اسم الكاتب : حسام الدين الانصاري
الدين كلمة ، أما أن تكون صادقة بين العبد وخالقه ، أو تكون رياءً للتجارة وخداع الناس .. وتظهر هذه الحالة في أيامنا هذه بأوضح صورها .. فمن قبض على دينه بصدق فلا تسمع منه إلا النصيحة والمشورة البنّاءة والدعوة الى التسامح ونشر المحبة بين الناس والسعي من أجل الخير والعمل الصالح والولاء للوطن ونصرة الفقراء والمفجوعين ومواجهة الظلم والوقوف بوجه الحاكم الجائر ، أليس تلك هي بعض صفات ما يدعوا له الدين ؟ .. أما من أرادوا أن يجعلوا من الدين كلمة تصاغ بها عبارات الرياء الرنّانة والخطب العصماء والوعود الكاذبة والحماس المفعم بالفتنة والفُرقة ومعسول الكلام لتحقيق المصالح الشخصية والتظاهر بخدمة الناس والولاء للوطن ، فإنهم في الضفة الأخرى ، يستخدمون الدين والمقدسات والشعارات النبيلة وسيلة لخداع الناس ، فأصبحوا نموذجاً للقدوة السيئة التي لا يتوقف الذنب والأثم الذي سوف يسطّر في كتابهم الذي سيحاسبون عنه يوم الحساب عند هذا الحد ، بل انهم سيحاسبون عن السُّنة السيئة التي سنُّوها وكانوا قدوة سيئة جمعوا حولهم الأصحاب والأحباب والجهلة من الشباب ، ليكونوا مخالب تنهش بالحرث والنسل وتستبيح حقوق الأمة والعباد ، وتستهين بدماء الناس وأموال البلاد ، ونشر الخطايا والتخلف والفساد ، وكل هذا يحصل ممن ادّعوا الدين كذباً وزوراً وبهتاناً ، فما أسهل على السارق وهو يرتكب الأثم الذي يحرِّمه الدين ويمقته المجتمع أن يختفي خلف الدين ويُقسم بأنه لم يسرق ، وهذا ما يروى عن واقعة طريفة ، فقد مَثُل سارق أمام القاضي لمحاكمته عن تهمة سرقة فأنكر ارتكابها وادعى بأنه إنسان صالح وانه لم يسرق ، ولما طلب منه القاضي أن يقسم بأنه لم يسرق وقد يكون في ذلك براءة له ، صاح اللص (لقد جاء الفرج).. وهكذا فانه ليس من الصعب على من احترف الحيلة والمكر وتقمص شخصية الوطني والمصلح والمتدين وأضفى على هيئته مظاهر الدين بجلبابه وعِمَّته وطول مسبحته وعديد الخواتم التي تجلب الرزق وتحقق الأمنيات وتعدد الزوجات وكثرة السفرات وتطرد الحسد وتبعد عنه حبلاً من مسد . وكل هذا وغيره يحصل في أرجاء العالم في مختلف الأديان لأنها أصبحت الحصانة والواجهة البيضاء التي تختفي خلفها الوجوه الكالحة وكل من يريد النجاة بأفعاله الشريرة والشائنة والمخزية ، فلا يجد إلا متراس الدين يتخندق خلفه لكي يجني الثمرات ويسكن القصور الفارهة ويتزوج الصبايا الجميلات ويتمتع باستخدام أحدث السيارات ويتمتع بأرقى السفرات ، ولكنه نسيَ يوم النازعات ، يوم تنزع الملائكة أرواح الأشرار والمجرمين وأدعياء الدين المنافقين ، ويوم يُبعث من حفرته وهو عظامٌ نخرات . فهل ينفع يومئذٍ التخفي خلف الشعارات ؟ .