التصوير الفني في القرآن (ح 1) (لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم)

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
جاء في كتاب التخييل الحسّي و التجسيم‏ في التصوير القرآني لسيد قطب: ويكون الوصف حسيّا بطبيعته، فيختار عن الوصف هيئة تجسّمه. كقوله: “يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ” (العنكبوت 55) في مكان: يأتيهم من كل جانب، أو يحيط بهم. لأن هيئة الغشيان من فوق ومن تحت أدخل في الحسية من الوصف بالإحاطة. ومثله: “إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ” (الأحزاب 10) و “وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ” (المائدة 66) ومن هذا النوع: “كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا” (يونس 27) فهذا السواد الذي أصاب وجوههم ليس لونا ولا صبغة، وإنما هو قطعة من الليل المظلم غشّيت بها وجوههم.

عن تفسير الميسر: قوله تعالى “وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ” (المائدة 66) أمة اسم، أمة مقتصدة: معتدلة. وهم من أسلم منهم. ولو أنَّهم عملوا بما في التوراة والإنجيل، وبما أُنْزِل عليك أيها الرسول – وهو القرآن الكريم – لرُزِقوا من كلِّ سبيلٍ، فأنزلنا عليهم المطر، وأنبتنا لهم الثمر، وهذا جزاء الدنيا. وإنَّ مِن أهل الكتاب فريقًا معتدلا ثابتًا على الحق، وكثير منهم ساء عملُه، وضل عن سواء السبيل. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى “وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ” (المائدة 66) “ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل” بالعمل بما فيهما ومنه الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم “وما أنزل إليهم” من الكتب “من ربِّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم” بأن يوسع عليهم الرزق ويفيض من كل جهة، “منهم أمَّة” جماعة “مقتصدة” تعمل به وهم من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سلام وأصحابه، “وكثير منهم ساء” بئس “ما” شيئا “يعملون” ـه.

عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ” (المائدة 66) قوله تعالى: “وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ” يعدهم منزلا إليهم، وغير معهود من كلامه تعالى أن يذكر أن القرآن نزل إليهم. فالظاهر أن المراد بما أنزل إليهم من ربهم بعد التوراة والإنجيل سائر الكتب وأقسام الوحي المنزلة على أنبياء بني إسرائيل كزبور داود وغيره، والمراد بإقامة هذه الكتب حفظ العمل العام بما فيها من شرائع الله تعالى، والاعتقاد بما بين الله تعالى فيها من معارف المبدأ والمعاد من غير أن يضرب عليها بحجب التحريف والكتمان والترك الصريح، فلو أقاموها هذه الإقامة لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم. وأما قوله تعالى: “لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ” فالمراد بالأكل التنعم مطلقا سواء كان بالأكل كما في مورد الأغذية أو بغيره كما في غيره، واستعمال الأكل في مطلق التصرف والتنعم من غير مزاحم شائع في اللغة. والمراد من فوقهم هو السماء، ومن تحت أرجلهم هو الأرض، فالجملة كناية عن تنعمهم بنعم السماء والأرض وإحاطة بركاتهما عليهم نظير ما وقع في قوله تعالى: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ” (الأعراف 96).

عن موقع مكتبة الروضة الحيدرية: بنائية الصورة القرآنية للكاتب عمار عبدالأمير راضي السلامي: وبناء على ذلك وجدت ان الصورة الفنية في القرآن الكريم كيان خاص يشبه من وجه مبنىً معيناً له مواده العامة وبناؤه المميز المعتمد على العلاقات والأواصر الرابطة بين الأجزاء لجعله مبنى له هيكلٌ قائمٌ واضح المعالم والسمات، يمتلك ما يميزه من الأساليب والتصاميم واللمسات الفنية المختلفة التي تجسد جماله وجاذبيته، وتساعده على تحقيق وظيفته على أكمل وجه. فكذلك الصورة الفنية في القرآن، لها موادها العامة المتمثلة باللغة وما تمتلك من تراكيب وقوانين، ولها طرق بناء مختلفة تنقسم في ضوئها على أنواع وأشكال، ولها وسائل إخراج، تعطي الصورة قوتها وتأثيرها، ودوام تشويقها، وتساعدها على تحقيق وظيفتها على أكمل وجه. ومن زاوية أخرى أيضاً، يمكن تشبيه بناء الصورة الفنية في القرآن وطرق إخراجها بعمل المخرج المبدع وهو يختار عناصر صوره، ويبني مشاهده ومونتاجه، ويستعمل وسائل إخراجه، ويوظف مختلف مؤثراته، لإخراج عمله الإبداعي كاملاً مؤثراً مشوِّقاً يَشُدّ المتلقي وينال إعجابه. ولهذا بُني المنهج على أربعة فصول تسبقها مقدمة وتتلوها خاتمة وقائمة بالكتب التي أفادت في كتابة هذا الكتاب. أتناول في الفصل الأول منها دلالة الصورة في اللغة والإصطلاح وما وضعه علماء العربية الأوائل في الموضوع. وما كان في الدرس الغربي لمصطلح الصورة ومن تأثر بهم من العرب المحدثين في آرائهم ومذاهبهم، للوصول الى مفهوم محدد للصورة، يتناسب مع طبيعة دراستي لبنائية الصورة في القرآن الكريم. وكذلك أجد من المناسب أن أتناول في هذا الفصل تطور دراسة الصورة القرآنية عند القدماء، معتمداً في ذلك على أشهر المصنفات في هذا المجال. وبالإعتماد على التسلسل الزمني لتلك الدراسات، لغرض معرفة ما أضافه المتأخر الى المتقدم في دراسة الصورة القرآنية، ثم ما وقع من تطور معاصر لدراسة الصورة القرآنية، وما أضافه المتأخرون اليها متأثرين بالمدارس النقدية الحديثة، لأصل الى آخر مرحلة وصلت اليها دراسة الصورة القرآنية، للإفادة منها والإطلاع عليها، والإنطلاق مما انتهت اليه في هذا المجال.

