الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
تكملة للحلقة السابقة عن موقع الجزيرة شهد إعدام صدام حسين قرار بتحويل “الشعبة الخامسة” إلى منتجع ترفيهي للكاتب عادل فاخر: خصوصية المكان: ومن بين الذين تعرضوا للتعذيب في هذا الموقع الكاتب والصحفي العراقي فلاح المشعل، بين 22 أيلول/سبتمبر1987 وحتى 23 فبراير/شباط 1988، مع آخرين متهمين بقضية التآمر على النظام السياسي آنذاك. وقال المشعل إنه يساند تحويل الموقع إلى منتجع ترفيهي مع الحفاظ على خصوصية في جانب منه لتكون تذكارا له ولأهالي الضحايا. واقترح أن تكون هناك جدارية تدوّن فيها أسماء السجناء الذين قُتلوا في هذه الشعبة بعد تعذيبهم، واقترح دعوة الفنانين إلى مسابقة نصب تذكارية تُكتب فيها “قصة الموت في هذا المكان”. وعن سبب الإعلان عن هذا القرار في هذا التوقيت، يعتقد المحلل السياسي والمستشار في “المركز العربي للدراسات الإستراتيجية” يحيى الكبيسي، أنها خطوة نابعة من رغبة حكومية في تطوير المنطقة المحيطة بمرقد الإمام الكاظم موسى بن جعفر خاصة بعد إنشاء جسر الكريعات المؤدي إلى الكاظمية. ونفى وجود بُعد سياسي في اتخاذ هذا القرار. وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى احتمالية وجود توصية أمنية بهذا الشأن، لأن موقع السجن والمعسكر ليس مناسبا على الإطلاق من الناحية الأمنية. خيانة للذاكرة: في المقابل، يرى المفكر والباحث في الشأن السياسي العراقي غالب الشابندر، أن القرار “خيانة للذاكرة العراقية في حال تحويله إلى منتجع أو مرفق ترفيهي، خاصة وقد قضى المئات من العراقيين نحبهم في هذا الموقع”. ويقول الشابندر، وهو قيادي سابق في حزب الدعوة الإسلامية، للجزيرة نت، إن “الشعبة الخامسة” يجب أن تتحول إلى “ذاكرة مشتعلة بالشعور بالظلم والدكتاتورية بعهدة أهل الاختصاص وأصحاب الضمائر الطاهرة، لأن هذا الاختيار يقتل شعبا بكامله”، حسب تقديره. من ناحيته، يصف رئيس “الاتحاد العربي للإعلام السياحي” صباح علال زاير، القرار الحكومي بالموفّق، لا سيما وأن العاصمة بغداد تفتقر للأماكن الترفيهية وبالأخص المطلة على نهر دجلة. وأوضح أن جميع دول العالم تستغل مثل هذه الأماكن لإنشاء منتجعات وحدائق ومتنزهات تكون متنفسا للناس الذين تجذبهم تلك الإطلالة. ويضيف زاير للجزيرة نت، أن السائح القادم إلى العراق وبغداد خصوصا بحاجة إلى أن يرى معلما سياحيا يكون محط استراحة واسترخاء له، يضم فندقا كبيرا وأماكن ترفيهية ومقاهي ومطاعم فاخرة وغيرها. من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي ضرغام محمد علي، أن الحكومة تهدف من خلال قرارها إلى خلق منطقة سياحية في مفصل اقتصادي مهم، لأن الكاظمية تشهد سنويا زيارة مئات الآلاف، لذا هي بحاجة إلى منتجعات ومحطات استراحة، “خاصة وأن ما يتوفر بها لا يلبي الطموح”. وفي حديثه للجزيرة نت، يعتبر محمد علي أن استثمار تلك المنطقة هو الأمثل كونه يزيد من الرقع الخضراء ويخلق متنفسا لأهاليها، كما يمنع الاستيلاء عليها من قبل متنفذين وتحويلها إلى مجمعات سكنية أو تجارية بطريقة غير مدروسة. وأشار إلى أن الشركات التي ستنفذ المشروع هي التي ستحدد الفترة الزمنية لإنجاز المنتجع وملحقاته.
عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن الظالمين “يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا” (الانسان 31) وَالظَّالِمِينَ: وَ حرف عطف، ال اداة تعريف، ظَّالِمِينَ اسم. أعد فعل، لَهُمْ: لَ حرف جر، هُمْ ضمير. عذابا اسم، أليما صفة. هذه السورة عظة للعالمين، فمن أراد الخير لنفسه في الدنيا والآخرة اتخذ بالإيمان والتقوى طريقًا يوصله إلى مغفرة الله ورضوانه. وما تريدون أمرًا من الأمور إلا بتقدير الله ومشيئته. إن الله كان عليمًا بأحوال خلقه، حكيمًا في تدبيره وصنعه. يُدْخل مَن يشاء مِن عباده في رحمته ورضوانه، وهم المؤمنون، وأعدَّ للظالمين المتجاوزين حدود الله عذابًا موجعًا. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى عن الظالمين “يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ” وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا” (الانسان 31) “يُدخل من يشاء في رحمته” جنته وهم المؤمنون “والظالمين” ناصبه فعل مقدر، أي أعد يفسره “أَعد لهم عذابا أليما” مؤلماً وهم الكافرون.
جاء في صحيفة الشرق الأوسط عن (الشعبة الخامسة) أشهر سجون صدام إلى حدائق ومتحف جدل عراقي حول (إخفاء آثار القمع) للكاتب حمزة مصطفى: أثار قرار حكومي بتحويل ما يعرف بـ(الشعبة الخامسة) في عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين جدلاً بين موافق ومشكك ومعارض. و(الشعبة الخامسة) هي مقر الاستخبارات في حقبة النظام السابق، وذاع صيته بوصفه مركز اعتقال شديد التحصين، وأثيرت حوله قصص حول تعذيب معارضين للنظام آنذاك. ويخضع الموقع الآن لإدارة كلّ من لواء بغداد وجهاز مكافحة الإرهاب التابعين لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني. وكانت الحكومة قررت تحويل مبنى (الشعبة الخامسة) إلى متحف كبير، فضلاً عن فنادق ومتنزهات. انقسام عراقي: وعلى إثر ذلك، انقسم العراقيون بين مؤيد للفكرة بوصفها جزءاً من الجهد الخدمي الحكومي الذي يتبناه السوداني، وبين مشكك في أصل المشروع واحتمالية أن يكون إحدى طرق الفساد، خصوصاً أن المنطقة التي من المقرر أن يشملها المشروع هي الأغنى في بغداد. لكن معارضين للمشروع يعتقدون أنه (سيقضي على أحد الشواهد التي تذكّر العراقيين بما تعرضوا له من تعذيب وقمع خلال فترة صدام حسين). وفي هذا السياق، اضطرت الحكومة إلى توضيح خلفيات المشروع والهدف منه، وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة باسم العوادي، إن (الحكومة حرصت، منذ تشكيلها، على الانطلاق بمشاريع خدمية وتطويرية نوعية تحقق النفع العام لأبناء شعبها، ومن بين المناطق التي شملها البرنامج الحكومي الخاص بمشاريع خدمات الزيارات المليونية مدينة الكاظمية، لإظهارها بالمظهر اللائق، وتوفير كل وسائل الراحة لزائريها). وتابع العوادي أن (مجلس الوزراء اتخذ قراراً بإخلاء وفتح المنطقة العسكرية المغلقة منذ عقود، وتخصيص أراضيها لإقامة مرافق خدمية ومراكز ثقافية ودينية ومدن استراحة متعددة للذين يفدون إلى المدينة من مختلف مناطق العالم وللأهالي من أبناء الكاظمية، وكذلك إقامة منشآت تعليمية وطبية ورياضية وأسواق تجارية تحاكي إرث المدينة، وسيتم ربط المنطقة (الجديدة) بمنطقة الكريعات بجسر معلق حديث، وكذلك ربطها بالمنطقة المحيطة بمرقد الإمام الكاظم، بسكة قطار، ضمن رؤية معمارية تحديثية متكاملة).
