نوفمبر 22, 2024

يعانى طيب القلب في هذا الزمان كثيراً، في بعض الأوقات يشعر برفض المجتمع له كأنه هو المخطئ. رغم معرفة الجميع بأنه على صواب لكن يرفضوا الاعتراف بذلك. ذلك الشخص الذى يحمل الطيبة والحنان نجعله يشك في نفسه ويفكر في التراجع عن طيبته حتى يصبح كالأغلبية حالياً. يشعر بالضعف وقسوة استغلال من حوله له. رغم طيبته يمكنه أن يتغير نتيجة لأفعالنا ،لكن هل حقاً نريد ذلك؟ هل يمكننا أن نكمل في هذه الحياه دون وجود تلك القلة ذوى القلوب الطيبة الحنونة؟

أصبحت الصفات الطيبة في أيامنا هذه تحارب من الجميع بدلاً من التعلم منها ،نقهرها ونظلم أصحابها بكل وسيلة ممكنة. بالكلام ،والأفعال وحتى النظرات. ذلك الطيب نتعامل معه على أنه المادة الخام للاستغلال. وأغلبنا يستغله معنوياً لكي يشعر بقوته وأنه أفضل منه ،فهو لا يمكنه أن يرد له ما فعله ،لكن ليس لأنك أقوى بل لأنه سيسامحك ولكنك ستخسره في يوماً ما ولن تعوضه. ذلك الطيب الذى يجب علينا احترامه وتقديره والمحافظة على علاقتنا به نقوم بأذيته وإهانته ولا نهتم بما يشعر. في بعض العلاقات لا نؤذيه بقصد ،لكن عدم الاهتمام يعد إهانة ايضاً. ليس لأنه لا يتكلم ولا يطلب ولا يُعلن ماذا يريد حتى لا يثقل عليك فتكون النتيجة أن لا تفكر فيه. إنه إنسان بل ومن أفضل البشر الذين مروا بحياتك ،لا توصل نفسك لأن تكون ذلك الشخص الذى لا يعرف قيمة الإنسان إلا بعد أن يفقده. كما أن تلك الخسارة تختلف عن أي إنسان خسرته أو ستخسره فهو هبة لن تعوضها ولن تجد من يعطيك الحب ،الحنان ويفكر بك باستمرار ،وكل ما يطلبه في المقابل هو اهتمامك به وتقدير قيمة ما يفعله لك ،وينتظر منك المكانة التي يستحقها في حياتك. مع الاسف كل ما يناله هو الاستهانة به وبمشاعره حتى أنك في بعض الأوقات لا تشعر بخطئك إلا عندما ترى ألمه يظهر على وجهه أو في هيئة دموع مما يعنى أنك قد تأخرت.

هل فكرت يوماً بماذا يشعر هذا الطيب الذى تقسو عليه ويسامحك؟ شعوره هو نفسه لن يستطيع وصفه كما هو داخله. يشعر بمرارة عقاب مؤلم على الشيء الجيد الذى فعله. يجلس بمفرده ساعات طويلة ويراجع نفسه محاولاً معرفة جُرمه الذى تسبب له في هذا الرد المهين ولا يصل إلى شيء. في الحقيقة هو لم يفعل شيء ليعاقب عليه. طيبته وحنانه وحسن نيته ليست جريمة ،عقابك أنت له هو الجريمة. ليست في حقه فقط بل في حقك أنت قبله. أنت تخسر دون أن تدرى تماماً كالشخص الذى أُهدى بزهور فألقى بها على الأرض. ترفض متعة الشعور بالتقدير من ذلك الشخص. ترفض رؤية نفسك في عينيه شخص أفضل مما أنت عليه. تأبى أن تستمتع بطيبته التي تظهر إليك بعفوية ،لكنك تستمع لعقلك الذى لن يجعلك تشعر به – من الصعب الشعور بما يخرج من القلب بعقلانية – إنه سيسامحك عدة مرات ويُوجد لك الأعذار ولكنك لا تقدر ذلك. سيسامحك لأنه أقوى منك ،فالتسامح لا يظهر سوى من الشخص القوى. أنت لا تتعلم وتستمر في ارتكاب الأخطاء في حقه ،بل وتعيد نفس الخطأ في بعض الأحيان. مما يزيد ألمه لأنه ليس بقسوتك. فهو لا يستطيع أن يخرجك من حياته بسهولة حتى أنه يؤنب نفسه إذا فكر في ذلك للحظة. يخشى أن يظلمك ،أن تحتاج إليه ولا تجده فتشعر بالوحدة والكسرة التي أشعرته بها من قبل. لا تهون على قلبه الطيب الذى تؤذيه وأنت تثق في طيبته التي ستجعله يسامحك. إذا قررت أن تكون ذلك الشخص المستغل فعلى الأقل لا تكون بهذه الدرجة من الغباء وتخسر كل شيء. اهتم به وأعطيه بعض مما يستحق حتى يبقى. عليك فقط أن تعرف أن لكل شيء نهاية. يمكنك أن تثق بطيبته لكن لا تثق بتقبله للإهانة ،لن يقبل. ذلك الطيب يمكن أن يسامحك آلاف المرات لكن في يوم ستستيقظ ولن تجده ولن يعود ،لأنه قد أرضى ضميره تجاهك وفعل كل ما بوسعه. سيشعر أن وجوده يصنع منك شخصاً أناني وقاسى. ولن يمر يوماً إلا ستندم عليه ولكن دون جدوى.

أنت أيها الطيب الذى نعتبرك عملة نادرة في هذا الزمان. رغم كل ما تعانيه لا تتغير. أنت من سيتألم إذا أصبحت كالبقية ،ستنظر في المرآة ولن تعرف نفسك ،وهذا أكثر ما سيؤلمك. سترى هؤلاء الناس اللذين آذوك في مرآتك وستكرههم في نفسك. أنت لست بحاجة لأن تتغير بل هم ،عليك فقط أن تحاول حماية نفسك بكل ما أوتيت من قوة. خسارتك للمستغلين الذين لا يقدرون قيمتك مكسب لك ،فأنت بذلك تعطى مساحة في حياتك لأشخاص آخرين يستحقون فرصة. أما خسارة الناس لك لن يضاهيها أي خسارة. عليك معرفة قيمتك الحقيقة وكم أنت مميز. طيبتك ترفع من شأنك وليس العكس. حنانك يجب أن تظهره وتتباهى به وعلى البقية الشعور بالخجل والقلة بجانبك. إذا كان الله سبحانه وتعالى اختارك لأن تكون مميز بطيبتك وعطائك وسط الجميع ،فلا تُخفي تلك العطية وتحاول أن تصبح مثل الآخرين وتتبع القطيع. الحياة من دونك مرعبة والجميع يعرف ذلك حتى الذين يرفضون الاعتراف به. فأنت ضمير المجتمع والملجأ الذى يهرب إليه كل موجوع ليجد من يخفف عنه ويساعده. وجودك في أي تجمع يقلل من حدته. ستعانى في بعض الأوقات لكن من لا يعانى في الحياة. أنت تختلف لأنك أقوى بطيبتك التي ستقربك من الله وستساعدك على أن تسامح نفسك ومن حولك لتصبح ذلك الإنسان السوى الذى يستحق أن يعيش حياة راضية وسعيدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *