اسم الكاتب : رياض سعد
تعتبر الانبار من اقدم المدن العراقية , فقد أنشأت المدينة عام 350 بعد الميلاد بيد الإمبراطور الساساني شابور الثاني , وكانت تقع ضمن محافظة أشورستان , و أحرقت المدينة بيد الإمبراطور الروماني يوليان في نيسان/أبريل 363 (ب. م) خلال غزوه الإمبراطورية الساسانية … ؛ وأصبحت المدينة ملجأ للعرب والمسيحين واليهود … ؛ وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن الأراميين هم أول من سماها (الأنبار).
والآراميون هم بدو رحالة اتوا من الجزيرة العربية (حاليا) واستقروا في بابل والأنبار وفي عهد نبوخذ نصر أختلط الآراميون والبابليون فأصبحوا شعبًا واحدًا ولم يعد التفريق بينهما ممكنا … ؛ وطبقاً للمصادر التاريخية العربية فأن قسم من سكانها هاجروا شمالاً ليؤسسوا مدينة الحضر جنوب الموصل … ؛ والراجح أن الأنبار كانت حليفة لمملكة بابل فاليهود الذين سباهم نبوخذ نصر من بيت المقدس كانوا قد حُبسوا في الأنبار وكانت الأنبار حينها عربية فقد كانت منزلا لملوك التبابعة وهم (عرب اليمن الأقحاح) ومن أبرز ملوك اليمن الذين سكنوا الأنبار (مالك بن فهم بن غنم بن دوس) و (جذيمة الأبرش) و (عمر بن عدي)… ؛ وبحسب آثار العهد البابلي فإن الأنبار كانت تسمى (مشيك) أو (مسكن).
وبعد ان تم فتح الحيرة عام 11 هجرية أنتظر المسلمون سنة كاملة حتى أذن لهم الخليفة أبو بكر الصديق بغزو الأنبار … ؛ و تقدم جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد فلما علم أهل الأنبار بزحف المسلمين حفروا خندقاً وتحصنوا بإسوار المدينة وقعدوا ينتظرون قدومهم … ؛ وجرت بين الطرفين معركة الأنبار عام 12هجرية الموافق 633 م والتي لم تسفر عن نصر حاسم لاحد الطرفين، فطلب اهلها الصلح فصالحهم خالد بن الوليد.
وتعتبر الأنبار أول عاصمة للدولة العباسية الاسلامية العربية العراقية فقد اتخذ أبو العباس السفاح في بادئ الأمر الكوفة نقطة انطلاقه للسيطرة على الدولة ثم اتخذ سنة 134 هـ الأنبار عاصمة له بعد أن سيطر على الحكم، وبنى فيها قصراً سماه (الهاشمية) فجعله مركز إدارة الدولة ؛ لذا تعدّ الأنبار أول عاصمة للدولة العباسية العراقية , وبقيت بعد وفاة السفاح عاصمة لأخيه المنصور حتى بنى مدينة بغداد (145 – 149) هـ … ؛ وأهل الأنبار أول من كتب بالعربية، ومن الأنبار انتشرت في الناس، وقال الأصمعي : ذكروا أن قريشاً سئلوا: من أين لكم الكتاب؟ قالوا: من أهل الحيرة … ؛ وقيل لأهل الحيرة: من أين لكم الكتاب؟ قالوا: من الأنبار. لكن من هي الأنبار ومن هم أهلها؟ أهي محافظة الأنبار المعروفة حاليًا أم غيرها؟
الأنبار التي نتحدث عنها هي تلك المدينة الأثرية المهجورة القريبة من ناحية الصقلاوية الحالية، والتابعة إلى قضاء الفلوجة أما أصل سكان الأنبار فهم المناذرة الذين نزحوا من اليمن إليها، وقد نزح قديما (أي قبل الميلاد) كثير من اليمنيين غالبيتهم مناذرة إلى العراق وكان بينهم مسيحيون ويهود وقد اتخذوا من الحيرة عاصمة لهم (قضاء أبو صخير التابع للنجف حاليا) … ؛ ومن أهم مدنهم في العراق الكوفة والنجف وعاقولا وعين التمر والنعمانية وأبلة والأنبار وهيت وعانة وبقة … ؛ وقد قطن المناذرة الأنبار لأنها صحراء ممتدة على طول نهر الفرات لذا فهي غنية بالزراعة وكان سبب هجرتهم هو البحث عن الماء والزراعة… ؛ و أطلق المناذرة عليها تسمية الأنبار وتعني (مخازن) فقد كانت مخازن كبيرة للتمر والحنطة والشعير ومواد غذائية أخرى… ؛ وعدّ الساسانيون الأنبار من أهم المدن في فترة الاحتلال الساساني للعراق ، لأنها ذات مركز حربي مهم لحماية العاصمة الساسانية : المدائن من هجمات الروم… ؛ وقد غيّر الساسانيون تسمية الأنبار إلى (فيروز سابور).(1)
