مفهوم الانتقام في القرآن الكريم (انا من المجرمين منتقمون)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ” ﴿السجدة 22﴾ كأنه في مقام التعليل لما تقدم من عذابهم بالعذاب الأكبر بما أنهم مكذبون فعلله بأنهم ظالمون أشد الظلم بالاعراض عن الآيات بعد التذكرة فيكونون مجرمين والله منتقم منهم. فقوله: “وَمَنْ أَظْلَمُ” الخ تعليل لعذابهم بأنهم ظالمون أشد الظلم ثم قوله: “إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ” ﴿السجدة 22﴾، تعليل لعذاب الظالمين بأنهم مجرمون والعذاب انتقام منهم، والله منتقم من المجرمين.

تنفيذ الأنتقام يكون بإحداث الضرر والخسارة للأخر الذي يكون عدوا أو ظالما بالضرورة. و تنفيذ العقاب يكون بإحداث الألم والحرمان للأخر والذي لا يكون عدوا أو ظلما بالضرورة. يمكن مثلا للمعلم ان يعاقب التلميذ المشاغب في المدرسة من اجل تقويم سلوكه، لكن لا يمكنه الأنتقام من هذا التلميذ لأنه يسبب الازعاج للمعلم. كما لا يمكن للأم أن تنتقم من ابنها مثلا حتى لو ضربها أو أخطأ في حقيها أو كسّر أثاث البيت، لكنها يمكن أن تعاقبه تربويا لتقويم سلوكه، وأن تعاقبه أيضا كلما قام بالشغب أو إذا كرّر الخطأ اكثر من مرة أو إذا تهاون في تنفيذ واجباته المدرسية مثلا. اختصار يكون الأنتقام من الظالم والمعتدي فقط، بينما يكون العقاب في حق المخطئ حتى لو كان في مستوى الصديق والابن والاخ والتلميذ. كما يجب التمييز بين العقاب الاسري للطفل وبين العنف الاسري ضد الطفل. الأنتقام لغويا يعني إلحاق الضرر والأذى بشخص اخر أو مجموعة اشخاص كجزاء لهم على ظلمهم وعدوانهم وطغيانهم. قال تعالى عن قوم فرعون وقومه لما طغوا وظلموا وكذبوا بآيات الله: “فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ” (الأعراف 136). العقاب هو إحداث الألم الجسدي كالضرب، أو الألم النفسي كالتوبيخ والحرمان من الحرية، لردع المذنب عن تكرار الخطأ والسلوك المشين، والعقوبة هي واحدة من أقدم العمليات التي صنعها الأنسان لضبط المجتمع واصلاحه. من الصعب تخيل مجتمع لا يسمح بأي نوع من العقاب لمخالفي القانون. نقرأ في قاموس المعاني عن العقاب: العِقاب: جزاء فعل السُّوء، الجزاء بالشَّرِّ، عكسه الثَّواب، عذاب. عِقاب بدنيّ: جزاء بالضّرب أو بما يؤلم ويؤذي البدنَ.

جاء في دعاء الافتتاح (وأيقنت أنك ارحم الراحمين في موضع العفو والرحمة، وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة). يلاحظ من الآيات المباركة ان الله تعالى هو صاحب الأنتقام “إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ” ﴿السجدة 22﴾، و “وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ” ﴿آل عمران 4﴾، و “فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ (الأعراف 136)، و “إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ” ﴿إبراهيم 47﴾، و “فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ” (الحجر 79)، و ” فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ” ﴿المائدة 95﴾، و “وَمَا تَنقِمُ مِنَّا” (الأعراف 126)، و “إِنَّا مُنتَقِمُونَ” ﴿الدخان 16﴾، و”فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا” (الروم 47)

انتقام الله يحصل بعد تكرار او اعادة الذنب قال الامام علي عليه السلام: فكفى بالجنة ثوابا ونوالا. وكفى بالنار عقابا ووبالا. وكفى بالله منتقما ونصيرا. وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما. وجاء في محاضرة عن بلاءات ما قبل الظهور بين التحفيز والأنتقام للشيخ جلال الدين الصغير: حينما قال أن فرعون طغى، وصف الطغيان بعنوانه: تقتيل للنفس، إستحياء للنساء، قتل للأولاد، تعذيب للناس، بالشكل الذي أعرب عن وجود بلاء كبير على بني إسرائيل، لكن هذا البلاء الكبير، سرعان ما رأينا له طرفين متناقضين، طرف يتسم بالرحمة الألهية التي تنزلت على بني إسرائيل، فأخرجتهم من الجور والظلم الفرعوني الى عدالة موسى عليه السلام وخلصتهم من عذابات بني إسرائيل، لكن هناك طرف آخر أسمه تدمير فرعون وما يتعلق بالظاهرة الفرعونية. إذن محض البلاء لا يعرب بالضرورة عن النقمة، كما أنه لا يعرب عن الرحمة، والبلاء بطبيعته لا يقع اعتباطا ولا يأتي جزافا، وإنما يأتي بناءا على أسباب، وهذه الأسباب إن وفرها المجتمع سيحصل البلاء ولا شك، ولكن طبيعة هذا المجتمع، إن كان متعلقا بعملية الهداية الربانية، عندئذ سيشمل بالرحمة، وسيكون البلاء رغم مرارته ورغم كظته ورغم قسوته، لكنه سيكون من نمط بلاء الرحمة، وإن كان المجتمع قصر أو أساء أو أعتبر بعنوانه حجر عثرة أمام عملية الهداية الربانية، عند ذلك حينما يحل البلاء بسبب تعنته وعناده وجوره وظلمه، عن ذلك يأتي البلاء، بلاء نقمة وعذاب. وجود البلاء ليس تعبيراً عن نقمة الله سبحانه وتعالى ولا يمكن ان نصنفه بان الله غَضِبَ على قوم فانزل عليهم المحن والفتن والبلاء لأن غضب الله سبحانه وتعالى لا يدرك في صورة واحدة فكثير من الاحيان غضب الله يتمثل في اشاعة اليسر والسراء في مجتمع يريد ان يستدرجه الى ساحة مكر الله سبحانه وتعالى، كما ان الله سبحانه وتعالى له بلاء نقمة لكن مهما يكن بالنسبة للقواعد المنتظرة ما تبتلى وتمتحن به لا يمكن ان يوصف بعنوانه الغضب الالهي والا لقلنا ان الابتلاءات والمحن التي تعرض لها الأنبياء والرسول والائمة عليهم السلام هي من نمط بلاءات النقمة وهذا ما لا يمكن ان يكون، بل هي من بلاءات التي تتربى وتتعلم بها الامة.