ويستطرد الكاتب عمار عبدالأمير راضي السلامي عن ملخص كتابه قائلا: أما الفصل الثاني، فقد خصص لتناول عناصر بناء الصورة الفنية، متمثلة باللغة والفكرة والوظيفة، حيث تمثل اللغة المواد العامة (الأولية) التي يقوم بها البناء، وكيف تَميَّز القرآن الكريم في إختيار ألفاظه وتراكيبه التصويرية، موظفاً كلاً من الدلالة والظلال والجرس في رسم الصورة الفنية، وكذلك سأدرس الفكرة أو الموضوع الذي تناولته الصورة الفنية في القرآن، تلك التي تناولت أغلب أفكاره وموضوعاته، وكذلك سأُعرِّج على الوظيفة والغرض الكامن من وراء استعمال تلك الصورة في السياق، وأوضِّحَ أبعادها وأُمثِّل لأنواعها، عقلية كانت أو نفسية أو فنية أو دينية. لأصل بعد ذلك الى الفصل الثالث، وأُفصِّل القول في طرائق بناء الصورة وأنواعها، وأقف عند أبرز تلك الطرائق، سواء أكانت طرائق بناء الصورة الجزئية أم طرائق بناء الصورة الكلية أم طرائق بناء الصورة المركبة، مع الاشارة إلى طرائق بناء الصورة العامة والصورة الشاملة، وما في ذلك كله من أنواع فرعية للصورة وطرائق بنائها. وبعد أن يُشيَّد البناء العام ويُصبح للصورة هيكلها المُميَّز، أصل الى المرحلة الأخيرة في البناء، وكيف يكسب البناء قوته وجماله وتأثيره. فأذكر في الفصل الرابع الوسائل والتقنيات المُتَّبعة في إخراج تلك الصورة إخراجاً فنياً مؤثراً، مُحَقِّقاً للوظيفة على أكمل وجه، باقياً متجدداً كلما تكررت مشاهدته أو نظرت اليه العين.

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ” (المائدة 66) الضمائر الواردة في هذه الآية تعود إلى أهل الكتاب وهي: (إليهم، من ربّهم، من فوقهم، ومن تحت أرجلهم) ومجمل القول هو أن الآية الأخيرة تؤكّد مرّة أخرى هذا المبدأ الأساسي القائل بأن اتباع التعاليم السماوية التي جاء بها الأنبياء، ليس لأعمار الحياة الآخرة التي تأتي بعد الموت فحسب، بل أنّ لها أيضا انعكاسات واسعة على الحياة الدنيوية المادية للإنسان، فهي تقوي الجماعات وتعزز صفوفها وتكثف طاقاتها، وتغدق عليها النعيم وتضاعف إمكانياتها وتضمن لها الحياة السعيدة المقترنة بالأمن والاستقرار. وجدير بالانتباه هنا أيضا إلى أن عبارتي “مِنْ فَوْقِهِمْ” و “مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ” (المائدة 66) الواردتان في الآية الأخيرة، معناهما أن نعم السماء والأرض ستغمر هؤلاء المؤمنين، ما يحتمل أن تكونا كناية عن النعم بصورة عامّة كما ورد في الآثار الأدبية العربية وغيرها قولهم: (إنّ فلانا غرق في النعمة من قمة رأسه حتى أخمص قدمه).

جاء في كتاب التفسیر الموضوعی و التفسیر التجزیئی فی القرآن الكریم للسيد محمد باقر الصدر: سنة من سنن التاریخ “وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْیَةً أَمَرْنا مُتْرَفِیها فَفَسَقُوا فِیها فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِیراً * وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَ كَفی بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِیراً بَصِیراً” (الإسراء 16-17). هذه الآیة أيضا تتحدث عن علاقة معينة بین ظلم یسود و ظلم یسیطر و بین هلاك تجر الى الامة جرا. و هذه العلاقة ایضا الآية تؤكد أنها علاقة مطلقة، علاقة مطردة علی مر التاریخ و هی سنة من سنن التاریخ. “وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِیلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَیْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ” (المائدة 66) “وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا یَكْسِبُونَ” (الأعراف 96). “وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَی الطَّرِیقَةِ لَأَسْقَیْناهُمْ ماءً غَدَقاً بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلی أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلی آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ” (الجن 16) وَ كَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِی قَرْیَةٍ مِنْ نَذِیرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلی أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلی آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ” (الزخرف 22).

جاء في بحث حول الرجعة لسماحة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: من إثبات روايات الرجعة:الحاجة إلى إيصال المجتمع الإسلامي إلى أفراده يعني المحاسبة في الدنيا قبل يوم القيامة. وهذا ما دل عليه القران الكريم بعدة أساليب منها الإشارة إلى نتائج الخير والطاعة للمجتمع على العموم وخاصة في النبؤات السابقة. كقوله تعالى: “لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ” (المائدة 66) وغير ذلك كثير.

وجاء في موقع هدى القرآن عن انحرافات بني إسرائيل للدكتور سعيد أيوب: وقوله: “لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم” (المائدة 66) المراد بالأكل التنعم مطلقا. والمراد من فوقهم هو السماء ومن تحت أرجلهم هو الأرض. والآية من الدليل على أن الإيمان والعمل الصالح له تأثير في صلاح النظام الكوني. من حيث ارتباطه بالنوع الإنساني. فلو صلح النوع الأنساني، صلح نظام الدنيا، من حيث إيفائه باللازم لحياة الأنسان السعيدة من اندفاع النقم ووفور النعم.