وتذكر المصادر التاريخية أن سعد بن أبي وقاص قد بنى في الأنبار ثالث مسجد في العراق بعد الكوفة والبصرة … ؛ وقد اولى حاكم العراق العظيم الامام علي الانبار أهمية خاصة ؛ لموقعها الاستراتيجي ؛ اذ كانت ثغر العراق الحدودي والجبهة الامامية لصد العدوان الاموي الغاشم وقتذاك , ومن دلائل الاهتمام العلوي بهذه الارض العراقية ؛ خطبته التاريخية الشهيرة ؛ وتعتبر من روائع خطب الجهاد والكفاح والدفاع للإمام علي ، إثر واقعة كبرى هزّت الامة الاسلامية والعراقية في حينها، وآلمت الامام علي كثيراً ، وهي غزوة الانبار، وبدفع وحثّ من رأس التآمر وزعيم العصابات الاموية والاعرابية ، حاكم الشام معاوية بن أبي سفيان عدو العراق اللدود ، وتكتسب هذه الواقعة اهمية بالغة بالنسبة لنا في الوقت الحاضر، لما لها من اسقاطات على الواقع الذي نعيشه اليوم، ونحن نواجه الهجمة التكفيرية الشرسة على الأمة العراقية ، وعلى أرض الانبار بالتحديد ؛ وقد مكن الله للعراقيين العلويين الوطنيين الاصلاء ؛ النصر ودانت لهم رقاب الذباحة الارهابيين والاوغاد المجرمين وفلول المخابرات الدولية و شراذم البعث والصداميين ؛ وانتصروا بحول الله وقوته وطهروا الارض من موبقات الاشرار وجرائم القتلة الفجار ؛ وبعد كل هذه الدماء الزكية والتضحيات الجسيمة ؛ جاءوا المحتلون الامريكان بقضهم وقضيضهم , وعدتهم وعديدهم ؛ ليستقروا في الانبار , ويشرعوا في بناء القواعد العسكرية ذات التحركات والانشطة والفعاليات التخريبية والاهداف السياسية المشبوهة والمنكوسة … .
فما حصل في الانبار قبل نحو أربعة عشر قرناً من الزمن، هو أن غارة من جهة معسكر العدو الخارجي معاوية استهدفت الانبار في العراق، وكانت تحت راية «بني غامد» … ؛ و هذه الغارة «الارهابية»، تشرحها لنا الخطبة السابعة والعشرون من نهج البلاغة ، والتي تُعد من روائع خُطب الامام علي، لما تحمل من طابع سياسي واجتماعي وعقائدي، فضلاً عن البعد البلاغي الرائع، والعبارات المثيرة للمشاعر الانسانية والوطنية ؛ اذ يبتدئ الامام علي ، الخطبة بعصف ذهني عقائدي في مخاطبته أصحابه العراقيين المتواكلين والمترددين في خوض القتال تحت راية الجهاد الشرعية ؛ قائلا : «أما بعدُ، فان الجهاد بابٌ من أبواب الجنة فتحه الله لخاصّة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذلّ وشمله البلاء، و دُيّث بالصغار، والقماءة، وضرب على قلبه بالإشهاب وأديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف ومُنع النصف، ألا وإني دعوتكم الى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، سراً وإعلاناً، وقلت لكم : «اغزوهم قبل أن يغزوكم، فو الله ما غُزي قومٌ في عقر دارهم إلا ذَلّوا» ، فتواكلتم، وتخاذلتم، حتى شُنّت عليكم الغارات، ومُلكت عليكم الأوطان، فهذا أخو غامد، قد وردت خيله الأنبار، وقد قتل حسّان بن حسّان البكري، وأزال خيلكم عن مسالحها، ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها وقُلبها وقلائدها و رُعثها»، ثم يتفاعل الإمام علي مع الحادثة وهو يعبّر عن ألمه، مُصدراً حكماً بالقول : «… فلو أن امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً »! .
