كلمات قرآنية لها علاقة بمشاة أربعين الحسين: يسقون، نسقي، يؤثرون (ح 9)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن يؤثرون “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” ﴿الحشر 9﴾ وَيُؤْثِرُونَ: وَ حرف عطف، يُؤْثِرُ فعل، ونَ ضمير. حاجة: حسداً و حَزازة، أو فقراً إلى الشيء مع محبته. والذين استوطنوا “المدينة”، وآمنوا من قبل هجرة المهاجرين وهم الأنصار يحبون المهاجرين، ويواسونهم بأموالهم، ولا يجدون في أنفسهم حسدًا لهم مما أُعْطوا من مال الفيء وغيره، ويُقَدِّمون المهاجرين وذوي الحاجة على أنفسهم، ولو كان بهم حاجة وفقر، ومن سَلِم من البخل ومَنْعِ الفضل من المال فأولئك هم الفائزون الذين فازوا بمطلوبهم.

وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه عن يسقون ونسقي “وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ” ﴿القصص 23﴾ الذود الحبس والمنع، والمراد بقوله: “تذودان” أنهما يحبسان أغنامهما من أن ترد الماء أو تختلط بأغنام القوم كما أن المراد بقوله: “يسقون” سقيهم أغنامهم ومواشيهم، والرعاء جمع الراعي وهو الذي يرعى الغنم. والمعنى: ولما ورد موسى ماء مدين وجد على الماء جماعة من الناس يسقون أغنامهم ووجد بالقرب منهم مما يليه امرأتين تحبسان أغنامهما وتمنعانها أن ترد المورد قال موسى مستفسرا عنهما حيث وجدهما تذودان الغنم وليس على غنمهما رجل: ما شأنكما؟ قالتا لا نسقي غنمنا أي عادتنا ذلك حتى يصدر الراعون ويخرجوا أغنامهم وأبونا شيخ كبير لا يقدر أن يتصدى بنفسه أمر السقي ولذا تصدينا الأمر.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله سبحانه عن يسقون و نسقي “وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ” ﴿القصص 23﴾ عملٌ صالح يفتح لموسى أبواب الخير: نواجه هنا المقطع الخامس من هذه القصّة، وهي قضيّة ورود موسى عليه السلام إلى مدينة مدين. هذا الشاب الطاهر الذي لا يغش أحداً أمضى عدّة أيّام في الطريق، الطريق التي لم يتعود المسير فيها من قبل أبداً، ولم يكن له بها معرفة، وكما يقول بعضهم: اضطر موسى إلى أن يمشي في هذا الطريق حافياً، وقيل: إنّه قطع الطريق في ثمانية أيّام، حتى لقي ما لقي من النصب والتعب، وورمت قدماه من كثرة المشي. وكان يقتات من نبات الأرض وأوراق الشجر دفعاً لجوعه، وليس له أمام مشاكل الطريق وأتعابه إلاّ قلبه المطمئن بلطف الله الذي خلّصه من مخالب الفراعنة. وبدأت معالم (مدين) تلوح له من بعيد شيئاً فشيئاً، وأخذ قلبه يهدأ ويأنس لاقترابه من المدينة، ولما اقترب ثمّ عرف بسرعة أنّهم أصحاب أغنام وأنعام يجتمعون حول الآبار ليسقوا أنعامهم وأغنامهم. يقول القرآن في هذا الصدد: “فلما ورد ماء مدين وجد عليه أمّة من الناس يسقون ووجد من دونهما امرأتين تذودان”. فحركه هذا المشهد حفنة من الشبان الغلاظ يملأون الماء ويسقون الأغنام، ولا يفسحون المجال لأحد حتى يفرغوا من أمرهم. بينما هناك امرأتان تجلسان في زاوية بعيدة عنهم، وعليهم آثار العفّة والشرف، جاء إليهما موسى عليه السلام ليسألهما عن سبب جلوسهما هناك و”قال ما خطبكما”. وَلِمَ لا تتقدمان وتسقيان الأغنام؟ لم يرق لموسى عليه السلام أن يرى هذا الظلم، وعدم العدالة وعدم رعاية المظلومين، وهو يريد أن يدخل مدينة مدين، فلم يتحمل ذلك كله، فهو المدافع عن المحرومين ومن أجلهم ضرب قصر فرعون ونعمته عرض الحائط وخرج من وطنه، فهولا يستطيع أن يترك طريقته وسيرته وأن يسكت أمام الجائرين الذين لا ينصفون المظلوم. فقالت البنتان: إنّهما تنتظران تفرق الناس وأن يسقي هؤلاء الرعاة اغنامهم: “قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء”. ومن أجل أن لا يسأل موسى: أليس لكما أب؟ ولماذا رضي بارسال بناته للسقي مكانه، أضافتا مكملتين كلامهما “وأبونا شيخ كبير” فلا هو يستطيع أن يسقي الأغنام، وليس عندنا أخ يعينه على الأمر فلا حيلة لنا إلاّ أن نؤدي نحن هذا الدور.

