اسم الكاتب : رياض سعد
من العار ان تدفع بأبناء جلدتك الى لظى المعارك الخاسرة وجحيم الحروب المهلكة ؛ وانت تختبئ في الجحور كالقوارض الضارة او تتمتع بملذات الحياة وشهواتها ؛ ولا تخرج في ارض المعركة الا من اجل – ( صورني واني ما ادري ) – التقاط الصور المزيفة والتي لا تعكس حقيقة ما يدور في ارض المعركة ؛ بل ويختبئ خلفك قطيع من ذويك واقرباءك واعضاء حزبك وشلل ( الحرامية واللوكية والدونية والسرسرية ) ؛ بينما تلقي بأفواج الامة الأبرياء وابناء الاغلبية العراقية الاصلاء في نيران الارهاب والصراعات والنزاعات العسكرية والاغتيالات والحروب الخارجية ؛ ولا غرو في ذلك فطالما ردد اشباه القادة وانصاف الرجال هذه المقولة المنكوسة سابقا : (( عزيزي المجاهد لك الشهادة وعلينا القيادة …!! )) .
وقد نقل النائب السابق الشيخ رحيم الدراجي – في احدى لقاءاته التلفزيونية – عن احد المنكوسين ؛ وهو يصف حال ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ قائلا : (( ما انتم في نظرنا سوى مشاريع استشهادية واصوات انتخابية …!!)) .
نعم : اقذر واجهل الرجال واحقر القادة والزعماء من تاجر بمعاناة شعبه وطائفته واهله وبني جلدته ؛ وامتهن الدجل والرياء والكذب والتدليس والتمثيل , والضحك على ذقون العراقيين البسطاء … ؛ لأنه منزوع الضمير والشرف والغيرة , وفاقد للإحساس والهوية والوطنية , ولا يبالي الا بالربح السياسي والمنافع الشخصية والعائلية والحزبية والفئوية والخسائر الانتخابية والسياسية .
فهؤلاء مسؤولون عن كل الماسي والازمات والنكبات , والصراعات الخارجية ؛ وكذلك هم مسؤولون عن النزاعات الداخلية والقتال العبثي بين ابناء الامة والاغلبية العراقية ؛ ناهيك عن التراشق الاعلامي وتجييش الجيوش الالكترونية والاعلامية والثقافية والسياسية والدينية لتسقيط بعضهم البعض ؛ والاخلال بالسلم الاهلي والامن المجتمعي و وحدة الطوائف الدينية والعقائدية ؛ وقد وعى احرار العراق حقيقة امرهم , وعرفوا بأن صناعتهم القتل و الموت و تجارتهم الدم و دموعهم دموع التماسيح و الذئاب و إن غابت عنهم رائحة الدم شرعوا في القتل و لو لأتباعهم ؛ لاستثمارها فيما بعد …؛ والشيء بالشيء يذكر , في احدى المرات ومن جبهات القتال المستعرة ضد الشراذم الارهابية الاجنبية الغاشمة ؛ اتصل احد المنكوسين الجبناء من الذين يختبئون في بيوتهم كالنساء ؛ بأحد المجاهدين الغيارى والمقاتلين الوطنيين الابطال ؛ وقال له حرفيا : (( نحتاج ان يموت رجل دين في هذه المعركة ؛ لان اغلب الحركات ترفع صور رجال دين شهداء ؛ الا نحن الى هذه اللحظة لم يستشهد معمم من حركتنا …!! )) .
وجرى الذي جرى ؛ وسقط ابناء الاغلبية الاصيلة والامة العراقية في سبيل الدفاع عن الوطن والمقدسات وحدانا وزرافات ؛ والكثير منهم طواه النسيان ؛ وتشردت عوائلهم من بعدهم , وذاقت اسرهم وابنائهم الامرين , ولم تهتم بهم تلك الحركات والشخصيات التي اخرجتهم للقتال او النزاع ؛ وان اعطوهم شيئا او قدموا لهم خدمة ؛ فهي قليلة وبسيطة ولا تنسجم مع تضحياتهم الكبيرة , وبمنة احيانا ؛ بل ان بعض عوائل الشهداء تعرضوا لشتى صنوف الاستغلال الجنسي والمضايقات في الدوائر الحكومية وغيرها ؛ وقد روى لي احدهم , قصة احد الشباب الذين فقدوا ابائهم في معارك الدفاع عن الوطن والعقيدة , وهو المواطن محمد الهاشمي – من سكنة بغداد / حي طارق – ؛ اذ ضاقت به الدنيا بما رحبت , وعندها قرر الذهاب الى مقر الحركة التي كان ابوه ينتمي لها ؛ فقال لهم : انا ابن الشهيد فلان , واطلب منكم مساعدتي في ايجاد وظيفة او عمل ؛ فأجابه احدهم : ان اباك ليس شهيدا ؛ وكانت هنالك لوحة اعلانية كبيرة تزين غرفة استعلامات الحركة وفيها صور الشهداء ومن ضمنهم والد الشاب محمد الهاشمي ؛ فقال له الشاب بانفعال : (( مو صورة ابوي الكواد وراك شلون مو شهيد ؛ هل مات وعافنه مبهذلين , وفوك القهر تكلي مو شهيد ..؟! )) انا اسف لهذه العبارة القاسية التي تفوه بها ابن الشهيد ؛ الا انني مؤمن بأن التاريخ يجب ان ينقل كما هو بلا رتوش ولا زيادة او نقصان .