ويردّ الامام علي ؛ على تشكيك قريش ومعاوية بشخصيته السياسية ، عازياً ذلك الى إفساد رأيه بسبب العصيان والخذلان، قائلاً : «وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش : «إن ابن أبي طالب رجل شجاعٌ ولكن لا علم له بالحرب»، لله أبوهم! وهل أحدٌ منهم أشدّ لها مراساً وأقدم فيها مقاماً منّي، لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا ذا قد ذرّفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يُطاع » … ؛ و يذكر صاحب «الكامل في التاريخ» أنه « انتهى الى علي، ان خيلاً لمعاوية وردت الانبار فقتلوا عاملاً له يقال له حسان بن حسان، فخرج مغضباً يجرّ ثوبه حتى أتى النخيلة ، واتبعه الناس، فرقى ربوة من الارض، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه، ثم قال : «أما بعد فإن الجهاد….»، وكانت هذه مناسبة إلقاء هذه الخطبة الصاعقة للإمام علي، في ذلك الموقف، وفي تلك الواقعة التاريخية… ؛ ويصف «ابن أبي الحديد المعتزلي» صاحب شرح نهج البلاغة، تلك الغارة، بأنها كانت كبيرة، وقد نقل عن كتاب «الغارات»، كلامٌ عن صاحب الغارة، بما يمثل في اصطلاح اليوم، اعترافات خطيرة عن أكبر جرائم الحرب آنذاك… ؛ والتي تمثل نقطة بداية الحروب التكفيرية التي نشهدها اليوم وهي شبيهة بجرائم الاحتلال الامريكي الغاشم ايضا وجرائم الصهاينة … ، فيقول : «انه قال : – سفيان الغامدي- دعاني معاوية وقال: إني باعثك في جيش كثيف ذي أداة وجلاد، فالزم لي جانب الفرات حتى تمرّ بـ «هيت» فتقطعها، فإن وجدت بها جنداً فامض حتى توغل المدائن، ثم أقبل إليّ، واتقّ أن تقرب الكوفة، واعلم انك إن أغرت على أهل الانبار، واهل المدائن فكأنك أغرت على الكوفة، إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق، ترعب قلوبهم، وتفرح كل من له فينا هوىً منهم، وتدعو إلينا كل من خاف الدوائر – المصائب والشدائد- فاقتل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك، وأخرب كل ما مررت به من القرى وأحرب – اسرق- الاموال، فإن حرب الاموال شبيه بالقتل وهو أوجع للقلب…» .
ولقد استنهض الامام علي ، في هذه الخطبة الهمم العالية للرجال ، وترغيبهم للقتال، وإثارة الحماسة في قلوب الناس ، من قبل ان يستفحل الأمر، وينقادوا لسيطرة العدو الغاشم ، كما خاطب الوجدان بقوله : «إني دعوتكم الى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً…»، ليثير فيهم روح الهمّة والتوثب لمواجهة روح الخذلان الذي يحاول العدو الاموي زرعه في جسم الامة الاسلامية والعراقية وقتذاك .
كما حرّك المشاعر وإثار الاحاسيس لدى المخاطبين عن طريق إثارة حب الوطن، حيث قال: «ومُلكت عليكم الاوطان»، فاحتلال الوطن من قبل الاعداء يثير الغضب عند الجمهور، حتى يصل بهم الحال الى الأخذ بالثأر من المعتدين الخارجيين والاعداء المخربين ، و قد نسب للنبي محمد قول يشبه ما نطق به الامام علي ؛ اذ قال : «حب الوطن من الإيمان» … ؛ وكذلك أثار مسألة «العرض» وهو وترٌ حساس لدى الانسان (الرجل) ، لذا نلاحظ تدرجه، في إثارة هذا الجانب الانساني والنفسي ، فانه ابتدأ بذكر المرأة المسلمة ثم المعاهدة، تم تدرج في كلامه من سلب الحجل – الخلخال- في الاقدام، وصعوده الى السوار في المعاصم، والى القلادة في الجيد، وأخيراً الى القرط في الأذن… ؛ فمع هذا التصاعد يتصاعد لهيب الحماسة والغيرة، وتثار الحمية في النفوس، وتشحنها قوة وعزيمة لمواجهة العدو، لمعرفة الامام علي ، ما للمسلم والعربي والعراقي الغيور من بذل ماله ونفسه للحفاظ على سمعة المرأة وشرف الفتاة.
