اسم الكاتب : رياض سعد
تزامنت مع عمليات الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات الاولى ؛ الكثير من الظواهر السلبية كالتزوير والتلاعب بعملية العد والفرز , وغيرها ؛ مما دفع المفوضية لاستبدال طريقة التصويت القديمة بالبطاقة الالكترونية الحديثة – قصيرة الامد – ثم البطاقة البايومترية ؛ و ما يميز البطاقة البايومترية الحالية عن السابقة وجود البصمات الثلاثية والبيانات النصية والحيوية وصورة الوجه … ؛ للحد من عمليات التزوير , والتحول نحو استخدام التقنيات الحديثة في الدوائر الحكومية والحياة العامة … ؛ وقد لجأت المفوضية إلى اعتماد نظام التسجيل البايومتري، لمعالجة الأخطاء التي برزت في العمليات الانتخابية السابقة، التي تضمنت عدم وجود مئات الأسماء للناخبين في سجل الانتخابات ايضا ، مما حرمهم من المشاركة في العمليات الانتخابية … ؛ وكانت أهم مبررات مفوضية الانتخابات لتبني التسجيل البايومتري هي :
1 – منع تكرار التصويت.
2 – سهولة استدلال الناخب على محل تصويته من مركز اقتراع ورقم المحطة.
3 – سهولة تدقيق البيانات الخاصة بالناخبين، من قبل كادر المفوضية داخل المحطات باستخدام الحاسوب وبرمجياته بالإضافة إلى عُدة التحقق.
4 – الاستغناء عن السجل الورقي، الذي يعتمد على قاعدة بيانات وزارة التجارة، والذي اُعد خصيصا لتوزيع مفردات البطاقة التموينية على الاُسر… ؛ ضماناً لإنشاء سجل للبيانات الكترونياً بديلا تحفظ فيه جميع المعلومات الخاصة بالناخبين … ؛ وإنهاء الأخطاء التي رافقت الاعتماد على سجل الناخبين الورقي في الاستحقاقات الانتخابية .
5 – زيادة الثقة بإجراءات المفوضية مما يعطي قناعة لدى جمهور الناخبين بنزاهة وشفافية العملية الانتخابي... ؛ لكونها لا تعمل إلا بوجود الناخب حصرا، لكي يبصم في الجهاز، مما يجعلها أكثر حصانة وأمنا . (1)
وبعد تحمل المواطنون عناء الحصول على البطاقة الالكترونية – قصيرة الامد – وخسارة الدولة ملايين الدولارات على تصميمها وطباعتها ؛ بالإضافة الى الاستنفار الاعلامي وبذل الجهود الحكومية الواسعة وتشجيع المواطنين للحصول عليها والعمل بها ؛ تم الغاءها كما مر عليكم انفا ,وقد بدأت عملية إتلاف أكثر من 4.670.000 بطاقة اقتراع إلكترونية والتخلص منها والتي كانت قد تمت طباعتها قبل انتخابات 2014 و2018، ولكن لم يستلمها الناخبون العراقيون المسجلون في مخازن الدباش ببغداد … ؛ بالإضافة الى سحب البطاقات الالكترونية من المواطنين واستبدالها بالبطاقة البايومترية , وصرّح مدير العمليات في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ستار هادي محمود في وقت سابق ، و الذي قاد عملية إتلاف بطاقات الناخبين القديمة : إن العدد الذي سيتم إتلافه من المرجح أن يرتفع إلى أكثر من 5.000.000، عندما يقوم الناخبون المسجلون بتسليم بطاقات الناخب الإلكترونية القديمة الخاصة بهم مقابل البطاقات البايومترية الجديدة التي تصدرها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لانتخابات 10 تشرين الأول لعام 2021 .
