اسم الكاتب : ثامر عباس
بداية لابد من الاعتراف باني لست ممن ينتمي لجماعات الوسط الفني لا من قريب ولا من بعيد ، كما وينبغي الإقرار باني لست متخصصا”في مجال النقد الفني وتحليل الأعمال الدرامية المتواترة الظهور على الشاشات الكبيرة (السينما) والصغيرة (التلفزيون) ، حتى أسمح لنفسي بالتعرض لما أسميه (حيرة) الدراما العراقية و(تخبطها) في اختيار النصوص التمثيلية وتعيين الأشخاص القادرين على تجسيد أدوارها . ولكني كمشاهد ابتلي بأن يعيش ضمن أجواء الخراب والدمار التي استشرت مظاهرها ، ليس فقط في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع العلوم فحسب ، وإنما في ميادين الفكر والثقافة والفن والتعليم كذلك . وهو الأمر الذي يجيز لي التعبير عن آرائي الخاصة والإفصاح عن انطباعاتي الشخصية حيال ما تقدمه الدراما العراقية حاليا”من أعمال فنية (مسلسلات) على مدار الأسبوع .
ولعل من جملة المآخذ التي يمكننا تسجيلها ضد القائمين على إنتاج وإخراج مثل هذه المسلسلات ، هو اعتقادهم المضلل بأن المضامين التي تحملها والقيم التي تشيعها والرسائل التي تبعثها تلك الأعمال ، تواكب وتحايث ما طرأ على الواقع العراقي من حراك اجتماعي وانزياح قيمي وتحول حضاري ، فضلا”عن تصورهم السطحي أن تلك الأعمال الغثة التي تستهلك كل ما جناه الفن العراقي من رصيد تاريخي ، تحاكي في مستواها الفني ومعالجاتها الاجتماعية ما تصدره الدراما العربية والأجنبية من أفلام ومسلسلات ، دون أن يصار الى أخذهم بالاعتبار حجم وطبيعة الاختلافات والتباينات الموجودة على صعيد السياقات الاجتماعية والثقافية والنفسية والحضارية . الأمر الذي وسم تلك المسلسلات بطابع الرتابة في الأداء والاصطناع في الحوار والتلفيق في الحبكة .
وهنا لا أتحدث عن فيض المسلسلات العربية والأجنبية – بغثها وسمينها – التي أضحت رفيق دائم للمشاهد العراق رغما”عن أنفه ، بقدر ما أتحدث عن المسلسلات العراقية التي تعرض حاليا”على شاشة التلفزيون ، وتحديدا”مسلسل (حيرة) الذي حيرنا معه وضيعنا في متاهاته ، بعد أن فقد بوصلة الاتجاه الذي يقصده وأضاع مضمون الرسالة التي يحملها . بحيث لم يظهر تميزا”فنيا”يليق بالدراما العراقية أيام مجدها الغابر على مستوى الإخراج والتمثيل فحسب ، وإنما فشل فشلا”ذريعا”في ضمان معقولية نسبية لتسلسل أحداثه المفبركة ، أو في إيجاد رابطة منطقية لتتابع مواضيعه المفككة . وهو الأمر الذي بدا وكأن المخرج لم يجد أمامه للتخلص من الاحراجات التي أوقع نفسه فيها ، سوى الهرب الى الأمام باللجوء الى مطّ الحلقات وزيادة أعدادها من جهة ، وافتعال الحوارات العقيمة والمناكفات السمجة بين (ممثلين) بدت على أغلبهم الرتابة في الأداء والاصطناع في التعبير من جهة أخرى . هذا بدلا”من أن يسعى جاهدا”لتلافي الكثير من العيوب الفنية والأخطاء الأدائية ، ومن ثم إيجاد نهاية مشرفة لمسلسل وسم بأعراض فقدان اللون والطعم والرائحة ! .
ولعل هناك من يحاول إيجاد الأعذار والمبررات لمثل هذا الإخفاق بالإشارة الى كون المسلسل المعني (حيرة) مأخوذ عن مسلسل (تركي) سابق ، بحيث ان العيوب والسقطات التي يعانيها المسلسل هي من نتاج (الأصل التركي) وليست وليدة (الانتحال العراقي) . وهنا الطامة الكبرى كما يقال : فعلى فرض ان مصادر الأخطاء والهنات المؤشرة في المسلسل المذكور ، هي من تبعات الدراما التركية التي نادرا”ما تهتم بالقضايا ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والأخلاقي ، بقدر ما تحفل بأمور الرومانسيات والمغامرات والمافيات التي يبدو أنها تتوافق مع تقاليدهم الاجتماعية وعاداتهم الثقافية . إذن فما الداعي لاقتباس مثل تلك الأعمال السطحية في معالجاتها والاختزالية في منظوراتها ، ومن ثم محاولة إلباسها لبوس (عراقي) فضفاض لإقحامها قسرا”ضمن أنشطة وفعاليات الدراما العراقية ، بغية حملها على طرح مسائل ليست من صميم واقعنا ، أو على أقل تقدير لا تحتل الأولويات في سلم اهتماماتنا في الوقت الحاضر . فهل يا ترى جف نسخ الدراما العراقية من الإبداع بحيث أضحى (الاقتباس) و(الاستيراد) من مصادر خارجية (عربية وتركية) ، هما السبيل الأنجع لإشاعة الانطباع بأن ينابيع الفن العراقي لا زالت بخير ؟!
وفي المحصلة الأخيرة نتساءل ؛ ما الغاية المتوخاة أو الهدف المنشود الذي دفع بالمسؤولين (منتج ومخرج) لاختيار مثل هذا المسلسل – وغيره من المسلسلات المماثلة – الخالية من المضامين والعديمة المناقبيات ، وعرضه على ذائقة الجمهور العراقي الهاضمة لكل منتج بلا تدقيق ولا تمييز ، باعتباره عملا”(إبداعيا”) من أعمال الدراما العراقية المنوط بها معالجة مشاكلنا السياسية والاجتماعية المستعصية بلا رتوش ، وإيجاد الحلول لمكابداتنا الاقتصادية والنفسية المزمنة بلا تزويق !! .