اسم الكاتب : كامل سلمان
سألني احدهم مالفرق بين عراق الامس وعراق اليوم ، أي عراق صدام حسين وعراق التنوع السياسي بعد ٢٠٠٣ م ، فأجبته ، من دولة بوليسية الى دولة المليشيات ، فقال أيهما افضل ؟ فأجبت ، لتصحيح السؤال أيهما الأسوأ . أصبحنا الآن نخشى التغيير مخافة أن يأتينا الأكثر سوءاً . لو كنا نعلم الغيب ونعلم بأن القادم سيكون تحت رحمة المليشيات لرضينا بالسيء ، كنا نقول سنرضى بالقادم مهما يكون سيئاً ، هذا هو طبع الجاهل عندما يعيش السوء يظن بأنه يعيش الأسوأ .. كنا نعيش في عصر الظلمات ، لم نكن نعرف هناك شيء أسوأ من الظلمات ، الآن تعلمنا وجود الأسوأ ، هذا نحن ، أما جيلنا القادم سيعود ليحتل نفس العقلية التي عشناها سابقاً ، لأننا لا نعرف كيف ننقل تجاربنا المريرة الى أبناءنا ، وهذا هو عيبنا في التأريخ ، كل جيل جديد يقلد الجيل القديم بالسوء ، لم أقرأ كتاباً واحداً في تأريخ العراق يتحدث عن كل شيء سيء في تأريخ العراق إلا ما يراه النظام القائم سيئاً قياساً بآيدلوجيته ، بل العكس نقرأ عن قادتنا وخلفاءنا والسلاطين والشيوخ بأنهم كانوا عظماء ، وتأريخنا كان جنة وجنان ، والقائد الفلاني صورة لامعة في التأريخ ، ليس لأنه قدم شيء لشعبه أبان حكمه ولكن لقدرته على قتل شعبه واخضاعهم له ، التأريخ يكذب علينا ونحن نتمتع بالكذب . لو كان تأريخنا كله مشرق كما يدعون ، لأصبحنا الآن رمزاً للبشرية ، ولأصبحت الجموع البشرية من أنحاء الارض تطلب اللجوء الإنساني والسياسي الينا ، ولأصبحت تلك الجموع البشرية تطلب العلم من جامعاتنا ومصانعنا ودوائرنا البحثية وليس العكس ، مدارسنا الدينية هي نفسها قبل مئات السنين ولم تتطور شعرة واحدة ونسميها بيوت العلم ، أي علم هذا الذي لم تتطور مناهجه طوال مئات السنين ، أخواني كلمة علم يعني شيء يتطور بأستمرار .
هذا الذي نراه في تأريخ العراق المعاصر ، التحول من الدولة البوليسية المستهترة الى الدولة المليشياوية الضائعة ، هذا هو مختصر صورة العراق عبر التأريخ من سيء الى أسوأ ، فأي فترة زمنية يمتدحها مدوني التأريخ لو تمعنا بها جيداً لوجدناها مستنقع للنفايات ، ولكن عميت عيون المدونين فظنوها جنة . لا يوجد شعب في العالم لا يمتلك تأريخ سيء ، الشيء السيء موجود في تأريخ جميع الشعوب والأمم ، لكن الفرق بيننا وبين الشعوب الاخرى ، أنهم عندما راجعوا التأريخ وأكتشفوا الحقائق السيئة صارحوا أنفسهم وصارحوا ابناءهم بأن ماضيهم وصمة عار ، فشدوا أحزمتهم لتغيير حياتهم فأفلحوا بعد أن وضعوا ماضيهم جانباً ، أما نحن فمازلنا نخدع انفسنا ونخدع ابناءنا ، بأننا خير أمة ، بأننا سادة البشرية ، بأننا الاجمل والارقى والاشجع والانبل ، وهذه الخدع هي التي اضرت بنا كثيراً .
اليوم وكما فعل السابقون بدأت مجاميع من المدونيين والمثقفين والمؤرخين يصورون لنا جمالية فترة الحكم البوليسي السابق لكي يستطيعون الطعن بالفترة الحالية بنفس السيناريو وكأننا لا نتعلم من التأريخ شيء أسمه التطور ، وكأن نفس الذين مجدوا التأريخ يستنسخون أنفسهم في مؤرخي اليوم ، وكأننا خشب مسندة لا تفقه معنى كشف الحقائق ، مساوىء هذا التمجيد للقديم سيظهر على الجيل القادم ، فهي إذاً دائرة مغلقة لا يمكننا الخروج منها . الافضل عندنا هو ما كان وليس ما يجب أن يكون . هذه الحقيقة تكشف لنا مدى تحجر عقول مثقفينا ومؤرخينا الذين أبت عقولهم التحرر من عقدة الماضي والتطلع نحو المستقبل لأن ثقافتهم بنيت على اساس خاطىء ولكن لا يشعرون .