اسم الكاتب : د. حيدر حب الله
صراع السلطة ودوره في تغذية التطرّف
لا يغيب عنّا أنّ أحد الأسباب الرئيسة لانتشار التعصّب بشكلَيه: الديني والعلماني، هو الصراع على السلطة بينهما في العالم العربي والإسلامي، وهو ما رأيناه بشكل واضح بعد عام 2010م، إنّ الصراع على السلطة يغذّي ـ عندما لا يكون ضمن حالة صحيّة وديمقراطية سليمة ـ ثقافة التعصّب والتشدّد والعنف، لاسيما عندما يؤمن الفريقان بأنّ مفتاح الخلاص هو في وصول كلّ واحد منهما إلى السلطة وتمكّنه من نشر قناعاته وإنفاذها في المجتمع.
وفي مجتمعاتٍ لا تعرف النسبيّة في التمثيل، يغدو من البديهي أن يتمّ احتكار السلطة؛ فالديني المتعصّب يسعى بكل ما أوتي من قوّة لحذف الطرف الآخر من الوجود بأيّ طريقةٍ كان، فيما يسعى العلماني المتطرّف لفعل ذلك أيضاً. ويقدّم كلّ فريق من الطرفين الفريق الآخر على أنّه السبب الحصري والوحيد لتراجع أحوال الأمّة العربيّة والإسلامية، الأمر الذي يبرّر له إلغاءه من الوجود، وتحويله من صديق إلى عدوّ، أو إلى ما يشبه الغدّة السرطانية التي يجب استئصالها تماماً. فهذا النوع من التفكير ـ في ظلّ صراع على السلطة ـ لا يُنتج سوى غياب الروح الديمقراطيّة في مختلف مرافق الحياة، ومنها المجال السياسي.
إنّ السلطة هنا لا تقف عند السلطة السياسيّة، بل تمتدّ للسلطة الثقافية والإعلاميّة والاجتماعية، بل حتى لمفهوم السلطة على العالم الإسلامي وتزعّمه أيضاً؛ فكلّ متطرّف ديني أو علماني أو مذهبي يسعى للإمساك بقلوب الجماهير وعقولها بأيّ طريقة حصل له ذلك، ويعتبر أنّ الصراع مع الطرف الآخر غير شريف ولا تحكمه قواعد الأخلاق الديمقراطيّة في الخلاف؛ لأنّ الآخر قد تمّ سلب الصفات الاعتباريّة عنه، بمعنى أنّه لم يعد يحظى ـ من وجهة نظر المتعصّب المتطرّف ـ بأيّ شرعيّة، فالعلماني هو ملحد فاسق مبتدع مارق عند المتطرّف الديني، وهذا لوحده كافٍ في سلبه حقّ الوجود في الحياة تماماً على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي، والمتديّن إرهابي متخلّف رجعي نكوصي ماضويّ تعطيلي عند المتعصّب العلماني، وهذه التوصيفات كفيلة لوحدها في سلبه حقّ الإمساك بالسلطة السياسيّة أو الاجتماعيّة أو الثقافية أو غير ذلك، وهكذا الحال في التعصّب المذهبي حيث يصبح الآخر المذهبي مبتدعاً مخالفاً للسنّة الشريفة منكراً لصريح الكتاب متعسّفاً في فهم الدين.. فما دامت هذه الرؤية موجودة، في ظلّ صراع سلطوي، فإنّها سوف تشتدّ لتبلغ أعنف مراحلها في لحظةٍ ما، وستنتج العنف بأشكاله المتعدّدة.
قد لا نجد فرقاً في هذه الحال بين التعصّب العلماني والتعصّب الديني والتعصّب المذهبي سوى في أنّ هذا التعصّب له لحية أو يرتدي حجاباً أو عباءة، فيما الآخر تعصّب يكشف الجسد أو يكون من دون لحية، وتغيّر مفردات النبذ والإقصاء وغياب الديمقراطيّة لا يضرّ في أصل وجود حالة التعصّب، بمعنى أنّ غياب مفردة التكفير لا يعني أنّ العلماني المتطرّف لم يعد ظاهرة سلبيّة في المجتمع العربي وحالة مضرّة بتنمية هذا المجتمع ورقيّه؛ لأنّ المفردة البديلة جاهزة ما دام المفهوم واحداً وما دامت الروح واحدةً وما دام نهج التفكير واحداً. فليس للتعصب مفردات خاصّة، وإنّما يبتكر مفرداته ومفاهيمه تبعاً للفضاء الذي يحيا فيه، فيستغلّ الفضاء المعرفي والثقافي الذي يحيا فيه ليُنتج منه مفرداته تبعاً له، مثل التكفير في مقابل الرجعيّة والظلامية، وغير ذلك.