وقامت المفوضية وبمعية بعض دوائر الحكومة وكذلك وسائل الاعلام الحكومية وغيرها بالترويج للبطاقة البايومترية , وحث المواطنين على اقتنائها , وبشتى الطرق بما فيها بث الدعايات والشائعات بين ابناء الشعب ؛ ومنها على سبيل المثال : اجبار الطلبة البالغين على اقتنائها الا ان وزارة التربية قد نفت الخبر فيما بعد , وكذلك الاشارة الى معاقبة الموظفين او حرمانهم من بعض الامتيازات في حال عدم حصولهم على بطاقة الناخب البايومترية … ؛ وبالغت الحكومة في الترغيب الى درجة ان مجلس الوزراء قرر اعتبار بطاقة الناخب البايومترية مستمسكاً رسمياً معتمداً في دوائر الدولة في عام 2021 ؛ بل وجابت الفرق الجوالة كل مدن العراق من اجل ايصال البطاقة الى المواطنين بكل يسر وسهولة وتعاون منقطع النظير ؛ مما اثار استغراب المواطن العراقي والذي يعاني الامرين عندما يراجع دوائر الدولة للحصول على هوية الاحوال المدنية او البطاقة التموينية او اجازة السوق …؟! .
ومع كل تلك التسهيلات والدعوات الاعلامية , لم يجدد الكثير من العراقيين بياناتهم في سجل الناخبين ولم يغيروا بطاقاتهم الالكترونية قصيرة الامد , لاسيما وان مفوضية الانتخابات حصرت حق الانتخاب بالأشخاص الذين يمتلكون بطاقات بايومترية فقط ؛ في انتخابات مجالس المحافظات لعام 2023, وقال مدير دائرة الإعلام والاتصال الجماهيري في المفوضية حسن سلمان في تصريح للصحيفة الرسمية بتاريخ (3 آب 2021) : إن “المفوضية باشرت حملة لتوزيع 3 ملايين و300 ألف بطاقة ناخب بايومترية بين مستحقيها”، مؤكداً أن “مليونين و300 ألف بطاقة ستوزع بين الناخبين الذين بلغوا السن القانونية للانتخاب من مواليد 2001 و2002 و2003 بعد إرسال بياناتهم الى شركة (أندرا) الإسبانية المختصة بطبع تلك البطاقات، إضافة الى مليون بطاقة لم يتسلمها أصحابها لغاية الآن”... ؛ وقد دعت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات 3 ملايين ناخب في 15 محافظة يمتلكون البطاقة قصيرة الأمد إلى استبدالها بالطويلة الأمد «البايومترية» كشرط من شروط المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات بحسب قانون الانتخابات المُعدّل لعام 2023... ؛ وقالت المتحدثة باسم المفوضية، جمانة الغلاي، لـ”الصباح” : إن “هنالك أكثر من مليون و300 ألف بطاقة مطبوعة لناخبين في 15 محافظة راجعوا وسجلوا بياناتهم البايومترية قبل انتخابات عام 2021 لاتزال موجودة في مراكز التسجيل”، داعية إياهم إلى تسلمها من تلك المراكز.
وقد تجازو عدد العراقيين المؤهلين للتصويت الانتخابي الستة والعشرين مليون ناخب، بما فيهم المواليد الجديدة المستحقة، وتشمل مواليد أعوام 2003 و2002 و2001 فضلا عن النازحين … ؛ وقد تمكنت المفوضية من تسجيل – التسجيل البايومتري – ما يقارب ال 16 مليون ناخب ؛ وقيل : يبلغ عدد الناخبين الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجالس المحافظات 28 مليون ناخب، بعد إضافة مواليد 2004 و 2005، بينما لا يتجاوز عدد المحدّثين بياناتهم بايومترياً 18 مليوناً فقط، ما يعني أن أكثر من 10 ملايين ناخب حرموا من التصويت في الانتخابات المقبلة … .
