اسم الكاتب : ثامر عباس
غالبا”ما تختلط في الحوارات واللقاءات التلفزيونية الشكلية ، لا بل حتى في البحوث والدراسات الأكاديمية – الجامعية ، معاني ودلالات تعابير من مثل ؛ (القبيلة) و(القبلية) حيث تحيل كل منهما الى الأخرى ، دون أي اعتبار لما تشتملان عليه من اختلاف في الخصائص وتباين في الأدوار . وهو الأمر الذي كان – ولا يزال – يتسبب بالكثير من المشاكل والعديد من الإشكاليات التي كان من الممكن تحاشي الوقوع في محاذيرها الاجتماعية ، وتلافي الانزلاق نحو صراعاتها السياسية .
وكما هو معروف ، فقد اعتبرت (القبيلة) من المؤسسات الاجتماعية الأولية التي كانت مسئولة عن حياة الجماعات البدائية ، لجهة تنظيم علاقاتها الاجتماعية ، والذود عن حياض مجالها الجغرافي ، والدفاع عن مصادر أمنها الغذائي ، لاسيما في الحقب التاريخية التي لم تكن (الدولة) قد تحولت من الفكرة المجردة الى الواقع الملموس . هذا في حين اعتبرت (القبلية) بمثابة نزعة تعصبية تسعى للوثوب خارج إطارها السوسيو –انثروبولوجي الضيق ، والعمل من ثم على اختراق المؤسسات السيادية للمجتمع بما فيها (الدولة) ، وذلك عبر تضمين مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والقيمية حقوقا”(سياسية) مفتعلة ، على غرار حقوق الكيانات المدنية الأخرى مثل الأحزاب والمنظمات التي وان يكفل حقوقها الدستور ويصون كيانها التشريع ، إلاّ أنها تبقى خاضعة لاملاءات سلطة (الدولة) وتحت إشراف قوانينها المركزية . ولمن أراد التوسع والاستزادة حول هذا الموضوع ، نحيلة الى دراسة المفكر السعودي (عبد الله الغذّامي) حول الفوارق بين مفهومي (القبيلة) و(القبائلية) .
ولكن الإقرار بهذه الحقيقة السوسيو- سياسية والاحتجاج بمنطقها ، لا يعدم حصول ظاهرة ما يسمى ب (التخادم) البنيوي و(التناغم) المؤسسي ، بين (القبيلة) كمؤسسة اجتماعية ذات خاصية أولية تسعى لحماية أعضائها وتأمين أقواتهم ودرء المخاطر عنهم ، إزاء بيئة (صحراوية) قاسية تمتاز بشحة مواردها ونزق ظواهرها من جهة . وبين (القبلية) كنزعة عصبية بدائية تسعى لفرض إرادتها وتسييد ثقافتها وتأبيد قيمها وتعميم علاقاتها على بقية شركاء الجغرافيا والتاريخ والهوية ، خصوصا”بعد إلباسها لبوس (الأحقية) السياسية و(الأفضلية) الاقتصادية و(الاقدمية) الحضارية من جهة أخرى . إذ ليس من المستبعد – تحت طائلة المصالح – أن تستعين (القبيلة) كجماعة اجتماعية بنوازع (القبلية) كعصبية سيكولوجية ، لتعزيز كيانها البنيوي وتكوينها المؤسسي لتستحيل الى ما يسميه المفكر الكويتي (خلدون حسن النقيب) ب (القبلية السياسية) ، حيث (( تنزع في استمرار الى تعديل نفسها تبعا”للظروف المتغيرة )) . مثلما بالمقابل ، يستفحل شأن النزعة (القبلية) وتقوى شوكتها ليس فقط على صعيد شحن العلاقات الاجتماعية وتعبأة التصورات الثقافية فحسب ، وإنما على مستوى تعصب الذهنيات وتطرف السيكولوجيات
ولعل من أخطر عواقب هذه الحالة / الإشكالية (التخادم والتناغم) ، ليس فقط على سرعة حراك المجتمعات المبتلاة بها وإيقاع تحولها من الطابع التقليدي الى الطابع الحديث فحسب ، وإنما على ديمومة حرمانها من التمتع بمظاهر الاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والرقي الحضاري كذلك . حيث لا تلبث البنى المؤسسة (للقبيلة) من الانتحاء صوب نوازع (القبلية) والانتخاء بعصبيتها ، كلما استشعرت ان حظوظها في تحقيق مصالحها وبلوغ مآربها باتت قليلة أو غير مجدية ، إزاء بقية أقرانها / خصومها من القبائل الأخرى التي تنافسها على ذات المصالح والمآرب .
وفي المقابل لن يطول الأمر حتى تشرأب عناصر النزعة (القبلية) المتعصبة وتتحفز طاقاتها التخريبية والتدميرية ، ليس فقط من باب الحفاظ على كيان (القبيلة) التضامني على الصعيد الداخلي وضمان وجودها الاجتماعي على الصعيد الخارجي ضد خصومها ومنافسيها من القبائل الأخرى فحسب ، وإنما لتأكيد ذاتها المخفي والمستتر ، وشرعنة وجودها الممنوع والمقموع ، والإفصاح عن هويتها المسكوت عنها والمطعون فيها ، وذلك عبر الاستعانة بقدرات المؤسسة (القبلية) التي تمتلك من التأثيرات المادية والإجرائية ، ما يجعل من أمر هذا (التخادم) البنيوي و(التناغم) المؤسسي بين (القبيلة) ككيان و(القبلية) كنزعة ، واقعة مسموحة أخلاقيا”ومقبولة اجتماعيا” ! .