كما نراه، يعنف هؤلاء القوم على القعود دون نصرة المرأة التي استباحها العدو حماها، ثم انصرفوا آمنين من دون مقاومة وردع ، كما أثار الشعور الديني، حيث يقول : «فيا عجباً عجباًّ! عجباً- والله- يُميت القلب، ويجلب الهمّ، من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم! فقبحاً لكم وترحا، حين صرتم غرضاً يُرمى، يُغار عليكم ولا تُغيرون، وتُغزون ولا تَغزون، ويُعصى الله وترضون…» .(2)
كان لهذه الخطبة الجهادية الصاعقة، وقعٌ كبير في كيان الامة، ولدى اصحابه الشجعان واتباعه الاحرار : أمثال حجر بن عدي الكندي، فسار، وسارت معه كتائب عراقية عديدة صوب الاعداء، وأعادوا الحياة الى الانبار بعد هروب المجرم سفيان الغامدي وزبانيته الارهابيين … ؛ و تكشف لنا هذه الواقعة التاريخية، مدى انحطاط الفكر الأموي آنذاك، و «الداعشي» اليوم ، الذي يبيح من أجل السلطة والبقاء، كل عمل وجريمة، من قتل وترويع وسرقة والفتك بكل من يُشك في ولائه للامام علي ، وعدائه لمعاوية … ؛ وهذا تحديداً ما نلاحظه في منهج حزب البعث الاجرامي ومن بعده تنظيم «داعش» الارهابي , والاحتلال الامريكي في الوقت الحاضر، فهو يطبق المنهج الأموي الغاشم بحذافيره ، منذ اجتياحه الاراضي العراقية ، واستباحته المدن الآمنة , ونهبه للثروات الوطنية ، وقتله لأبناء الامة العراقية بحجة كونهم من فصائل المقاومة الاسلامية او الحشد الشعبي ؛ ومعارضته لكل مشاريع التنمية والاعمار وتدخله السلبي السافر في الشؤون الداخلية واستهتاره بهتك السيادة الوطنية والكرامة العراقية … الخ .
وعلى طريقة ردة الفعل الإسرائيلية الوحشية والمبالغ فيها والتي لا تتناسب مع الفعل الفلسطيني ؛ نعم لكل فعل ردة فعل ؛ الا انه يجب ان يكون مساويا له بالقوة والنتيجة ؛ فمن غير المعقول والمنطقي ان تكون ردة الفعل اقسى واقوى وافظع وافتك من الفعل نفسه بعشرات او مئات المرات … ؛ فكلنا نعرف ان القوانين شرعت لكل جريمة عقوبة , ولكن بشرط ان تتناسب العقوبة مع الجريمة المرتكبة ؛ لذا يعد مبدأ تناسب العقوبة مع الجريمة من أهم المبادئ الجزائية، لضمان تحقيق العقوبة غايتها في الردع الخاص والعام، وفرض العدالة، وإصلاح وتأهيل المجرم… ؛ فمن الاجرام والظلم ان تحكم على طفل سرق قطعة من الخبز بالإعدام شنقا حتى الموت ؛ وكذلك من الارهاب والقسوة والوحشية والاجرام ان تعاقب شعب كامل بجريرة قيام هذا الفصيل المسلح او ذاك ببعض العمليات العسكرية هنا او هناك … ؛ الامريكان ( وعلى كولت اهلنه : ال راد الله وال ما راد ) يريدون افتعال الازمات وخلق الحروب والمواجهات بشتى الطرق والحيل والاعذار ؛ يعني ( كما يقول المثل العراقي الشعبي : يا بالي بليتك ) فها هم يدعمون الكيان الصهيوني ؛ وينشؤون القواعد العسكرية في بلادنا ؛ ويطلبون منا عدم المقاومة , وفي حال تعرضت قواعدهم العسكرية للاعتداءات البسيطة من هذا الفصيل المسلح او تلك الجماعة ؛ فأنهم يهددون بالرد وعلى الطريقة الإسرائيلية التي نحرق الاخضر واليابس وتأخذ المواطن الاعزل بجريرة المقاوم المسلح وهكذا تخلط الولايات الامريكية الاوراق وتعاقب الشعوب والدول على طريقة العقاب القاسي الروماني الجماعي .
وها هي امريكا وعملاءها وذيولها من الخونة والمرتزقة والاقلام المسمومة يحاولون جس نبض ابناء الامة العراقية ؛ من خلال اشاعة قضية منكوسة وخبيثة بين اوساط العالم والعرب والعراقيين الا وهي : ( تسكين الفلسطينيين في الانبار ) .
