كلمات في سورة الرحمن (ح 5) (حسبان، الأنام، النواصي، آن)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ” ﴿الرحمن 5﴾ أي يجريان بحسبان ومنازل لا يعدوانها وهما يدلان على عدد الشهور والسنين والأوقات عن ابن عباس وقتادة فأضمر يجريان وحذفه لدلالة الكلام عليه وتحقيق معناه أنهما يجريان على وتيرة واحدة وحساب متفق على الدوام لا يقع فيه تفاوت فالشمس تقطع بروج الفلك في ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وشيء والقمر في ثمانية وعشرين يوما فيجريان أبدا على هذا الوجه وإنما خصهما بالذكر لما فيهما من المنافع الكثيرة للناس من النور والضياء ومعرفة الليل والنهار ونضج الثمار إلى غير ذلك فذكرهما لبيان النعمة بهما على الخلق.

جاء في موقع الاعجاز في القران الكريم عن صبحي رمضان فرجي في مقالته أسرار الشمس بين الوصف القرآني وحقائق علم الفلك الحديث: “الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ” (الرحمن 5) قال القرطبيرحمه الله “أي يجريان بحساب معلوم فأضمر الخبر، قال ابن عباس وقتادة وأبو مالك: أي يجريان بحساب في منازل لا يعدوانها ولا يحيدان عنها. وقال ابن زيد وابن، كيسان: يعني أن بهما تحسب الأوقات والآجال الأعمار، ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب شيئا لو كان الدهر كله أو نهاره. وقال السدي: “بحسبان” تقدير آجالهما أي تجري بآجال كآجال الناس، فإذا جاء أجلهما هلكا، نظيره:”كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى” (الزمر 5)، وقال الضحاك:بقدر، وقال مجاهد: “بِحُسْبَان” كحسبان الرحى يعني قطبها يدوران في مثل القطب. وقال ابن كثيررحمه الله”أي يجريان متعاقبين بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب”لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ” (يس 40) وقال تعالى: “فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ” (الأنعام 96).

وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه “وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ” ﴿الرحمن 10﴾ الأنام الناس، وقيل: الإنس والجن، وقيل: كل ما يدب على الأرض، وفي التعبير في الأرض بالوضع قبال التعبير في السماء بالرفع لطف ظاهر. وقوله جل جلاله “يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ” (الرحمن 41) في مقام الجواب عن سؤال مقدر كأنه قيل: فإذا لم يسألوا عن ذنبهم فما يصنع بهم؟ فأجيب بأنه يعرف المجرمون بسيماهم إلخ، ولذا فصلت الجملة ولم يعطف، والمراد بسيماهم علامتهم البارزة في وجوههم. وقوله: (فيؤخذ بالنواصي والأقدام) الكلام متفرع على المعرفة المذكورة، والنواصي جمع ناصية وهي شعر مقدم الرأس، والأقدام جمع قدم، وقوله: (بالنواصي) نائب فاعل يؤخذ. والمعنى: لا يسأل أحد عن ذنبه يعرف المجرمون بعلامتهم الظاهرة في وجوههم فيؤخذ بالنواصي والأقدام من المجرمين فيلقون في النار.

جاء في معاني القرآن الكريم: السفع: الأخذ بسفعة الفرس، أي: سواد ناصيته، قال الله تعالى: “لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَة ” (العلق 15)، وباعتبار السواد قيل للأثافي: سفع، وبه سفعة غضب، اعتبارا بما يعلو من اللون الدخاني وجه من اشتد به الغضب، وقيل للصقر: أسفع، لما به من لمع السواد، وامرأة سفعاء اللون. وعن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: سفع”لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَة ” (العلق 15) أي نأخذن بناصيته إلى النار، يقال: سفعت بالشئ: إذا أخذته وجذبته جذبا شديدا، والناصية: شعر مقدم الرأس، و”فيؤخذ بالنواصي والأقدام” (الرحمن 41) يقال: يجمع بين ناصيته وقدمه ثم يلقى في النار.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جلت قدرته “يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ” ﴿الرحمن 44﴾ (آن) و(آني) هنا بمعنى الماء المغلي وفي منتهى الحرارة والإحراق، وفي الأصل من مادّة (إنا) على وزن (رِضا) بمعنى الوقت لأنّ الماء الحارق وصل إلى وقت ومرحلة نهائية. وبهذه الحالة فإنّ المجرمين يحترقون وسط هذا اللهيب الحارق لنار جهنّم، ويظمأون ويستغيثون للحصول على ماء يروي ظمأهم، حيث يعطى لهم ماء مغلي (أو يصبّ عليهم) ممّا يزيد ويضاعف عذابهم المؤلم. ويستفاد من بعض الآيات القرآنية أنّ (عين حميم) الحارقة تكون بجنب جهنّم، ويلقى فيها من يستحقّ عذابها ثمّ في النار يسجرون، قال تعالى: (يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) (غافر: 71-72). والتعبير بـ (يطوفون بينها وبين حميم آن) في الآية مورد البحث، يتناسب أيضاً مع هذا المعنى. ومرّة اُخرى بعد هذا التنبيه والتحذير الشديد الموقظ، الذي هو لطف من الله يقول الباريء عزّوجلّ: (فبأي آلاء ربّكما تكذّبان).