وكان مجلس المفوضين السابق قد تعاقد مع شركة “أندرا” الإسبانية لتصميم وطباعة البطاقة البايومترية , واستيراد أجهزة الاقتراع الإلكترونية الخاصة ، وتدريب الفرق الوظيفية عليها , وبدوره يقول الخبير الاقتصادي صفوان قصي في وقت سابق : إن الانتخابات المقبلة – يقصد بها انتخابات عام 2021- ستكلف الدولة قرابة 250 مليون دولار، لافتا إلى أن طباعة البطاقة البيومترية تكلف الدولة نحو 3 دولارات للبطاقة الواحدة… ؛ ويضيف قصي في حديثه للجزيرة نت أن تكلفة إدارة يوم الانتخاب تتضمن أيضا عشرات آلاف الموظفين المؤقتين ليوم الاقتراع المشمولين بحصولهم على الرواتب، وهو ما نص عليه قانون الموازنة … ؛ بينما قال عبد الرحمن المشهداني – استاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية وقتها – 2021- : (( الانتخابات العراقية قد تكلف الدولة العراقية قرابة 616 مليون دولار (الجزيرة نت) خاصة وأن المفوضية لديها رصيد مالي سابق من الموازنات المالية السابقة للبلاد، وهو ما سيضاف لحجم التخصيصات التي خصصها البرلمان للمفوضية في موازنة العام الحالي… ؛ وفي حديثه للجزيرة نت ، يعتقد المشهداني أن تكلفة الانتخابات في العراق مرتفعة جدا ولا تنسجم مع مخرجات الانتخابات، إذ إن الانتخابات الماضية أسفرت عن استقالة حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي بعد نحو عامين على تشكيلها… .
وتشير بعض الأبحاث السياسية إلى أن نحو 25% من بلدان العالم تستخدم نظام البطاقة البايومترية لتحديد هوية الناخبين. ويشير استطلاع لتقنيات المعلومات والاتصالات التابعة للمؤسسة الديمقراطية الدولية للانتخابات (ICT) إلى أن 35% من 130 دولة شملها الاستطلاع تلتقط البيانات البايومترية كجزء من عملية تسجيل الناخبين... ؛ وتستخدم البطاقة البايومترية للناخبين في بلدان أفريقيا وغرب آسيا وأميركا اللاتينية، حيث تقوم بعض هذه الدول بجمع الصور فقط، كالهند وباكستان وأفغانستان، في حين تقوم أخرى بمسح بصمات الأصابع كالمغرب وكولومبيا، لكن معظم البلدان تجمع كلتا الطريقتين، مثل نيجيريا والمكسيك وغيرهما.
ومع كل تلك المزايا التي تتمتع بها بطاقة الناخب البايومترية ؛ الا انها لم تسلم من الانتقادات ؛ فقد كتب القاضي قاسم العبودي مقالة حول هذا الموضوع ؛ تحت عنوان : ((مزايا وعيوب التسجيل البايومتري )) ومما جاء فيها : (( … بالإضافة إلى التكلفة الباهظة لطباعة السجل البايومتري واستمرار عملية التعاقد مع كل عملية انتخابية، والذي أدى بدوره إلى زيادة كلفة الناخب لم يحقق التسجيل البايومتري كثيرا من الاغراض المرجوة منه، بل إنه خلق مشكلات جديدة للعملية الانتخابية أبرزها :
– حرمان عدد كبير من الناخبين من المشاركة في الانتخابات التي جرت في 10 -10-2021 حيث بلغ عدد المحرومين من التصويت حوالي ثمانية ملايين ناخب، وذلك لعدم امتلاكهم البطاقة البايومترية المحدثة، وقد أعيد تعريف الناخب وفقاً لإجراءات المفوضية التي انسحبت على القانون وفق للفقرة رابعاً للمادة 5 من القانون رقم 9 لسنة 2020: (يشترط في الناخب ان يكون مسجلا في سجل الناخبين، وفقاً لأحكام هذا القانون والانظمة والاجراءات التي تصدرها المفوضية ولديه بطاقة ناخب الكترونية مع ابراز أحد المستمسكات الرسمية الثلاثة هوية الاحوال أو البطاقة الموحدة أو شهادة الجنسية العراقية)، علماً أن المفوضية عند اعلانها نسبة المشاركة في تلك الانتخابات اعتمدت النسبة بلحاظ الناخبين المحدثين فقط وليس بلحاظ عموم الناخبين! وهو ما اعطى مؤشرات غير حقيقة عن نسب المشاركة ؛ ووفقاً لاعلان المفوضية في سياق استعداداتها لإجراء انتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراؤها في نهاية العام الجاري، فإن نسبة الناخبين الذين لن يحق لهم التصويت بسبب اجراءات المفوضية هذه سيصل إلى نسبة 40 % من مجمل الناخبين، وهذه نسبة كبيرة جداً، وتعد مخالفة واضحة للمعايير الدولية، التي تقضي بالسماح لجميع الناخبين دون تمييز أو تعقيد بالإجراء. علما أن القانون ألزم المفوضية بتحديث بيانات الناخبين بايومترياً عن طريق فرق جوالة والاستعانة بجميع مؤسسات الدولة لتحقيق هذا الغرض ( تلتزم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بتسجيل المواطنين، الذي تنطبق عليهم شروط التسجيل في سجل الناخبين بايومتريا عبر فرق جوالة … ؛ و إن فشل قارئ البطاقة في قراءة بيانات بطاقة الناخب في كثير من المحطات، دفع المفوضية لاتخاذ اجراء لحل هذه المشكلة عن طريق إعطاء ايعاز إلى الجهاز بتخطي تلك الاجراءات بنسب معينة بلغت في انتخابات مجلس النواب لعام 2018 نسبة 15 % وهي نسبة كبيرة جدا … , ويقصد بالتخطي إدخال اي بطاقة تابعة للمحطة في الجهاز، بمجرد الحصول على الرقم التسلسلي للبطاقة، ودون حاجة إلى وجود الناخب، بل يمكن ذلك ايضا عن طريق الهاتف، مما وفر بيئة خصبة لبعض المرشحين النافذين لاستغلال هذه الثغرة، وهو ما شاع من شراء بعض المرشحين لبطاقات ناخبين والتواطؤ مع موظفي بعض المحطات، بهدف ادخال البيانات يدوياً والتصويت بالنيابة عنهم، وهو ما دفع المشرع إلى تخفيض هذه النسبة إلى 5 % في قانون انتخابات رقم 9 لسنة 2020... ؛ وقد وقعت المفوضية بخطأ كبير عندما وضعت جميع بيانات الناخب على وجه البطاقة، وبالتالي فان أي تغيير في بيانات الناخب، من قبيل تغيير المحافظة أو مركز التسجيل أو مركز الاقتراع، يعني عدم فائدة البطاقة وانتفاء الغرض منها، وهو ما دفع المفوضية إلى اصدار تعليمات بسحب بطاقة الناخبين الذين يقومون بعملية تصحيح الاسم، أو تغيير المحافظة، أو مركز التسجيل، أثناء عملية التسجيل البايومتري، وكان الإجراء الأفضل أن تقوم المفوضية بطباعة البيانات الثابتة (اسم الناخب رقم الناخب ظاهريا على بطاقة الناخب وتخزين جميع البيانات المتغيرة للناخب (المحافظة، مركز التسجيل مركز الاقتراع المحطة) في السيم كارت – الشريحة الإلكترونية) … , ونكرر ما طرحناه سابقاً أن استخدام اي تكنولوجيا (منخفضة أو متوسطة، أو متقدمة)، لا تتمكن هيئة إدارة الانتخابات من امتلاكها وتشغيلها وصيانتها وتوسيعها بشكل كامل على المدى المتوسط، تعد تكنولوجيا غير ملائمة، وإذا كانت الخبرة الفنية الدولية أمراً أساسياً لاستمرار استخدام تكنولوجيا ما فلا يمكن أن تكون هناك استدامة (أي صيانة محلية)، وهذه الرسالة دقيقة، سواء أكانت الخبرة مقدمة من قبل مورّد أم من قبل شريك إنمائي، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أو المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية أو غيرهم. )) .
هنالك عدة عوامل معقدة ومتشابكة لنجاح الانتخابات وهي تختلف من بلد لآخر ؛ فمن المستبعد أن تكون ثقة الناخب تتعلق بالبطاقة البايومترية فقط ، وإنما تتعلق أيضا بمجموعة إجراءات المفوضية التي تخص شفافية الانتخابات والأموال التي تصرف على الحملات الانتخابية، وكذلك متعلقة بالإجراءات الحكومية السليمة والانجازات الحقيقية والقرارات الواقعية و التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن … ؛ فقد يتغاضى المواطن العراقي عن خروقات الانتخابات ؛ ان كانت مخرجات الانتخابات ايجابية ونتائجها وطنية ؛ فالأمور بخوايتمها كما يقال … ؛ ولكن المصيبة تكمن في ماذا كانت المقدمة باطلة والنتيجة باطلة .
………………………………………………….
- مزايا وعيوب التسجيل البايومتري / قاسم العبودي / بتصرف .