وقد عرضت قناة “روسيا اليوم” الفضائية – قبل بضعة سنين – تقريرًا يكشف عن وجود مخططات أمريكية تسعى لإيجاد وطن بديل لملايين اللاجئين الفلسطينيين، في صحراء الأنبار العراقية… ؛ وجاء في تقرير القناة الذي أعده مراسلها في بغداد، أن استمرار الوجود الأمريكي غرب العراق يهدف بحسب مراقبين إلى تنفيذ مخططات تتعدى إنشاء قواعد عسكرية، وذلك وسط الحديث عن رغبة بإنشاء وطن بديل للاجئين الفلسطينيين في صحراء الأنبار ضمن خطط ما تسمى بـ”صفقة القرن”… ؛ و”صفقة القرن” هي خطة تسوية تعمل عليها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب السابقة ، لمعالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، عبر إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات، بما فيها وضع مدينة القدس واللاجئين الفلسطينيين، تمهيدًا لقيام تحالف إقليمي تشارك فيه دول عربية و(إسرائيل)، لمواجهة الرافضين لسياسات واشنطن وتل أبيب… ؛ ونقل التقرير عن المحلل السياسي العراقي عباس العرداوي قوله : بأن جزء كبير من معطيات “صفقة القرن”، يراد من ورائها توطين فلسطينيي الشتات واستخدام صحراء الأنبار شاسعة المساحة لتحقيق هذا الهدف… ؛ وأضاف العرداوي : أن الولايات المتحدة تحاول بسط نفوذها بالمنطقة وجعل منطقة الأنبار مستقرًا لثلاثة ملايين فلسطيني “مشرد”، حيث تعمل على ربط تلك الأراضي بأراضي متعلقة بالجانبين السوري والأردني كذلك… ؛ ويشير المراقبون، بحسب ما ورد في التقرير، إلى أن “صفقة القرن” تتضمن توزيع أعداد من الفلسطينيين على بعض الدول التي قد يكون منها العراق، وهذا المشروع ربما يندرج في إطار خطط طويلة الأمد … ؛ وتضمن التقرير مقابلة مع المحلل السياسي العراقي، حسين الكناني، أكد خلالها أن هناك عدة مناطق مرشحة لتوطين الفلسطينيين من ضمنها صحراء الأنبار في المنطقة التي تفصل بين العراق وسوريا والأردن، وبعض المناطق في سيناء المصرية… ؛ وأشار الكناني إلى أن هناك عدة اطروحات تحاول إسرائيل بالتعاون مع بعض الحكام العرب تطبيقها وقتل القضية الفلسطينية والى الابد … .
ولعل التحركات الامريكية الاخيرة في سوريا , وزيادة عدد قواتها في العراق والمنطقة , وسيناريو غزة ؛ يكشف عن الغاية الحقيقية من كل هذه الاحداث والتحركات والاعتداءات والمسرحيات السياسية الخبيثة والمكشوفة .
وقد رفض السيد مقتدى الصدر بقوة تهجير الفلسطينيين إلى محافظة الأنبار غربي العراق فيما أكد رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي : أن شعب محافظته الانبار لن يسمح بتنفيذ أجندات مشبوهة ومرفوضة والعبث بأمنها… ؛ مضيفاً : “الأنبار ستبقى بوابة العراق الغربية وحصنه الحصين”… ؛ وأشار الى أن “شعبها الأمين لن يسمح أن تكون دياره مسرحًا لتنفيذ الأجندات المشبوهة والمرفوضة لمن يحاول العبث بأمنها، والأخرى التي تستهدف آمال شعبنا العربي الفلسطيني بإقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف”.
وقال السيد مقتدى الصدر في بيان : خسئ كل من قال أو أقر بتهجير الشعب الفلسطيني إلى سيناء أو الأنبار أو النقب أو إلى غير ذلك مطلقا بل كل من يتماشى مع هذه الفكرة الخبيثة الإرهابية فإنه يؤيد من حيث يعلم أو لا يعلم تمدد وتوسع الكيان الصهيوني الإرهابي الغاشم … ؛ وأضاف الصدر أن «صدور هذه الفكرة من بنيامين النتن أو من العجوز الخرف، أو من ذيولهم في الشرق الأوسط، يعني توسعة الحرب وتدويلها»، مشدداً على أنه «لا أميركا الشاذة، ولا الكيان الصهيوني النزق، أوصياء على سيناء أو الأنبار أو النقب». .
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قد جدد موقف العراق الثابت من القضية الفلسطينية، وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على أرضهم المحتلة وعاصمتها القدس الشريف.
وبعد إشارتي رفض من زعيم التيار الصدري ورئيس البرلمان لخطة التوطين ونقل سكان قطاع غزة إلى صحراء الأنبار في غرب العراق، أكد مسؤول حكومي في بغداد أن أطراف النزاع والوسطاء الإقليميين لم يطرحوا الفكرة على العراقيين، فيما قال مستشار سياسي عراقي إن «اسم المدينة استخدم لأغراض سياسية محلية، لا صلة لها بالأزمة الفلسطينية».
