الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
التكرار فنٌّ قولي من أساليب العربية المعروفة، وهو من محاسن الفصاحة. للتكرار فوائد، منها: التقرير: فالكلام إذا تكرَّر تقرَّر، زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول، التعظيم والتهويل والتوكيد، ولدلائل الإعجاز. مثلا قوله تعالى “أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون” فقد تكرَّر اسم الإشارة “أولئك” لإظهار أهمية المشار إليهم. والتكرار أما موصول مثل “هيهات هيهات”، أو مفصول في آيات متوالية مثل “فبأي آلاء ربكما تكذبان”. تنشر كلمات قرآنية مكررة أخرى في مواقع مختلفة.
عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى “إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ” يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ” ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ” فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ” (الأنعام 95) الْحَيَّ: الْ اداة تعريف، حَىَّ اسم. الْمَيِّتِ: الْ اداة تعريف، مَيِّتِ اسم. الْحَبِّ: الْ اداة تعريف، حَبِّ اسم. وَالنَّوَى: وَ حرف عطف، ال اداة تعريف، نَّوَى اسم. فالق الحبّ: شاقّه عن النبات. أو خالقه. فالِقُ الحَبِّ و النَّوى: بشقه لينبت منه الزرع. “إن الله فالق” شاق “الحبِّ” عن النبات “والنوى” عن النخل، “يخرج الحي من الميت” كالإنسان والطائر من النطفة والبيضة، “ومخرج الميت” النطفة والبيضة “من الحي ذلكم” الفالق المخرج “الله فأنَّي تؤفكون” فكيف تصرفون عن الإيمان مع قيام البرهان.
عن مجلة البيان بدائع (التكرار) في القرآن المجيد للكاتب محمد عبد الشافي القوصي: قد يكون المكرَّر كلمة مع أختها لداعٍ، بحيث تفيد معنى لا يمكن الحصول عليه بدونها: ومِن أمثلته قوله تعالى في أول سورة البقرة عن جزاء المؤمنين: “أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ” (البقرة 5(، فقد تكرَّر اسم الإشارة “أُولَئِكَ”، والسرُّ في ذلك إظهار مزيد العناية بشأن المشار إليهم، والتنبيه على أنهم كما ثبتَ لهم الاختصاص بالهُدى ثبتَ لهم الاختصاص بالفلاح، وأنَّ كل واحدة من الصفتيْن كافية في تمييزهم عن غيرهم. فلوْ لم تُكرَّر “أُولَئِكَ” لأوْهَمَ ذلك أنَّ (الواو) في: “وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ”. حاليَّة وما بعدها حال، ولكن (الواو) عاطفة، لاختلاف الجملتيْن، فالهدى في الدنيا والفلاح في الآخرة، ولوْ لم تُكرَّر “أُولَئِكَ” لربما فهم اختصاصهم بالمجموع، فيوهم تحقُّق كلٍّ من الهدى أو الفلاح منفرداً فيمن عداهم، ولكن كل واحدة كافية في تمييزهم عن غيرهم. وقد يكون المكرَّر آية بعينها: كقوله تعالى: “وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ” (القمر 17). يقول (صاحب الكشَّاف): وفائدة التكرار هنا: أنْ يُجدِّدوا عند استماع كلِّ نبأ مِن أنباء الأولين ادِّكاراً واتعاظاً، وأنْ يستأنفوا تنبيهاً واستيقاظاً إذا سمعوا الحثَّ على ذلك والبعث عليه. وهذه حِكَم التَّكْرار في قوله جلَّ سلطانه: “وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ” (المرسلات 15) عند كلِّ آية أَوْرَدَها، وكذلك تكرار الأنباء والقصص في أنفسها، لتكونَ تلك العبرة حاضرةَ القلوب، مُصوَّرةً للأذهان، مذكورةً غير منسيةٍ في كلِّ آن. كذلك كرَّر في سورة الرحمن: “فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ” عند كل نعمة عدَّها. والسرُّ في ذلك التكرار: أنَّ الله تعالى خاطب في تلك السورة الثقَليْن، وعدَّد عليهم نِعمه وآلاءه، فكلما ذَكَر نِعمةً أعقبها بتلك الآية، طلباً لإقرارهم، واقتضاءً لشكرها، فالتكرار هنا لتعدُّد المتعلق. فقد تكرَّرت هذه الآية إحدى وثلاثين مرة: ثمانِ مرات عقب الآيات التي تحدَّثت عن عجائب خَلْق الله من الآية (الرحمن 16-34)، ثمَّ تكرَّرتْ سبع مرات عقب ذِكْر النار وشدائدها بعدد أبواب جهنم، وحسن ذِكْر الآلاء عَقبها لأنَّ في صرفها ودفعها نِعماً توازي النِّعم المذكورة، أوْ لأنها حلَّت بالمجرمين، وذلك يُعدُّ أكبر النعماء من الآية (الرحمن 34-45)، ثمَّ ثمانٍ في وصف جنتيْ المقرَّبين من الآية (الرحمن 47-61)، ثمَّ ثمانٍ أخرى لجنتيْ الأبرار من الآية (الرحمن 63-75). كأنه يقول: مَن اعتقد الثمانية الأولى وعمِلَ بموجبها استحقَّ كلتا الثمانيتيْن في وصف الجِنان مِن الله، ووقاهُ السبعةَ التي جاءت في النار. هذا، وقد قسَّمَ العلماءُ التكرار في القرآن إلى نوعيْن: أحدهما الذي نجده في اللفظ والمعنى، والآخَر الذي نجده في المعنى دون اللفظ.
