السالك الذي أضناه الوضوح

رياض سعد

السالك الذي أضناه الوضوح

لم يخرج إلى الطريق ليصل،

بل خرج لأن النداء كان أسبق منه إلى قدميه...

ولم يكن يبحث عن نورٍ ليهتدي … ؛ فالنور كان حمله الذي يتعبه لا دليله...

كان كلما اقترب من الناس … ؛  ابتعد عنهم … ؛ وكلما اقترب من الحق … ؛  ازداد في أعينهم غربة وبعدا …

رأوا عليه أثرًا لا يشبههم … ؛  فقالوا: فيه مسّ … ؛ ولم يعلموا أن المسّ كان من الفيض...

سار بينهم مكسورًا من شدّة الامتلاء … ؛ عطشانًا من فرط الغِنى …

يحمل قلبًا إذا امتلأ بالذكر … ؛ فاض على الجوارح حيرةً وصمتًا...

كلما انكشف له شيء … ؛ ضاق به العالم...

وكلما اتّسعت رؤيته … ؛ ضاق صدر الخلق به...

فهرب إلى الغيب والمجهول … ؛ لا فرار الضعيف … ؛ بل ستر العارف حين يثقل حضوره على البصر...

أخفى اسمه … ؛ وكسر مرآته … ؛ وألقى عن كتفيه صورة “الواصل” … ؛ كي ينجو من فتنة الوصول...

وحين جاءه النداء الأخير … ؛ لم يأتِ كصوت … ؛ بل كسكينةٍ بلا حدّ... ؛ فسلّم بقايا نفسه كما يُسلّم السرّ لصاحبه … ؛ لا خوفًا ؛ ولا رجاءً… ؛ بل لأن الأمانة آن لها أن تعود إلى صاحبها...

فلم يُعرف له قبر … ؛ ولا ذُكر له أثر … ؛ لأن من ذاب في الحق لا يُشار إليه، ولا يُفقد...