ومن مقتطفات من توجيهات الشيخ جلال الدين الصغير الى محبي امير المؤمنين عليه السلام: الصغير ان المحب لامير المؤمنين عليه السلام والذي يقول في زيارته (اني سلم لمن سالمك وولي لمن والاك) فهل انت سلم مع الاخر المحب له في تصرفاتك القلبية والقولية والفعلية ام تحمل الضغينة والكراهية بل تستخدم يدك ضده. يقول الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده). يقول الله تعالى “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة ” (الحجرات 10). وهل اثرت محبة الامير على نفسك كما قال الله تعالى “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة ” (الحشر 9).
عن موقع زيارة الأربعين: آثار وقيم زيارة الأربعين: زيارة الأربعين هي خير وسيلة لخلق إرادة سياسية للتغيير والخروج على الظالمين وذلك لما لها دور في البناء السياسي. المسيرة الأربعينية تسهم في توطين النفس والجسد على تحمّل المشاقّ والمتاعب، من أجل الثبات على المبدأ الذي رسمه أهل البيت عليهم السلام. والقيمة المهمة الأخرى لمسيرة الأربعين هي جمع مواطنين من أكثر من 150 دولة مختلفة في العالم وهذا يعني أكبر تجمع بشري أجنبي في بلد ما في عدة أيام. إن الزيارة المليونية العظيمة فرصة ثمينة لكثير من آلاف المؤمنين الوافدين من خارج العراق للقاء المراجع والعلماء، وتوجيه قضاياهم الشرعية. أنها مهرجان حسيني عظيم يجلب الإخوة من أهل السنة، والكثير من أهل الديانات الأخرى كالمسيحيين والصابئة وغيرهم. الزيارةُ المليونيّة لسيد شباب أهل الجنة تبدأ من يوم الأوّل من صفر إلى العشرين منه. وسُمّيت هذه الزيارةُ (بزيارة الأربعين) باعتبار مرور أربعين يوماً على استشهاد الإمام الحسين وأصحابه في يوم العاشر من المحرّم عام ( 61هـ). وتُعَدُّ واقعةُ استشهاده أبشعَ واقعةٍ شهدَها التاريخُ البشريُّ، فقد قُتِلَ الإمامُ وسبعون من أصحابه وأهل بيته، بينهم الأطفالُ والنساءُ والشيوخُ لا لشيء سوى أنّهم أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر. ثُمّ صار ذلك اليومُ ذكرى سنويّة يُقيم المسلمون فيها مآتم العزاء، ويقدّمون الأطعمةَ والأشربةَ للنّاس عامّةً، وللفقراء خاصّة. ومع قرب أيّام الأربعين يبدأُ الزحفُ المليونيُّ مشياً على الأقدام من كلّ حَدَبٍ وصوب إلى كعبة الأحرار لزيارة الإمام الحسين عليه السلام. وحینها تبدأ المواكب والهيئات بتقديم الخدمات لزوّار سيد الشهداء على أوسع نطاق، فتقومُ بتهيئة المبيت، وتجهيزِ أنواع الأطعمة والأشربة، وغيرها من الخدماتِ الطبية والإرشادية والثقافية والاجتماعية والتنظيمية، وذلك كلُّه مجّاناً وتطوّعاً من الأهالي، ولا تتكفّل الجهاتُ الحكوميةُ إلّا الشيء اليسير منها. ومن ها هنا كان لهيئة الحشد الشعبي التوفيقُ لإنشاء موقعٍ يتناولُ هذا الحدثَ الكبير، ويسلّطُ الضوءَ على أعظم زيارة في تاريخ البشريّة.

تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع تابناك عن دراسة: الزيارة الأربعينية أبعاد ورؤى: المظاهر الحسينية في الأربعينية: تعكس الزيارة السمة الحضارية على صعيد الفردي والمجتمعي في الأمة ولدى أحرار العالم أجمع. ويجسد الزحف المليوني من مختلف أنحاء العالم نحو كربلاء تلك السمة في مظاهر متعددة ومختلفة ومراسم مميزة وشاقة. ترسم الزيارة لوحة رائدة في التحرر، تبدأ مع “المشاية” عبر السير على الأقدام باتجاه كربلاء من جهات ثلاث: طريق بغداد أو طريق النجف أو طريق مدينة بابل. تشارك في المراسم مختلف الفئات العمرية من الطفل الرضيع إلى الشيخ الكبير، كما يلتحق بالركب سقيم البدن وأعمى البصر. تعلو الرايات السود وتصدح المكبرات بالمجالس واللطميات، وتنتشر على جانب الطريق الأيمن مضايف واستراحات، فضلاً عن مستوصفات ومراكز طبية يشرف عليها أطباء وممرضون ومسعفون من دول العالم لتقديم الاسعافات الأولية والعلاجات الطبية وبعض المساجات. وتنتشر قوات الشرطة والحرس الوطني للقيام بالواجب الأمني. يستقبل الكرم الحسيني الزوار مع توسل أصحاب المواكب الزوار واللحاق بهم للاستضافة والإطعام والشراب وغسل الملابس ورش العطر وما يتفرع الى ما يتعلق بالنوم والاستحمام والنقل، وذلك كرمى للإمام الحسين وخدمة للمولى. وترافق الزوار على طول طريق المشاية “سفرة ابو علي” بمختلف الصنوف والألوان، وتلحق بهم هتافات “هلا بك يا زاير”، و”شاي ابو السجاد”، و”تدليك ومساج مجاني وتصليح احذية الزائرين ومسحها”، كل ذلك تباهيًّا وتفاخرًا بنيل رفعة وسمو أن يكونوا خدمة للإمام الحسين عليه السلام وزوار الإمام على حبه. دلالات الزيارة: تتنوع دلالات زيارة الأربعين بضخامة التراث الإنساني في الثورة الحسينية التي تحييها الزيارة الأربعينية من جهة، وبدرجة التفاعل مع القيم الإنسانية والمفاهيم الربانية فيها، من جهة أخرى. تبرز الدلالات في أبعاد الزيارة المعنوية الروحية والأخلاقية والثقافية والاقتصادية والإعلامية الاجتماعية والسياسية التي تستمدها من أبعاد القضية التي تتبناها روحيًّا وفكريًّا وثوريًّا. وهذه الدلالات تعمّ الزوار جميعًا، بيد أن هناك دلالات خاصة بالشعب العراقي لا بد من الإشارة إليها لأنها تشكّل بحد ذاتها معلمًا واضحًا في طريق الحسين إلى الله تعالى. تكشف المناسبة الأربعينية ميزة وفرادة لدى الشعب العراقي على المستوى الروحي والمعنوي تتجلى في مشاهد التعاون ومستوياتها السامية ما بين الهيئات الشعبية والرسمية لتقديم كافة الخدمات للزائرين، بل وأفضلها. كما يظهر العراقيون، أصحاب الأرض، بهذا الاستنفار الجماهيري والشعبي الكامل لكل الطاقات وبأعلى درجات العمل الطوعي، العمل المنظم بشكل دقيق ومتكامل والرغبة اللا محدودة والقدرة على رعاية هذه الحشود المليونية، وتكريس الجهود والتفرغ لخدمة ضيوف الإمام الحسين وزواره. إن الشعب العراقي يؤكد عبر إحياء زيارة الأربعين والعمل على إنجاحها والمساهمة في تشكيل كل لوحاتها، بل والتصدي واستلام المبادرة بمعزل عن الدور الرسمي، على أنه شعب عصي على التحديات بما فيها من ظروف قهر ومعاناة وإرهاب. يعزز الشعب العراقي خلال الزيارة عمق المشتركات بين أفراد المجتمع العراقي على تعدد مكوناته وإثنياته، ويقوي النسيج المجتمعي المتماسك في مواجهة مخططات التفرقة والفتنة التي عمل الاحتلال الأمريكي على تغذيتها وتنمية التطرف لنشر الإرهاب وتفتيت المجتمع العراقي. ويظهر الشعب العراقي أنه قادر على النهوض المرة تلو الأخرى رغم كل المعاناة الإنسانية والاقتصادية، وأنه يمتلك من القابليات في عمق وجدانه الحضاري ما يؤهله لتوظيف الزيارة كمرتكز أساس من مرتكزات النهوض الحضاري إذا ما توفرت الاستراتيجية المناسبة لوضع البلاد على مسار النهوض الحقيقي.