وبحسب مسؤول حكومي عراقي، فإن المؤسسات الحكومية لم تتلقَّ أي طلب أو مقترح بشأن اختيار الأنبار لتكون مكاناً مؤقتاً لسكان غزة خلال الحرب، كما أنها «الحوارات الدبلوماسية التي شارك فيها المسؤولون العراقيون في بغداد وفي جدة لم تشهد حديثاً من هذا النوع».
واني احذر العراقيين من هذه العبارات الخبيثة ( مكانا مؤقتا لسكان غزة ) هذه العبارات مسمومة يراد منها تخدير الجماهير والضحك على الذقون وقد اقنعوا بها اهالي فلسطين سابقا واخرجوهم من ديارهم بحجة اللجوء المؤقت ومضت العقود والاعوام ولم يرجعوا الى ديارهم ؛ لا يوجد تسكين مؤقت انما المخطط توطين مبيت .
وقد صرح القيادي بتحالف الانبار الموحد ؛ طه عبد الغني : نواة مشروع توطين الفلسطينيين في الانبار , بدأت منذ سنوات , والاعلان عن اقليم الانبار سيسبق مشروع التطبيع .
ونقلت وكالة ” عراق هافبوست” عن مراقبين سياسيين قولهم ان مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق مع قرار اسرائيل، و الترحيل الاجباري لأكثر من مليون فلسطيني من شمال غزة الى جنوبها، لم يعد خيالا أو ترهات وقد يكون خيارا استراتيجيا تتباه الدول الكبرى ويُفرض على العراق، خاصة بعد ان اشار رئيس الوزراء الاسرائيلي في خطاب له : ان المنطقة سوف تشهد انقلابا جذريا في الأوضاع.
وقالت مصادر سياسية في الاردن ان ملكها عبد الله قد حذر من ترحيل الفلسطينيين من غزة، كما ان الرئيس المصري اعرب عن رفضه، وهي اشارات واضحة الى مشروع الترحيل الى الدول المجاورة، مشيرة الى ان العراق هو المكان الانسب لإسكان نحو مليون ونصف مليون فلسطيني في منطقة غرب العراق لتحقيق توازن طائفي – عدديا – للسنة مع الشيعة في العراق.
وحددت المصادر، موقع توطين اللاجئين، بالقرب من مطار الانبار الدولي منوهة الى ان مشروع التوطين في العراق قد يكون قريبا جدا، لكنه سيكون صعبًا ومكلفًا، وسوف تتبنى الدول الكبرى تمويله… ؛ وان العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تؤيد توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق الذي سيحصل على مساعدات مالية كبيرة اذا وافق على ذلك .
وقال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست إن إسرائيل تمارس “تطهيرا عرقيا” بحق الشعب الفلسطيني، ضمن “حرب ديموجرافية” تستهدف “بناء دولة فصل عنصري” لا يكون فيها اليهود “أصحاب السيادة” أقلية، مستدلا بمساعٍ لتهجير فلسطينيين إلى الأنبار بالعراق وسيناء في مصر… ؛ و اضاف هيرست ، في مقال بموقع “ميدل إيست آي” البريطاني (MEE) ترجمه “الخليج الجديد”، أنه “قبل عام، كان ثلاثة سياسيين عراقيين سنَّة من محافظة الأنبار يقيمون في أحد الفنادق الفخمة العديدة في البحر الميت (إسرائيل) ويتردد عليهم مسؤولون إسرائيليون”… ؛ وتابع: “لم يكن الموضوع فلسطين بل الأنبار، أكبر محافظات العراق وأكثرها كثافة سكانية. وذكّر المضيفون ضيوفهم العراقيين بأن محافظتهم أقل بقليل من ثلث مساحة العراق، وبها احتياطيات ضخمة من المياه غير المستغلة”.
وأردف: “توقع الإسرائيليون أن تصبح (الأنبار) سلة الغذاء للشرق الأوسط … ؛ وكان لديها احتياطيات من النفط والغاز لاستغلالها، كما يمكنهم مساعدة الأنبار في استخراج الاحتياطيات المعدنية… ؛ لكن الشيء الوحيد الناقص في الأنبار هو العدد الكافي من الناس لإدارة مثل هذه النهضة”.
