حسن درباش العامري
في خضم التوترات الحدودية والبحرية بين العراق والكويت، يخطئ من يظن أن العراقيين قد يتنازلون عن حقوقهم التاريخية، أو يغضّوا الطرف عن شبرٍ من أرضهم أو إطلالة بحرية هي شريانهم الاقتصادي والسيادي. قد يسكت العراق اليوم بحكمة، لكنه لن يسكت إلى الأبد، ولن يقبل أن يكون ضحية الطمع أو الحسابات الخاطئة لجيرانه.
فعراق علي عليه السلام الذي روت دمائه ارض الكوفة ويتشرف ترابه بضم جيدة الطاهر وعراق الحسين عليه السلام الذي طهر الله بدمه ودم أصحابه و باركها الله بأجسادهم الطاهرة لن نتنازل عنها لأنهم المبادئ والقيم والدين والمذهب إلا أن نتنازل عن وجودنا وقيمنا وديننا ..
لقد كانت حدود العراق واضحة المعالم منذ آلاف السنين، فمنذ السلالات السومرية والأكدية والآشورية وحتى العباسية والعثمانية، ظل العراق يحتفظ بعمقه الجغرافي والبحري.
ومن الخطأ الفادح أن يُختصر العراق بدولة خرجت من رحم الاحتلال البريطاني في أوائل القرن العشرين، فيما العراق ذاته كان يكتب صفحات الحضارة حين لم تكن هناك دول تُعرف بأسمائها اليوم.
الكويت اليوم، إذا أرادت السلام والاستقرار، فعليها أن تعيد حساباتها جيدًا.
فذرات التراب التي تم الاستيلاء عليها ظلمًا، ستكون عبئًا عليها، ومصدر قلق دائم لأمنها. ربما لم تستوعب الكويت حتى الآن حجم الغضب العراقي الشعبي والسياسي من مسلسل التجاوزات، ولكن التاريخ علّمنا أن العراقيين لا يعتدون على أحد، ولكنهم إذا ما اعتُدي عليهم، فإنهم لا يرحمون المعتدي، وإن طال الزمن.
لن ننسى كيف سعت قوى خارجية لتقطيع أوصال العراق بعد حرب 1991، وكيف فُرضت قرارات جائرة كقرار مجلس الأمن رقم 833 الذي حاول فرض ترسيم حدود غير عادل ومجحف، انتُزع قسرًا في ظل حصار خانق وظروف غير طبيعية، وكان سكينًا مغروسًا في الجسد العراقي.
واليوم، وبعد أن استعاد العراق بعضًا من عافيته، فإن الشعب العراقي يرفض تلك الاتفاقيات الظالمة، لأنها لم تُستفتَ فيها إرادة العراقيين، ولا تمثّل سوى وثائق استغلال ظرفي لا أكثر.
الكويت مطالبة اليوم، إن أرادت السلام، لا أن تتخذ خطوات استفزازية، بل أن تعيد النظر في كل ما جرى، وأن تراجع ملفاتها وتُحاسب أولئك الذين باعوها الوهم بأنهم يشترون “أجزاء من العراق” بأموال لن تُثمر لهم أمنًا ولا استقرارًا، لأن العراق لا يُشترى، وتاريخه لا يُباع، وأرضه ليست للمساومة.
على الكويت أن تُقاضي هؤلاء الخونة الذين تاجروا بالوطن، ممن ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات لإذلال شعبهم، وهم لا يمثلون العراق لا في ماضيه، ولا حاضره، ولا مستقبله. فالعراق العظيم، يكتبه الشجعان، حملة القيم والمبادئ، لا الضعفاء ولا العملاء.
لقد حكم العراق العالم مرتين، مرة في ظل الحضارات القديمة التي انطلقت من دجلة والفرات، ومرة في صدر الإسلام حين قاد جيش الفتح من الكوفة نحو الشام وفارس وشمال أفريقيا، لأن العراق حين يُهاجم، لا يرد العدوان فقط، بل يذهب ليقتلع جذوره.
التاريخ يعلم، والحاضر يُذكّر، والمستقبل يُحذر: لا تعبثوا مع العراق. قد يصبر، لكنه لا ينسى. قد يتسامح، لكنه لا يفرط. فحذارِ أن يكون ثمن الغرور السياسي وخداع الإعلام سببًا في خرابٍ أنتم في غنى عنه.
العراق سيبقى شامخًا، لا يركع، ولا يفرّط. والأرض التي رويت بدماء أبناءه وسطر فيها المجد ، لن تكون إلا للعراقيين.
ومن يظن أن العراق قد مات، فقد أخطأ في قراءة التاريخ.. فالعراق يمرض ولكنه لا يموت.