وكالعادة نهض ابناء الاغلبية الاصيلة بالعبء الاثقل وتكلفوا بمصاريف وتكاليف بعض عوائل الشهداء , واهتموا بهم , ولم يشارك اي اجنبي او غريب ( بسنت او دولار) من اجل ذوي الشهداء العراقيين … ؛ فالكل يتفرج علينا ولا يعير اية اهمية لدمائنا … ؛ فالأموال جنوبية والدماء عراقية … ؛ ومع كل تلك الحقائق الدامغة ؛ يحاول البعض تزوير التاريخ كالعادة وينسب الامور الى غير اصحابها ؛ نعم والحق يقال : ان مؤسسة الشهداء الحكومية وكذلك بعض المرجعيات الدينية وفصائل المقاومة والشخصيات الخيرة بذلت جهودا كبيرة في مجال رعاية عوائل الشهداء والاحتفاء بهم ؛ الا انها ليست بالمستوى المطلوب والذي يتناسب مع حجم التضحيات التي قدمها الشهداء الابرار .
لم يكتف هؤلاء بإهمالهم لعوائل الشهداء وخمط حقوقهم بل راحوا يتاجرون بدمائهم ؛ اذ ملئوا مقراتهم والشوارع بصور الشهداء كما اسلفنا ؛ واستخدموها كإعلانات ودعايات انتخابية؛ فمع قرب الانتخابات يحرص الناخبون والاحزاب والحركات السياسية على نشر صور الشهداء وضحايا الارهاب ؛ فالحملات الدعائية في العراق لا تكتفي بتعليق لافتة هنا أو تصوير مقطع فديو لمرشحي هذا الحزب أو ذاك، بل إنها باتت تستخدم صور الشهداء والضحايا ؛ للتأثير على مشاعر الناس ولكسب اصوات ذوي الشهداء وعشائرهم واصدقائهم والمعجبين بهم … ؛ وبما ان هؤلاء اقترنت شعاراتهم وشخصياتهم وصفقاتهم بالفساد والظلم وسوء الادارة ؛ انجر هذا الامر سلبا على صور الشهداء وعلى تضحياتهم ؛ فقد تجرأ البعض ومزق صور الشهداء , بينما طعن البعض الاخر بالشهداء ؛ فما كان من قبل ساميا وشريفا وعاليا ؛ أصبح اليوم هابطا ومشبوها ومتهما ؛ لان أفكارنا وعقائدنا ومشاعرنا ؛ تم طعنها والفتك بها وقتلها أبشع قتلة حتى تبدلت المبادئ والقيم والأخلاق التي هي في الأصل مشاعر نبيلة سامية تسمو بأنفسنا … ؛ فعندما تعرضت قيمنا وثقافاتنا واخلاقنا الاصيلة للاغتيال والتشويه والتغييب والاقصاء من قبل قوى الخط المنكوس والرأسمالية الجشعة والاحتلال الامريكي والنفوذ الغربي ؛ أصبح بعضنا بلا مشاعر يبحث عن الماديات فقط (كالمال والشهرة والمنصب بشتي أنواعه) ؛ بينما تنكر البعض الاخر لكل المبادئ والقيم الوطنية والاخلاقية ؛ بسبب خيبة الامل بهؤلاء … ؛ نعم قد تقهقرت قيم الشرف والنزاهة والكرامة والالتزام والوطنية والشهادة امام زحف جحافل النفعية و ( المصلحجية والكلاوجية ) وشياطين الحزبية والعمالة والتبعية والخيانة والسياسة الميكافلية .