وردت كلمة ألم ومشتقاتها في القرآن الكريم: أَلِيمٌ، أَلِيمًا، تَأْلَمُونَ، يَأْلَمُونَ، الْأَلِيمَ. وجاء في معاني القرآن الكريم: عذب ماء عذب طيب بارد. قال تعالى: “هذا عذب فرات” (الفرقان 53)، وأعذب القوم: صار لهم ماء عذب، والعذاب: هو الإيجاع الشديد، وقد عذبه تعذيبا: أكثر حبسه في العذاب. قال: “لأعذبنه عذابا شديدا” (النمل 21)، “وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون” (الأنفال 33)، أي: ما كان يعذبهم عذاب الاستئصال، وقوله: “وما لهم ألا يعذبهم الله” (الأنفال 34)، لا يعذبهم بالسيف، وقال: “وما كنا معذبين” (الإسراء 15)، “وما نحن بمعذبين” (الشعراء 138)، “ولهم عذاب واصب” (الصافات 9)، “ولهم عذاب أليم” (البقرة 10)، “وأن عذابي هو العذاب الأليم” (الحجر 50)، واختلف في أصله، فقال بعضهم: هو من قولهم: عذب الرجل: إذا ترك المأكل والنوم (وهذا قول الأزهري، فإنه قال: القول في العذوب والعاذب أنه الذي لا يأكل ولا يشرب. انظر: اللسان (عذب))، فهو عازب وعذوب، فالتعذيب في الأصل هو حمل الإنسان أن يعذب، أي: يجوع ويسهر، وقيل: أصله من العذب، فعذبته أي: أزلت عذب حياته على بناء مرضته وقذيته، وقيل: أصل التعذيب إكثار الضرب بعذبة السوط، أي: طرفها، وقد قال بعض أهل اللغة: التعذيب هو الضرب، وقيل: هو من قولهم: ماء عذب إذا كان فيه قذى وكدر، فيكون عذبته كقولك: كدرت عيشه، وزلقت حياته، وعذبه السوط واللسان والشجر: أطرافها.
جاء في صفحة كريم بدر عن شعبة الخامسة ليس لها أن تكون متنزهاً للكاتب أياد الإمارة: إلى السيد السوداني المُحترم مع التحية ليس للشعبة الخامسة أن تتحول إلى متنزه. إلى زهرة فواحة. وشجرة يانعة. يستظل العشاق تحت أفيائها ويعزف الموسيقيون بينها ألحانهم العذبة. القصة في الشعبة الخامسة مُختلفة جداً. كُن مُنجزاً هذا ما نتمناه ونرجوه منك. وبغداد مترامية الأطراف وفيها من المساحات التي يمكن أن تكون معابر رومانسية جميلة جداً كجمال أمانيك “الواسعة والعريضة”. الشعبة الخامسة أهم جزء في تاريخ العراق. هنا كانت تُكتبُ قصص البطولة والإباء والشجاعة بدماء خيرة أبناء العراق. هنا قطعوا أوصال الشهيد السعيد أحمد الصافي ليعترف على اخوته ولم يعترف وهو الذي تتكسر على شفتيه كلمات الشباب التي لم تنضج بعد. هنا في الشعبة الخامسة مزقوا جسد الشهيد ابو حسين الخفاجي. هنا إنتهكت أعراض العفة والشرف. هنا كانت تراق القيم على محاريب العقيدة. في الشعبة الخامسة ترى العراق بكل أوجاعه، بثواكله، بأيتامه، بأرامله، بكل أب أبيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. هنا في الشعبة الخامسة مزق الجور والبغي آمال الناس بلا شفقة أو رحمة. ماذا نحدث الناس عن الشعبة الخامسة؟ عن الطبيب ربيعة الذي كان في ربيع العمر؟ عن المهندس إحسان الذي تناثر جسد رضيعه على حائط جدران هذه الشبعة ومات كمداً. لم يتحمل إحسان أن يرى طفله الذي وُلد وهو في السجن، لم يره، وضعوه بين يديه رضيعاً ليتبادلا أول نظرة وآخرها ثم سحبوا منه رضيعه وضربوا به الجدار فتناثر جسده الصغير وتبعه والده المثكول كمدا. هذه الشعبة الخامسة فيها من قصص العراق ما لا يُحتمل. فيها من شقاء العراق ما لا يُحتمل. هنا في الشعبة الخامسة كل شيء. وليس للورد أو الشجر ومساحات الحشائش أن تلغي التاريخ الذي يجب أن يبقى منقوشاً في ذاكرة العراقيين. ليس للعراقيين أن يغنوا فوق هذه الأرض. ليس لهم أن يستمتعوا بالوقت الجميل هنا بين صرخات أمير الطفل الصغير وبين صوت نسرين الشابة الحامل في شهرها الأخير وهم يسحبونها من رجليها أمام زوجها. هنا لا مجال للضحك والمرح. هنا صوت كل عراقي. هنا وجع كل عراقي. هنا سالت دماء العراق. هنا الكثير الكثير من مشاهد كربلاء المقدسة. إعدل عن رأيك دولة الرئيس وأترك الشعبة الخامسة لتكون سفر هذا البلد الموجع. لا تأخذ بك الرومانسية إلى المساحة التي تُضيع تاريخ أهلك الناصع. لستُ ضد إنجازك. صدقني أنا أفرح به وأي فرح. وأُشيد به وأي إشادة. لكن لا أقبل لك ومنك أن تزيح تاريخنا بوهم المتنزهات. ليس لك أن تمحو تاريخاً سجلته السماء بحروف من نور تتأرجح فوق. هناك تحت أظلة العرش. ليس لك أن تُبدل قصة أمير وما فيها من اللوعة والأسى بوردة قد تذبل سريعاً. ايها الرئيس إعدل عن رأيك وخذ من بغداد ما تشاء وأزرعه ورداً وشجرا، لك ذلك، وليس الشعبة الخامسة لا ينبغي بك أن تفعل هذا. 15 آيار 2024.
تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع بنت الرافدين عن نزيل في الشعبة الخامسة للكاتب محمد السعدي: للذاكرة مساحات تتسع لحجم الحدث وقوته وهناك ثمة بشر ذاقو ا طعم المرارة والخيبة في هذا المكان المخيف لكنهم لم يميطوا اللثام عن أفواههم للكشف ولو عن جزء بسيط من تفاصيله ولاحتى عن أركان بنائه وشخوصه ومهرجانات الدم والموت فيه. وثمة بشر أخرون أنجرفوا مع مياه المستنقع نحو مياه نهر دجلة فضاعوا تحت أمواجه.وضاعت معهم ذكريات المكان وألام المشهد المرعب انها الشعبة الخامسة الاستخبارات العسكرية العامة وأنا احد الناجين بل ممن كتب لهم التاريخ فرصة الانقاذ بأعجوبة بل في غفلة تاريخية من الزمن القاتل لكن ذاكرتي مازالت تختزن بتفاصيل تلك اللحظات و المشاهد المرعبة التي شهدتها في ذلك المكان الكارثي المقتطع من الجحيم وما جرى لنا فيه من مشاهد محزنة واوقات مرعبة من الموت البطئ أسعى مستذكرا لحظاتها لتدوينها عبر هذه الصفحات المنسية في الذاكرة العراقية التي يحاولون تعطيلها بل نسفها من الاساس لتكن في طي المنسيات ولم تشهد الحياة السياسية في العراق من تجروء للبوح بالمكان وظروفه واساليب التعذيب فيه سأدلوا بشهادتي لتكن محفزا للاخرين عن زمن غادر وتاريخ مظلم مغلف بالخوف والظلم والمعاناة لابناء العراق. عمر ايضا مر بهذا المستنقع مقابل تهمة ترويج وترديد النكات على النظام وقادسيته ونتاجا لذلك فقد لاقى تعذيبا شديدا واربعون يوما في هذا المكان المسكون برائحة الموت ورغم انه كان ضمن الجهاز الحزبي البعثي ومؤسسات النظام وبكل بساطة هذا هو ماقد جرى لعمر فكيف سيكون الامر معي وبأي وسائل جديدة من التعذيب سألقاه منذ سنوات مضت بالحسرة كنت احد نزلاء هذا المبنى المطل على نهر دجلة والمتداخل مع ظلال اشجار الحمضيات