كامل سلمان
الطائفية موجودة منذ القدم نائمة في مياه راكدة لكن السياسة توقظها وتحركها متى شاءت . في ظاهرة غريبة عند حدوث تقارب إيراني سعودي تختفي المناوشات الطائفية في مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام وعندما يتقارب الخطاب السياسي العربي الإيراني تضمحل الطائفية ويصبحون جميعهم ديناً واحداً لا فرق بينهم يتحدثون بالمشتركات ويتناسون الإختلافات ، الكل مسلمون أخواناً على سرر متقابلين ، وحتى البرامج التلفازية التوعوية الدينية ( التخريبية بالأصل ) تصبح ودودة للطائفة الأخرى ، أنه حقاً شيء غريب أن يتم التلاعب بالدين وبالمشاعر بهذا القدر . كل ذلك يدل على أن لا دين حقيقي عند ساسة الطوائف ولا عند غالبية الناس وإنما مجرد تجارة فكرية وهوس مجتمعي متوارث تتحرك حيثما تحركت مصالح واهداف القادة والسياسيين . لا لوم على السياسيين أن يسخروا الدين والطائفة لمصالحهم السياسية طالما هم لا يخجلون وطالما تحقق لهم مكاسب كبيرة يحلمون بها و لأن السياسي بالأساس إنسان براغماتي فلا يصح أن يفوت مثل هذه الفرصة خاصة إذا كان هذا السياسي لا يهتم لشيء أسمه مصلحة الوطن ومصلحة ومستقبل المجتمع ، فالسياسة كما هو معروف للجميع بلا دين وبلا معايير اخلاقية ، ولكن ما بال خراف القطيع الذين يصرخون مع صرخات السياسيين ويخفتون مع إختفاء أصوات السياسيين ، هؤلاء تنطبق عليهم مفردة مغفلين مخدرين تائهين يمكن خداعهم بسهولة . في الحقيقة لم يعد هناك دين في عالم اليوم لا يخضع لمتطلبات السياسة إلا ما ندر ، فاليوم كل دين هو بصمة سياسة أو غاية سياسية ، هكذا أصبح الدين ورقة من أوراق اللعب الرابحة ، فمن يستطيع ببراعته إستغلال هذه الورقة سيكون هو الرابح والأكثر مكراً وكسباً ، وأما إذا وجد دين بلا إرتباط سياسي فهذا دين العجائز والمسنين فهذا دين شخصي هادىء لا تسمع له همساً ، وهذا دين تراثي نقي غير ملوث وبنفس الوقت هو دين عديم التأثير لأن دين السياسة هو الذي يلعب بالساحة وهو الذي يتسيد حلبة الصراع فهو دين خبيث وأهدافه خبيثة وهو سم مجتمعي قاتل له إعلام وله وعاظ وله صرفيات تفوق صرفيات المؤسسات الطبية والخدمية والتعليمية ، ، نعم الدين والسياسة كالأفعى لها رأس وذيل ( الرأس هم صنّاع السياسة والذيل هم الوعاظ والمطبلون ، الرأس هو الذي يخطط والذيل هو الذي يقلد وينفذ ) أينما توجه الرأس يتبعه الذيل . الطائفية في الأساس موجودة منذ العهد الإسلامي الأول لكن لم يكن لها تأثير على فعاليات المجتمع ولم تكن لها قيمة عند رجالات الدولة لأن رجالات الدولة على طول التأريخ الإسلامي لم يكونوا تحت عباءة رجال الدين أو المراجع بل العكس رجال الدين والمراجع كانوا دوماً أدوات بيد قادة الدولة لذلك لم تكن الطائفية ذات قيمة في حياة المجتمعات ، وهذه نقطة جوهرية كانت تمنع الفتن لأن السلطة إذا وقعت مباشرة تحت يد رجال الدين ستقع الكوارث مثلما يحصل حالياً سيفشلون ويدمرون المجتمع فيضطرون إلى الكذب والدجل والعنف ومن هنا تبدأ الفتن ومع الفتن تبرز الطائفية كعامل لإباحة القتل ، لا يوجد في التأريخ الإسلامي خلال ألف واربعمائة عام سلطة للفقهاء أو المراجع ، السلطة والخلافة كانت دائماً بيد قادة قساة ليس لهم دين يحبون السهر والنساء والليالي الحمراء يتوارثون الحكم عائلياً ، ففي كتاب نهج البلاغة لجامعه الشريف الرضي هناك نص رسالة لعلي أبن أبي طالب إلى معاوية أبن أبي سفيان يقول فيها معاتباً ( وأن عالمكم يألب علينا جاهلكم ) وقد شرح أبن أبي الحديد المعتزلي في القرن السادس الهجري كلمة عالمكم بمعنى ( فقيهكم ) ويقصد به أبو هريرة يحرض علينا جاهلكم ويقصد عامة الناس وهذا دليل واضح بأن الفقهاء كانوا مجرد أدوات بيد الحكام منذ العصر الإسلامي الأول ، وهو إعتراف صريح بأن المجتمع الديني مجتمع جاهل يغلب عليه الجهل يتحكم بهم الفقهاء الخاضعين للحكام ، والفقهاء بالسياسة لعنة كبيرة وهم بالحقيقة حجاب يمنع التطور والمعرفة وأقصد المعرفة غير الدينية ، لهذا السبب المجتمع الديني دائماً يتصف بالجهل . فلا طائفية تحيا بدون مجتمع جاهل ولا طائفية تتحرك بدون فقهاء منحرفين وكلاهما يصبان في مصلحة القادة السياسيين ، فالطائفية قائمة لكنها دوماً كانت فتنة نائمة توقظها الحاجة السياسية .