“ثم طرح الإسرائيليون السؤال الذي كان يدور حوله الاجتماع : ماذا لو عرضنا عليكم 2.3 مليون فلسطيني ؟ وهم أيضا من السنَّة… ؛ الفلسطينيون يعملون بجد، ولديهم نفس الثقافة مثلكم، ووجود المزيد من السنة في الأنبار يمكن أن يساعد في ترجيح كفة السنَّة مقابل الشيعة”، كما زاد هيرست وأضاف : “العراقيون عرضوا طرح الاقتراح على رئيس وزرائهم.. وربما بالغوا أمام الإسرائيليين في قدرتهم على إقناع النخبة السياسية العراقية”.
و الله ثم والله لم ولن نسمح باحتلال الانبار وتسكين غير العراقيين فيها ؛ أيا كانوا , فقد عانى ولا زال العراق يعاني من ابناء الفئة الهجينة والغرباء والدخلاء واصحاب الولاءات الخارجية , ولسنا بحاجة للمزيد من توطين الغرباء في ارضنا العراقية ؛ ويعد هذا المخطط الصهيوني الامريكي البريطاني الخبيث تهديدا للأمن الوطني وتفكيكا للنسيج الاجتماعي وتغييرا ديموغرافيا طائفيا خبيثا , بالإضافة الى انه يهدف الى الغاء فلسطين وانهاء وجود الفلسطينيين فيها والسماح لإسرائيل بالتمدد والتوسع على حساب دول وشعوب المنطقة … ؛ وكل ابناء الامة العراقية الغيارى سيقفون بالمرصاد لهذا المشروع الاستعماري الخبيث .
ومن اوضح ابجديات علم الاجتماع ؛ ان ابناء الجماعات التي تعاني من التهميش والحصار والفقر والاهمال والجهل والتعصب والتطرف والضياع والتشرذم ؛ اذا اجبروا وبالقوة على ترك ديارهم الحقيقية واراضيهم التاريخية ؛ وأخذوا قسرا للسكن في بلاد مضطربة وتعاني من مئات المشاكل والازمات المزمنة بما فيها مشاكل التنافر الاجتماعي وعدم الانسجام والتأقلم والصراعات الطائفية والعنصرية والقومية … ؛- اذ لا زال العراق يكتوي بنيران ابناء الفئة الهجينة والغرباء والدخلاء الذين دمروا البلاد وسرقوا ثرواتها واهلكوا المواطنين الاصلاء قتلا وذبحا وتفجيرا … – ؛ ستزيد هجرتهم الطين بلة والنار سعيرا والوضع سوءا … ؛ اذ تنشى خلطة هجينة نشاز ؛ وتكون اشبه ب مخلوق فرانكشتاين من اجزاء غير متجانسة ؛ وعليه سوف ينتج عن هذه الجريمة الخبيثة وهذا التوطين المشبوه المزيد من التطرف والارهاب والازمات والفواجع والانتكاسات والمشاكل الكارثية .
ومن الواضح ان سيناء كانت محتلة من الصهاينة ؛ وهي الاقرب لفلسطين , وتربط اهالي فلسطين بالمصريين روابط كثيرة , وكذلك بالأردن والاردنيين ؛ فأن كان ولابد من تهجير الفلسطينيين والتآمر عليهم ؛ فهذا شأن الدول والحكومات العربية العميلة والمنبطحة ولا شأن لنا بما فعلوه سابقا تجاه فلسطين والفلسطينيين ؛ والاردن وسيناء اقرب لهم ؛ ان ارادوا ذلك , واما نحن العراقيون فوضعنا مختلف تماما ولا يتحمل المزيد من الازمات والتغييرات السلبية … .
وعلى الرغم من احتياج مصر للأموال والدعم الدولي اكثر منا فنحن والحمد لله ثرواتنا تكفينا , ولا نحتاج رشاوى دولية من اجل التنازل عن الانبار , وهي اقرب لفلسطين وصحراء سيناء كبيرة وتكفي اللاجئين , ورأينا كيف تنازل السيسي عن بعض الجزر المصرية للسعودية مقابل الاموال والدعم الاقتصادي , ومع كل ذلك عندما وصل الامر الى تسكين الفلسطينيين في سيناء ؛ هب الاعلام المصري وبكافة وسائله وانتفض الشعب المصري كله ضد هذا المقترح ورفضوه جملة وتفصيلا ؛ وصرح السيسي بأن سيناء للمصريين فقط ؛ اذ قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي : إن بلاده ترفض “تصفية” القضية الفلسطينية، و”تهجير” فلسطينيي قطاع غزة إلى سيناء، مشيرا إلى أن تهجير الفلسطينيين من غزة لمصر، سيتبعه تهجيرهم -أيضا- من الضفة الغربية إلى الأردن… ؛ وأضاف السيسي -خلال لقاء مع المستشار الألماني أولاف شولتز في القاهرة-، أن “ما يحدث في غزة الآن ليس عملا ضد حماس، وإنما محاولة لدفع المدنيين إلى اللجوء والهجرة إلى مصر”، مؤكدا أن تصفية القضية الفلسطينية أمر “في غاية الخطورة”… ؛ وأكد أن ملايين المصريين مستعدون للمظاهرات، رفضا لفكرة تهجير الفلسطينيين من غزة.
