
السيناريو السادس: إيران ومصالحها المزدوجة
تنظر إيران بعين الريبة إلى أي كيان عسكري كردي إنفصالي، لا سيما إذا كان مدعومًا من واشنطن. ترتبط قسد بحزب العمال الكردستاني، وبنفس الوقت يدعم حزب العمال الكردستاني حزب الحياة الحرة الكردستاني “بيجاك” في إيران، والمتورط من مقره في جبال قنديل بشن سلسلة من الهجمات ضد قوات الحرس الثوري الإيراني.
رغم أن طهران لا تعادي قسد بشكل مباشر، فإنها قد تدعم، في الكواليس، عمليات تسلّل أمني أو ضغوط سياسية تهدف إلى إنهاك المشروع الكردي الإنفصالي. كما أنها لا تخفي قلقها من احتمال تحوّل مناطق قسد إلى قاعدة نفوذ أمريكي دائم.
بالتالي، فإن إيران ليست طرفًا محايدًا، بل لاعبًا بارعًا في إدارة التوازنات، وقد تتحرك بقوة إذا شعرت بأن قسد تشكل عائقًا أمام مشاريعها الإقليمية.
ختامًا:
الخيار ليس بسيطًا، ولا الثمن قليلًا. فبين مشروع قومي كردي لم يكتمل، وسلطة مركزية تسعى لإعادة سيطرتها الكاملة، وضغوط إقليمية متشابكة من أنقرة وطهران ودمشق وبغداد وأربيل، تظل قسد أمام معضلة استراتيجية: إما الرهان على اندماج يضمن الحد الأدنى من الحقوق، أو المغامرة بالبقاء كقوة معزولة وسط بحر من التهديدات.
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل ستقرأ قسد المشهد القادم بعيون واقعية أم بنزعة انتصارية قصيرة النفس؟
انتهى