فهذه الصور والاعلانات والشعارات الانتخابية والتي ترفع قضية الشهداء وتسلط الاضواء على تضحياتهم , كما رفع من قبلهم عمرو بن العاص المصاحف على الرماح ؛ انما هي تجارة بالمأساة والشهادة ؛ لأجل جني المكاسب السياسية والصفقات المشبوهة ؛ ولا علاقة للأبعاد الاخلاقية والعقائدية والوطنية والانسانية بها .
وكل هذه الدماء الزكية الجنوبية والتضحيات الجسيمة العراقية ؛ لم تغير شيئا من الواقع البائس ولم توفر لنا حياة كريمة تليق بنا وبتضحياتهم ودمائهم … ؛ فهاهي مدن ومناطق وقرى شهداء الاغلبية خاوية على عروشها … ؛ فأن كنتم حقا تحبون الشهداء ؛ فأكرموا واخدموا اهالي الشهداء , وابنوا وعمروا ديار الشهداء ؛ و شيدوا مدرسة او روضة او مكتبة عامة باسم هذا الشهيد , وافتتحوا مستشفى او جامعة او طريق معبد عام بذكرى استشهاد ذلك الشهيد , وان كنتم راغبين بنشر صور الشهداء والاحتفاء بهم فلا اقل اصنعوا لهم نصبا فنيا راقيا وفي منطقة راقية , كما تفعل الدول المتحضرة والحكومات الوطنية ؛ ولا تبيضوا صفحة المجرم الدجال صدام عندما افتتح نصب الشهيد ؛ وانتم الى الان لم تنشئوا شيئا شبيها به فضلا عن ان يكون افضل وارقى منه …؛ فقد اكتفيتم بنصب صور الشهداء في الشوارع القذرة والاماكن الوسخة والقرى والطرق الخالية من البنى التحتية … ؛ ولعل اغلبها مصنوع من ارخص المواد ومطبوعة طباعة سيئة مما شوه معالم صور الشهداء , واصبح وضعها لا يقل سوءا وبؤسا عن اوضاع ذوي الشهداء وابناء الاغلبية المغبونة … ؛ بل الادهى والامر ان هذه الصور اصبحت مادة للتنازع والتنافر الاجتماعي فهذا يمزق وذاك يدافع وثالث يستخدم العنف … ؛ وكلكم شركاء في الرذيلة : من استرخص دماء ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ و من تاجر بدمائهم ولم يكرم ذويهم , و من تجرأ عليهم وسفه تضحياتهم … ؛ ومازالت الدماء تسفك والأرواح تزهق بأسم الوطن والدين والشعارات بينما لا زالت الطغمة المنكوسة تأكل السحت الحرام والذي مسخ انسانيتهم وشخصياتهم .
صحيح ان الغاية تبرر الوسيلة في عالم السياسة، ولكن الغاية لا تبرر الوسيلة في حقوق الناس واملاكهم ومعاناتهم ودماء ابنائهم ؛ اذ ان غاية السياسة حفظ وصون كرامة الوطن والمواطن وليس المتاجرة بدماء الشباب الزكية؛ والتحدث باسم الشهداء ورفع شعارات الشهادة للوصول الى الغايات السياسية المشبوهة ؛ وليس حبا بالوطن او المواطن او سعيا لإكرام ذوي الشهداء وعوائل الضحايا والفقراء .
بعد ان افلس هؤلاء على صعيد الواقع ؛ التجئوا الى الاختباء خلف صور الشهداء ؛ ظنَ منهم انهم سيبنون لهم مجداً سياسياً ؛ ويخلطوا الاوراق فيما بعد ؛ كي يعتقد بعض السذج انه منجز خدمي ؛ دون ان يعلم السذج ان الكثير ممن التحق بهم ورشحوا انفسهم ؛ هم من النطيحة والمتردية و الموقوذة وما اكل السبع ، ومنهم من غاص الى الاذقان بالفساد والظلم والعمالة والخيانة ، والبعض الاخر من بقايا الكتل المهشمة والمجربة ، وما لفظته الاحزاب واجواق ( اللوكية والكلاوجية ) …!!
ان دماء الشهداء ليست ضريبة ولا زكاة لتطهير الاحزاب والجماعات , ممن ادمنوا التخريب والتهريب والترهيب …؛ فهي اكرم منهم , واطهر من ضمائرهم الميتة , وانزه واشرف من شخصياتهم الهزيلة ؛ و القضايا العادلة والخيَّرة لا تحتاج الى مراوغة وخداع سياسي وتضليل اعلامي ، كما لا تحتاج الى شعارات رنانة واعلانات جذابة ؛ لان دليلها منها وبرهانها فيها .