وأكد الخبير العسكري والاستراتيجي المصري اللواء سمير فرج رفض مصر حكومة وشعبا لأي مخطط إسرائيلي يستهدف تهجير سكان قطاع غزة إلى شبه جزيرة سينا، منوها بموقف مصر الثابت الداعم لقضية الشعب الفلسطيني المتمسك بحقه وأرضه… ؛ وقال فرج : “إنها ليست المرة الأولى التي يثار فيها هذا الموضوع، فقد أثير من قبل وبالذات في عهد الرئيس السابق محمد مرسي (…) وأشارت وسائل إعلام حينها إلى اتفاق أميركي إسرائيلي لتفريق أهالي غزة، لأن أهالي غزة قنبلة موقوتة للإدارة الإسرائيلية، وبعد رحيل مرسي تم رفض هذا الأمر شعبيا ورسميا ومن قبل القوات المسلحة، وكلنا نرفض أن يتم تفريغ غزة من الشعب الفلسطيني إلى داخل سيناء”
وكذلك رفض ملك الاردن بشكل قاطع لأي سيناريو يستهدف تهجير الفلسطينيين … ؛ ولماذا لا تستقبلهم السعودية وهي اكبر من العراق بعدة مرات , واغنى منه , وتوجد فيها صحاري كثيرة ولها علاقات طيبة مع امريكا واسرائيل وهم واهل فلسطين على نفس المذهب والطائفة ؟
وفي الختام : ادعو ابناء الامام علي والامام ( ابو حنيفة ) النعمان – صاحب الاهواء العلوية – وكل غيارى واحرار الامة العراقية ولاسيما الاغلبية العلوية الاصيلة ؛ الى ما يلي :
- يجب الضغط على الحكومة العراقية والقيادات السياسية لمصارحتنا علنا بما يجري خلف الكواليس .
- يجب متابعة وملاحقة الخونة والعملاء الذين تربطهم بإسرائيل وامريكا علاقات تهدف لتحقيق هذا المخطط الخبيث ؛ ولاسيما ساسة وزعماء الانبار المتواطئين مع الاعداء والاجانب .
- لابد من رصد التحركات الاسرائيلية في العراق ولاسيما في محافظات شمال العراق ؛ والتنسيق مع القوى الاقليمية المعادية للوجود الاسرائيلي في العراق ؛ من اجل تدمير مقراتهم ومراكزهم والقاء القبض على عملاءهم ومرتزقتهم .
- على الاعلاميين والكتاب الاحرار والشخصيات الوطنية ؛ توعية الجماهير العراقية ولاسيما اهالي الانبار بخطورة هذه الخطة الخبيثة ( توطين الفلسطينيين في الانبار ) , والعمل الدؤوب لإفشالها واحباطها , وبيان اخطارها واضرارها على العراق والامة العراقية .
- لابد للمرجعيات الدينية والقادة والشخصيات السياسية الوطنية من تسليط الاضواء على هذا المخطط الخبيث , والعمل على درء خطره عن الوطن ؛ بل والتنسيق مع القوى الاقليمية والدولية لإبعاد شبح هذا المخطط عن العراق .
- يجب تنظيم المسيرات الجماهيرية والتظاهرات الشعبية ودفع المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي العراقية ؛ لرفض هذا المخطط الاستعماري .
- على حكومتنا العراقية وقواتنا المسلحة العمل الجاد من اجل اخراج القوات الامريكية من الانبار , وكذلك يجب على الحشد الشعبي وفصائل المقاومة العراقية من مسك الارض في الانبار ومراقبة تحركات الامريكان عن كثب , والاستعداد لأي طارئ يستهدف الانبار او يمهد لهذه الخطة الخبيثة .
…………………………
- الأنبار العباسية ليست الرمادي / عمر الحياني .
- الإمام علي، عليه السلام، في الأنبار لمواجهة الارهاب الأموي / الشيخ عبد الحسن الفراتي / بتصرف .