انور فرج الله
يشكّل مقال الدكتور علي المؤمن حول مشروع نزع سلاح الشيعة الذي نشره على جزءين في وسائل التواصل قراءة استشرافية عميقة لمستقبل الصراع في المنطقة، إذ يتجاوز توصيف الأحداث الظاهرة ليكشف عن الخلفيات الجيوسياسية لمخطط أمريكي ـ صهيوني ـ خليجي ـ تركي يستهدف تفكيك محور المقاومة وتجريد الشعوب الرافضة للهيمنة من أدوات الدفاع عن سيادتها ومقدساتها.
ويؤكد المؤمن أن تفكيك هذه القوى لا يعني مجرد تفكيك المقاومة، بل إعادة هندسة دول المنطقة بما يخدم أمن الكيان الصهيوني وفق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
يتضح من خلال المقال أن المشروع المعلن تحت شعار (حصر السلاح بيد الدولة) يختص بنزع السلاح الشيعي فقط !!
متجاهلاً أي سلاح آخر موالٍ للغرب أو حلفائه الإقليميين، ما يبرز الهدف الحقيقي: ترك القوة بيد الخارج وتجريد المقاومة من ذراعها الميدانية الفاعلة منذ عام 1979 وحتى اليوم.
وفي العراق، يترتب على هذا المشروع تفكيك الحشد الشعبي وترك الشيعة في مواجهة فصائل سنية مدعومة إقليمياً، وضغط البيشمركة على المناطق المتنازع عليها، إضافة إلى حصار سياسي واقتصادي أمريكي، ما يؤدي إلى تقسيم البلاد وعودة الاضطهاد الطائفي.
وفي لبنان، يسعى المخطط إلى إقامة تحالف مسيحي ـ سني مسلح لضرب حزب الله وحركة أمل بدعم إسرائيل والسعودية وأمريكا.
أما في اليمن، فالهدف القضاء على وجود أنصار الله وإسقاط حكومة صنعاء، بينما تُعد هذه الحروب تمهيداً للحرب الكبرى على إيران عبر الحصار والعقوبات وإضعاف برامجها الدفاعية وصولاً إلى القصف والاحتلال المباشر.
ويمتد المخطط إلى باكستان لتفكيك سلاحها النووي، وإلى مصر لإضعاف جيشها وتجريدها من أي قوة تهدد إسرائيل، بما يخدم حلم (الحزام الأمني الإسرائيلي) الممتد من المتوسط إلى الهند.
على الضفة المقابلة، يمتلك محور المقاومة منظومة ردع استراتيجية قادرة على مواجهة أي عدوان. ففتاوى الدفاع الكفائي التي يصدرها مراجع الشيعة تحوّل المجتمعات الشيعية إلى جيوش شعبية ضخمة كما حصل في العراق عام 2014، كما يمكن إغلاق مضيقي هرمز وباب المندب لتعطيل جزء كبير من حركة الاقتصاد العالمي، واستهداف الكيان الصهيوني خاصة تل أبيب لتدمير نصف بنيته التحتية، فضلاً عن قواعد أمريكية في المنطقة.
وتشمل الخيارات أيضاً تغيير العقيدة النووية الإيرانية نحو إنتاج السلاح النووي خلال أسابيع، وتأسيس قوات شعبية مليونية في العراق ولبنان لفرض واقع جديد والتوجه نحو دمشق لصد الجماعات الإرهابية، وبذلك، أي حرب على المقاومة لن تكون مجرد مواجهة محدودة، بل مواجهة إقليمية كبرى تمتد آثارها إلى عمق الأنظمة الخليجية وتحول منشآتها النفطية إلى أهداف مباشرة، مما قد يدفع قوى كبرى مثل روسيا والصين وباكستان للتدخل لحماية مصالحها.
ويخلص الدكتور المؤمن إلى أن المشروع الغربي قد يحقق بعض أهدافه جزئياً، لكنه لن ينجح في السيطرة الكاملة على المنطقة، فمحور المقاومة يمتلك قدرة تخطيط عالية وإرادة شعبية مستعدة للتضحية وأدوات ردع تجعل أي محاولة لإخضاعه مغامرة خاسرة. ويشير إلى أن المشهد الاستراتيجي أمام خيارين: إما استسلام شامل يعيد المنطقة إلى عهد الاحتلال والتقسيم، أو مقاومة شاملة تفرض توازن الردع وتجبر الخصوم على التراجع.
وتؤكد قراءة المؤمن أن حلم ( الشرق الأوسط الأمريكي) سيبقى وهماً استراتيجياً، لأن شعوب المنطقة أثبتت أنها لن تسمح بمشروع الهيمنة أو الإذلال، وأن القوة الميدانية تبقى الضمانة الوحيدة للاستقلال والسيادة.