قال الله تعالى عن الميت “تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ” ﴿آل عمران 27﴾، “إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ” ﴿الأنعام 95﴾، “قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ” ﴿يونس 31﴾، “يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ” ﴿الروم 19﴾.
جاء في موقع اسلام ويب ما الحكمة من التكرار في القرآن؟ تكرار الكلمة مع أختها: ومن أمثلتها قوله تعالى: أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون ـ فقد تكررت: هم ـ مرتين، الأولى مبتدأ خبرها: الأخسرون ـ والثانية ضمير فصل جيء به لتأكيد النسبة بين الطرفين وهي: هُمْ الأولى بالأخسرية، وكذلك قوله تعالى: أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال فِي أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ـ تكررت هنا: أولئك ـ ثلاث مرات، ولم تجد لهذه الكلمة المكررة مع ما جاورها إلا حسنًا وروعة، فالأولى والثانية: تسجلان حكماً عامًّا على منكري البعث: كفرهم بربهم، وكون الأغلال في أعناقهم، والثالثة: بيان لمصيرهم المهين، ودخولهم النار، ومصاحبتهم لها على وجه الخلود الذي لا يعقبه خروج منها، ولو أسقطت: أَولئك ـ من الموضعين الثاني والثالث لرك المعنى، واضطرب، فتصبح الواو الداخلة على: الأغلال في أعناقهم واو حال، وتصبح الواو الداخلة على: أَصحاب النار هم فيها خالدون ـ عاطفة عطفاً يرك معه المعنى، لذلك حسن موضع التكرار في الآية، لما فيه من صحة المعنى وتقويته، وتأكيد النسبة في المواضع الثلاثة للتسجيل عليهم بسوء المصير. ثم واصل المؤلفون الحديث عن التكرار في الفواصل، وفي بعض السور، فيمكنك الاطلاع على الكتاب، وقد ألف الكرماني في موضوع التكرار كتابه: أسرار التكرار في القرآن ـ وبين بلاغة القرآن، وفوائد التكرار فيه بشكل مفصل، وقد قال في مقدمة الكتاب: فإن هذا كتاب أذكر فيه الآيات المتشابهات التي تكررت في القرآن وألفاظها متفقة، ولكن وقع في بعضها زيادة، أو نقصان، أو تقديم، أو تأخير، أو إبدال حرف مكان حرف، أو غير ذلك مما يوجب اختلافًا بين الآيتين، أو الآيات التي تكررت من غير زيادة ولا نقصان، وأبين ما السبب في تكرارها، والفائدة في إعادتها، وما الموجب للزيادة والنقصان، والتقديم والتأخير، والإبدال، وما الحكمة في تخصيص الآية بذلك دون الآية الأخرى، وهل كان يصلح ما في هذه السورة مكان ما في السورة التي تشاكلها، أم لا ليجري ذلك مجرى علامات تزيل إشكالها، وتمتاز بها عن أشكالها. ومن الكتب المفيدة في هذا الأمر أيضًا كتاب: خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية، وهو رسالة دكتوراه كتبها الدكتور: عبد العظيم إبراهيم محمد المطعني رحمه الله.
جاء في معاني القرآن الكريم: موت أنواع الموت بحسب أنواع الحياة: فالأول: ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الإنسان والحيوانات والنبات. نحو قوله تعالى: “يحيي الأرض بعد موتها” (الروم 19)، “وأحيينا به بلدة ميتا” (ق 11). الثاني: زوال القوة الحاسة. قال: “يا ليتني مت قبل هذا” (مريم 23)، “أئذا ما مت لسوف أخرج حيا” (مريم 66). الثالث: زوال القوة العاقلة، وهي الجهالة. نحو: “أومن من كان ميتا فأحييناه” (الأنعام 122)، وإياه قصد بقوله: “إنك لا تسمع الموتى” (النمل 80). الرابع: الحزن المكدر للحياة، وإياه قصد بقوله: “ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت” (إبراهيم 17). الخامس: المنام، فقيل: النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل، وعلى هذا النحو سماهما الله تعالى توفيا. فقال: “هو الذي يتوفاكم بالليل” ،والموتة: شبه الجنون، كأنه من موت العلم والعقل، ومنه: رجل موتان القلب، وامرأة موتانة.