الكوفة هي التي قتلت الحسين عليه السلام..!

علي عبد الصاحب الجبوري

في كل سنة ،وعندما نحط برحالنا في عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام لنحيي أمر آل محمد بإحياء ذكرى استشهاده ،واستذكار ملحمة الإيثار والتفاني تتعالى أصوات الوطنچية لتأخذنا إلى جدل غير منتج ،ومناكفات ليس لله تعالى فيها مكان ،باستفزاز لا يعبر إلا عن ضيق أفق ،وانتماء هش لقضية الامام الحسين ع العالمية التي أراد أئمتنا عليهم السلام من احيائها صياغة محتوى الإنسان المسلم وفقا لمعاني القران “عقيدة ،احكاماً ،تشريعات ”

لتجعل منه الانموذج الذي يؤمن بعالمية الإسلام ،ويصمد بوجه الدعوات الضالة والمضلة التي تريد منه الانكفاء على ذاته بوطنية ضيقة وقومية مقيتة .

ومن المواضيع التي تثار في كل محرم الدفاع عن الكوفة التي يوصفها المدافع عنها على أنها مظلومة إذ نسبت لمن قتل الحسين من أهلها ولم تنسب لمن التحق بركب الحسين “عليه السلام ” منهم .

وقولهم أن الكوفة منطلق التشيع ومركزه ،ويجب أن لا تُمس بهذا المنطق الذي يحملها تبعات عدد من أبنائها الذين تجرأوا على الله تعالى بإراقة دم الحسين ع وقتل أنصاره وسبي عياله!!

ومن اجل الإحاطة التامة بالمواضيع التي قدمتها ،والتي اشتملت على رأي المدافع عن الكوفة يجب علينا تناول تاريخيّة التشيع وتاريخية القبائل التي استوطنت الكوفة بموجز سريع بناءا على ما ورد في الكتب التاريخية المعتبرة التي يمكن للقارئ الرجوع اليها للتأكد من المعلومات التي أوردها على أن يكون ذلك في نقاط :

النقطة الأولى: إن الكوفة لم تكن منطلق التشيع العلوي !

فالتشيع أسسه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في حادثة الدار يوم دعا عشيرته الأقربين ثم كانت المدينة المنورة منطلقة بوجود ثلة مؤمنة صالحة تمثلت بـ”سلمان الفارسي ،عمار بن ياسر ،المقداد ،ابي ذر الغفاري ،عبد الله بن عباس واخرون”وهم الحلقة الأولى التي التفت حول أمير المؤمنين ع ونهلوا من علومه وتصدوا لتفنيد مدارس خط السلطة “آراء ،وأفكارا ،منهجا وأدبيات ”

وعليه يمكن القول أن الطليعة الأولى التي اعتنقت التشيع ونشرته وظهرت وجودا حقيقيا يذود عن الإسلام الحق كانت المدينة المنورة الرحم الذي ولدت فيه.

النقطة الثانية : كانت الكوفة قبل الإسلام تحت حكم الدولة الساسانية التي تعتنق الديانة الزرادشتية ،والتي بطبيعتها قد أحيا رجال دينها من “الموابدة،والهرابذة ” عقائد المجوسيّة بعد مقتل نبيهم زرادشت ،وبعد تخلصهم من حكم الاسكندر المقدوني الذي حرق كتابهم الافستا وهدم معابدهم حيث أقاموا دولتهم التي بلغت حدودها العراق واليمن وأفريقيا وكانت عاصمتها المدائن .

لم تكن الزرادشتية ديانة تبشيرية .لذا احتفظ أهل المناطق المنضوية تحت حكم الدولة الساسانية بدياناتهم ،وكان أهل الكوفة انذاك على دين المسيحية ،وكانت الأديرة والكنائس دور عبادة فيها ،وفي عام ١٧ هـ تم فتح الكوفة لتكون مصرا اسلاميا ،وبناء على العقيدة الجهادية للمسلمين فإن المقاتل كان ينضوي تحت لواء قبيلته ،وكان يأتي بعياله معه للأراضي التي يتم فتحها؛وعليه قسمت الكوفة إلى احياء وسكك وزعت على القبائل التي شاركت بفتحها .

وهنا يمكننا توكيد حقيقة ان القبائل التي فتحت الكوفة هي قبائل السلطة “اي التي لا علاقة لها بأمير المؤمنين علي عليه السلام مطلقا …إن لم نقل إن الكثيرين منها كان لأبائهم دور في السقيفة “.