والفواكة يوحي من النظرة الاولى للمرء عبارة عن متنزه أمن للعشاق اما في داخله فمسالخ بشرية للمعتقلين السياسين الذين يناضلون في سبيل الحرية وتوفير الخبز لابناء شعبهم المضطهد. جاء في موقع بنت الرافدين عن نزيل في الشعبة الخامسة للكاتب محمد السعدي: تقع زنزانتي في ركن المبنى المستطيل وتحمل رقم ثلاثة. وبمرور الوقت تصبح عندهم مجرد رقم. كانت تقابل بركة المراحيض ( التواليت ) والتي هي عبارة عن غرفة مغلقة باربعة جدران. وبعمق متر ولها منفذ الى نهر دجلة تفرغ عندما تمتلي وهذا يحتاج الى ايام ولها فتحة بوسع الباب للدخول والخروج وتحتوي على دكة. عندما اذهب الى تلك البركة يكون جسمي قد غاص الى نصفه في الغائط. وعندما اخرج اقف صامتا على البركة ونظري تحت الارض. ويقوم احدهم بتنظيف جسمي من مسافة بعيدة من خرطوم الماء (الصوندة) يرش احدهم الماء عليك من مسافة بعيدة وبقوة دفع كبيرة وان ارادوا التقرب منك ستكون في عداد الموتى. ولديك ثواني معدودة لقضاء الحاجة. وان اضطررت ستكون في داخل الزنزانة. جناحنا كان يتضمن زنازين انفرادية بارقام فردية. كنت الاقرب الى موقع المراحيض من الجانب الايمن من الدخول الرئيسي. وكان استعمالها جماعي. ومقابل زنزانتي توجد طلعة موصدة بباب حديدي احيانا تفتح. أشعر بها من خلال نسمات الهواء العذبة. كنت اتسابق مع اقدامهم ووقعها لاتمتع بنظرة خاطفة الى مياه دجلة العذب من خلال فتحة الباب الحديدية كنت اعرف ان هذا النهر قد روي بدماء الاف الشهداء ليكونوا طعاما للاسماك بعد اعدامهم. هذة الوقائع تعيدني الى ماضي بعيد من ايام النضال والحماس يعيد بي روح الاصرار والمواصلة. رغم رهبة الخوف والموت. هذا المبنى الرهيب لي معه ذكريات عشتها ففيه كنت اصغي لاصوات رفاق واصدقاء ساقهم الحظ العاثر اليه. وقد علق احدهم وهو يشيد ببسالة رفاقنا الالمان عندما قال. لقد شيد الالمان الشرقيون هذا المبنى خصيصا لقتل الشيوعيين العراقيين. كانوا يستخدمون كل الاساليب لاجبارنا على الحبو او تقليدنا لاصوات الحيوانات كاسلوب لتجريدنا من ادميتنا ولزرع عوامل الخذلان واليأس والاحباط فينا. حتى عندما تنتهي من حاجتك وفي الطريق الى الزنزانة تجدهم في طريقك واقفين ويتحينون الفرصة في توجيه الضربة تلو الاخرى مع سيل من السب والشتائم السوقية. كانوا يتسلون بتعذيبنا. لكنهم يتظاهرون بالضجر من وجودنا. فبعد النزول من دكة عتبة باب دخول التواليت مباشرة يكون في انتظارك احدهم يحمل في يده طاسة من الماء والصابون ليقوم بمهمة صوبنة وجهك. وما عليك راغما الا ان تنظر الى الاسفل. وممنوع ان ترفع عينك او تنظر الى احدهم اما مهمة الثاني تكون بيده ماكنة حلاقة ليقوم بحلاقة وجهك بطريقة همجية وفي طريق العودة الى الزنزانة تختلط في وجهك فقاعات الصابون مع سيل من الدماء. كنت ارغب كثيرا ان ابقى داخل الزنزانة لاتجاوز هذا المواقف المؤلمة. جربت مرة واحدة فهجموا علي داخل الزنزانة حين حاولت التباطؤ في الخروج. وفي نفس اليوم بلغوني بقانون المعتقل حيث تواجه فورا عقوبة الاعدام. دمدمت مع نفسي هامسا ان كنت محظوظا لاتخلص من هذا العذاب.