الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن الطالب والمطلوب “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ” ﴿الحج 73﴾ الطَّالِبُ: ال اداة تعريف، طَّالِبُ اسم. وَالْمَطْلُوبُ: وَ حرف عطف، الْ اداة تعريف، مَطْلُوبُ اسم. يا أيها الناس ضُرِب مثل فاستمعوا له وتدبروه: إن الأصنام والأنداد التي تعبدونها من دون الله لن تقدر مجتمعة على خَلْق ذبابة واحدة، فكيف بخلق ما هو أكبر؟ ولا تقدر أن تستخلص ما يسلبه الذباب منها، فهل بعد ذلك مِن عَجْز؟ فهما ضعيفان معًا: ضَعُفَ الطالب الذي هو المعبود من دون الله أن يستنقذ ما أخذه الذباب منه، وضَعُفَ المطلوب الذي هو الذباب، فكيف تُتَّخذ هذه الأصنام والأنداد آلهة، وهي بهذا الهوان؟
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى عن الطالب والمطلوب “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ” ﴿الحج 73﴾ قال ابن عباس: كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران، فيجف فيأتي الذباب فيختلسه “لا يستنقذوه منه” أي: لا يقدرون على استنقاذه منه “ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ” الطالب الذباب، والمطلوب الصنم، عن ابن عباس. وروي عنه على العكس من هذا، وهو أن الطالب الصنم، والمطلوب الذباب. فعلى هذا يكون معناه ضعف السالب والمسلوب. وقيل: إن معناه راجع إلى العابد والمعبود أي: جهل العابد والمعبود، وقهر العابد والمعبود، عن الضحاك، وهو معنى قول السدي. الطالب الذي يطلب إلى هذا الصنم بالتقرب إليه، والصنم المطلوب إليه.
وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى عن الطالب والمطلوب “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ” ﴿الحج 73﴾ “يا أيها الناس” أي أهل مكة “ضُرب مثل فاستمعوا له” وهو “إن الذين تدعون” تعبدون “من دون الله” أي غيره وهم الأصنام “لن يخلقوا ذباباً” اسم جنس، واحده ذبابة يقع على المذكر والمؤنث “ولو اجتمعوا له” لخلقه “وإن يسلبهم الذباب شيئا” مما عليهم من الطيب والزعفران الملطخين به، “لا يستنقذوه” لا يستردوه، “منه” لعجزهم، فكيف يعبدون شركاء لله تعالى؟ هذا أمر مستغرب عبر عنه بضرب مثل “ضعف الطالب” العابد “والمطلوب” المعبود.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى عن الطالب والمطلوب “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ” ﴿الحج 73﴾ وقوله:” ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ” مقتضى المقام أن يكون المراد بالطالب الآلهة وهي الأصنام المدعوة فإن المفروض أنهم يطلبون خلق الذباب فلا يقدرون واستنقاذ ما سلبه إياهم فلا يقدرون، والمطلوب الذباب حيث يطلب ليخلق ويطلب ليستنقذ منه. وفي هذه الجملة بيان غاية ضعفهم فإنهم أضعف من أضعف ما يستضعفه الناس من الحيوانات التي فيها شيء من الشعور والقدرة.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى عن الطالب والمطلوب “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ” ﴿الحج 73﴾ بعد ان ذكر سبحانه ان المشركين أثبتوا لأصنامهم صفة الألوهية من غير دليل ذكر في هذه الآية دليلا حسيا على نفي هذه الصفة، يدركه الجهال والأطفال، وهو ان الذباب أحقر وأضعف مخلوق، ومع هذا لو أخذت ذبابة واحدة شيئا من الأصنام، ثم اجتمعت الأصنام بكاملها وأعلنت الحرب على الذبابة لتسترد ما أخذته منها، لو حصل ذلك لكانت الذبابة هي الغالبة، والأصنام كلها مغلوبة، وبالأولى ان لا تخلق ذبابة أو جناحها “ضَعُفَ الطَّالِبُ” وهو الأصنام “والْمَطْلُوبُ” وهو الذبابة إذن، فكيف تكون الأصنام آلهة؟ وتسأل: ان الأصنام تحمل معها الدليل على أنها ليست بآلهة، فلما ذا اهتم القرآن بإيراد الأدلة على ذلك؟ الجواب: ان نفي الألوهية عن الأصنام من البديهيات في منطق العقل، والذين عبدوها واتخذوها آلهة لم يعبدوها بدافع من العقل، بل بدوافع أخرى كالتقليد والتربية والمصلحة، وما إلى ذلك من الدوافع التي لا تبالي بالنقد مهما يكن صائبا.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى عن الطالب والمطلوب “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ” ﴿الحج 73﴾ ويعلو صدى الحقّ في تقرير ضعف الوثن وعبدته في قوله تعالى: “ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ”. وقد ورد في الرّوايات أنّ الوثنيين من قريش نصبوا أوثانهم حول الكعبة، وأغرقوها بالمسك والعنبر وأحياناً بالزعفران والعسل، وطافوا حولها وهم يردّدون (لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك، إلاّ شريك هو لك تملكه وما ملك) والإنحياز عن التوحيد واضح في هذه التلبية، والشرك مؤكّد فيها، فقد جعلوا هذه الموجودات التافهة شركاء لله الواحد الأحد، وهم يرون الذباب يحوم عليها ويسرق منها العسل والزعفران والمسك دون أن تستطيع إعادة ما سلب منها. وقد عرض القرآن المجيد هذه الصورة ليكشف عن ضعف هذه الأوثان، وتفاهة منطق المشركين في تسويغ عبادتهم لهذه الأوثان، وذكّرهم بعجز آلهتهم عن إستعادة ما سرقه الذباب منها وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها لعلّهم ينتبهون على تفاهة ما يعبدون من دون الله تعالى. أمّا ما المراد من (الطالب) و (المطلوب)؟ الصحيح هو ما سبق أن قلناه من أنّ الطالب هو عبدة الأوثان، والمطلوب هو الأوثان ذاتها، وكلاهما لا يقدر على شيء. وقال البعض: إنّ الطالب هو الذباب، والمطلوب الأصنام (لأنّ الذباب يجتمع عليها ليسلب منها غذاءه). وقال الآخرون: الطالب هو الأصنام، والمطلوب هو الذباب (لأنّه لو فكّرت الأصنام في خلق ذبابة واحدة لما إستطاعت ذلك) وأصحّ هذه التفاسير هو الأوّل.
وردت كلمة يطلب ومشتقاتها في القرآن الكريم: يَطْلُبُهُ، طَلَبًا، الطَّالِبُ، وَالْمَطْلُوبُ. جاء في معاني القرآن الكريم: طلب الطلب: الفحص عن وجود الشيء، عينا كان أو معنى. قال تعالى: “أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا” (الكهف 41)، وقال: “ضعف الطالب والمطلوب” (الحج 73)، وأطلبت فلانا: إذا أسعفته لما طلب، وإذا أحوجته إلى الطلب، وأطلب الكلأ. إذا تباعد حتى احتاج أن يطلب.