الثالثة : لقد شهدت الفترة من ١٧هـ -٣٦هـ
حراكا لأمير المؤمنين عليه السلام بالاعتماد على الثلة المؤمنة حيث عمل على دفع أصحابه إلى الكوفة لبث الوعي فيهم وتهيئتهم لمشروعه إذ وصلهم عمار بن ياسر “رضي الله عنه “واليا لكن أهل الكوفة سرعان ما رفضوه ودفعوه إلى الاستقالة ،وارسل اليهم ايضا سلمان الفارسي ،وعبد الله بن مسعود وآخرين ليأخذوا ذهنهم من أيدي السلطة وولاتها،وهو حراك لم يؤتي أكله لأن قبائل السلطة كانت تدين بالطاعة العمياء “طع واسكت” وهي الكيفية التي حكم بها ولاة السلطة الأمصار،والتي كان من آثارها سجن معارضيهم .

النقطة الرابعة: كان لنقل أمير المؤمنين ع الخلافة إلى الكوفة بعد توليه الخلافة سنة ٣٦ هـ عملا عظيما في التاسيس لتشيع الكوفة “والتي ستكون مهد دولة العدل المطلق بظهور الامام المهدي ع”

لكن هل استطاع أمير المؤمنين ع من اخذ قبائل السلطة إلى إسلامه ؟هل كانت الكوفة بالمستوى الذي يمكنها ان تكون عاصمته ؟ هل كان زعماء القبائل الذين كانت بطونهم خزائن السلطة ينظرون إلى علي عليه السلام بريء من التهم التي وجّهت اليه من قبل الماكنة الإعلامية لزعماء المدينة الذين انضووا تحت لواء السيدة عائشة .

أعتقد إن قبائل السلطة التي قاتلت مع علي ع السلام في الجمل لم تكن تقاتل بعقيدة بل هي كانت قد دجنت للقتال مع الحاكم لا اكثر .بدليل ان هذه القبائل ذاتها هي من أجهضت النصر بصفين يوم فرضت إيقاف القتال والنزول إلى التحكيم وفرضها ابو موسى الأشعري حكما بدلا من خيار علي ع عبد الله بن عباس

وعلى ما تقدم ذكره يتأكد لنا أن بيئة الكوفة لم تكن شيعية حتى بعد نزول علي عليه السلام فيها

وأن هذه البيئة قد صنعت قبله بأيادي مسخت ارادتهم بقالب يصعب تغييره
نعم لقد أثمرت خلافة امير المؤمنين ع بتهيئة الارض وبذارها التشيع في ارض الكوفة بايجاد عدد من الصالحين الذين مثلوا اللبنة الأولى للتشيع ؛والذين كان لقلة عددهم الأثر في استشهاد أمير المؤمنين ع.

وصلح الامام الحسن عليه السلام بعده .

النقطة الخامسة :كان رفض الامام الحسين عليه السلام بيعة يزيد وخروجه إلى مكة في مخطط ذهب إلى تنفيذة ينتهي بالعراق .قد بث الأمل في الشيعة القلة الذين سارعوا إلى حراك ينهي معاناتهم من :

١/ نظام طاغوتي تمثل بمعاوية وولاته الذين مارسوا القتل في الشيعة ليستشهد عمرو بن حمق الخزاعي وحجر بن عدي ورفاقهم ،ومارسوا التهجير القسري الذي طال من يوالي عليا ع والذي ابتدأه زياد بن أبيه سنة ٥٠ هـ حيث هجر اعداداً من الشيعة إلى بلاد فارس كان في طليعتهم الاشعريين الذين شكلوا مهد التشيع في فارس.
٢/مجتمعات بليدة تمثلت بقبائل السلطة التي رأت في معاوية خليفة!!!!

سارع الشيعة إلى التأثير في تلك القبائل ودفع زعمائهم إلى مكاتبة الامام الحسين عليه السلام ان اقدم أننا لك جند مجندة !!!

لقد كانت هذه القبائل خاوية تماما وعاجزة عن الوفاء بما تعهدت به فالآلاف التي احتضنت سفير الحسين مسلم بن عقيل سرعان ما تخلت عنه ثم تنكرت له،ثم استسلمت إلى قتله من قبل عبيد الله بن زياد

الكوفة التي شاهدت مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة يسحلان في سككها سرعان ما اخذها اليأس من الحسين عليه السلام إلى التجند ضده تحت ذات الألوية التي كانت تعقد بيد زعمائها ليرتكبوا أبشع جريمة يندى لها جبين التاريخ بقتلهم ابن بنت رسول الله

فيا أيها الشيعي لا تنسب نفسك إلى أمة قتلت ابن بنت نبيها ،وتأكد انك خلقت من فاضل طينة أهل البيت ولا علاقة لك بأولئك الأوغاد

لقد رفع الإسلام سلمان فارس ووضع الحسيب ابا لهب

قال تعالى “قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ”
صدق الله العلي العظيم

فلا تطعن باخيك الحسيني دفاعا عن الانتساب لأمة هالكة في غضب الله
واحفظ للحسين عليه السلام حقه في علاقتك مع من هو للحسين عليه السلام

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته