اياد الامارة
في زمن تتداخل فيه الأصوات وتكثر فيه الادعاءات، نرى البعض يرفع شعارات النزاهة والصدق والطهارة الأخلاقية، ويتحدث بلغة المثالية والتقوى، بل ويتصدر المشهد ناقداً للفساد وسلوك الفاسدين، حتى يُـخيّـل للناس أنهم منارات نور في ظلام هذا العالم المضطرب.
لكن الحقيقة المرة التي تتكشف لاحقًا تُـسقط القناع عن وجوههم، وتظهر ملامح نفوس مريضة، لا تختلف عن أولئك الذين طالما هاجموهم، وربما هم أكثر نفاقاً وخطورة.
يعاني هؤلاء الأشخاص من أزمات نفسية عميقة، بعضها قد يكون ناتجاً عن:
١- نقص مزمن في الثقة بالنفس.
٢- أو رغبة مرضية في لفت الأنظار وتعويض شعور دفين بالدونية.
فيظهرون بمظهر النزاهة والتقوى ليخفوا حقيقتهم الهشة، في محاولة للاحتماء بدرع الفضيلة المزيف، ويستخدمون خطاب الأخلاق كوسيلة لا كغاية، كسلعة رائجة تجلب لهم التعاطف والثقة والمكانة.
لكن الأيام لا تلبث أن تكشفهم ..
تسقط الأقنعة واحداً تلو الآخر، وتنكشف حيلهم الصغيرة التي تدور في فلك المال، والجاه، والشهرة ..
هم ليسوا فاسدين بالمعنى التقليدي للكلمة فحسب، بل هم
“لصوص صغار”
هكذا تماماً ..
يحاولون التسلق على أكتاف البسطاء، يستغلون العناوين الأخلاقية، ويمتطون شعارات النزاهة ليبرروا سعيهم الدؤوب خلف الامتيازات والمصالح الشخصية.
الخطورة في هؤلاء ليست فقط في فسادهم الصغير، بل في كونهم يلوثون معنى النزاهة، ويصيبون الناس بخيبة أمل قاتلة تجاه فكرة الصدق والشرف ..
حين يكذب مَـن ادعى الطهر، ويخون مَـن زعم الدفاع عن القيم، تتآكل ثقة المجتمع بمَـن حوله، وتُـقوّض أسس الإيمان بالقيم العليا.
ليس كل مَـن صرخ بوجه الفساد نزيهاً، وليس كل مَـن شتم اللصوص طاهر اليد.
بعضهم ببساطة ممثلون فاشلون في مسرحية متهالكة، ما إن تسلط عليهم أضواء الحقيقة حتى تتعرى وجوههم الحقيقية، فتنكشف حقارة دوافعهم، وتظهر سذاجة مَـن صدّقهم.
لذا، فلنُـحسن التمييز بين الصوت المرتفع والنية الصادقة، بين مَـن يملأ الدنيا صراخاً، ومَـن يعمل بصمت ..
النزاهة الحقيقية لا تحتاج إلى إعلان، وإنما تُـرى في المواقف، وتُـثبت في الامتحانات، وتتجلى عند تعارض المصلحة مع المبدأ.
وما أكثر الذين سقطوا في أول اختبار ..
لأنهم ببساطة لم يكونوا يوماً من النزاهة بشيء، بل كانوا ممثلين بارعين في دور لم يُـكتب لهم أن يستمر طويلاً.
٧ آب ٢٠٢٥