المطلوب منّا ليس توحيد مفردات التعصّب وحصرها، بل اكتشاف الحالة القائمة في التعصّب، للبحث عنها في هذه المفردات هنا أو هناك.
وما يلفت النظر أنّ الصراع المذهبي، والصراع العلماني الديني، ثمّة ما يثير فيهما ليطرح علينا هذا التساؤل: من هو المستفيد من حالة الصراع المذهبي أو الفكري في العالم العربي والإسلامي اليوم؟ هل يمكن أن يكون قد أريد لنا جميعاً أن نشتغل ببعضنا، فيشتغل العلماني بالديني، والسنّي بالشيعي، والعكس، كي تتحقّق مصالح فريق ثالث مختلف عن الجميع، فيما يحسِب المتصارعون ويظنّون أنّهم يمارسون نضالاً مقدّساً من أجل الحقيقة، ومن أجل الإنسان، وفي سبيل الله؟! ماذا جنت هذه الصراعات (وليس الحوارات والاختلافات الفكريّة) اليوم سوى تمزيق اللحمة الوطنية في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، وتفتيت الدول القطريّة، وانكشاف مجتمعاتنا وأوطاننا للخارج انكشافاً جليّاً حتى بلغ في بعض المواقع حدّ الانكشاف الأمني الفاحش؟! أظنّ أنّ الأمر يستحقّ أن نفكّر في المستفيد الأكبر قبل أن نغرق في وهم المستفيد الأصغر.
هل يمكن الإيمان بوجود الله والإنسان معاً؟ (حقّ الله وحقّ الناس)
تعاني حياتنا المعرفيّة من ثنائيّة تفرض علينا قهراً اختيار أحد السبيلين، رغم أنّه بالإمكان اختيارهما معاً، ففي العلمانيّة المتطرّفة يتراجع حضور الله بوصفه مرجعاً روحيّاً أو عقديّاً أو تشريعيّاً، فيما في التعصّب الديني يتراجع حضور الإنسان! لماذا يجب تغييب أحد الطرفين كي ننتمي إلى الآخر؟ الأمر عينه نجده في الانتماءات المذهبيّة، فإذا انتميت لمذهبٍ ما فأنت لا تستطيع أن توافق المذهب الآخر في مبدأ فكري معيّن؛ لأنّ هذا الأمر يصيّرك التقاطيّاً أو فاقداً للهويّة!
دعوني أتوقّف قليلاً عند الشقّ المتصل بالقضيّة الدينية والعلمانيّة، فهنا يكمن سؤال ضروري: هل أنا مضطرّ لتغييب الإنسان كي أُحضر الله سبحانه في الحياة؟ وهل حقّاً أنا مضطرّ لتغييب الله كي أعيد للإنسان اعتباره؟
إنّ الثقافة المتعصّبة للحالة الدينية والحالة العلمانيّة تضعنا أمام مفترق طرق، وكأنّها تُلزمنا بتغييب أحد الطرفين، وهنا تكمن المشكلة، فيما المطلوب هو الجمع بينهما، أو الإقرار بإمكان الجمع على الأقلّ، فالله حقّ والإنسان حقّ أيضاً، والله قيمة مقدّسة والإنسان كذلك، هل حقّاً لا يمكن إنتاج فهم ديني يحترم الطرفين معاً؟ وهل حقّاً لا تستطيع العلمانيّة أن تعيش إلا بغياب الله تماماً؟ وهل من الصواب أن نفهم الانتماء لله تنكّراً للإنسان وكفراً به وجحوداً؟!
تكمن مشكلة العقليّة المتعصّبة في أنّها تحدّد بصرامة هويّة الإنسان المتعصّب، لتجعلها ذات لون واحد تماماً، وهذا ما يعني أنّك مضطرّ دوماً للتمايز، وبهذه الطريقة تهدر القيم المشتركة مع الآخرين أو تضمر أو تتراجع لصالح القيم المميِّزة، ولهذا تفضّل التيارات المتعصّبة في المذاهب الدينيّة هويّتها المذهبية أحياناً على هويّتها الإسلاميّة؛ لأنّ الهويّة المذهبيّة تبدي الخصوصيّة فيما الهويّة الإسلاميّة تبدي المشتركات، ولعلّ في ذلك نوعاً من الأنانيّة بحسب المنظور الأخلاقي.
إنّنا نعتقد بأنّه من الممكن جداً أن يعيش الإنسان مع الله، دون افتعال مشكلة بينهما، تضطرّنا لتغييب أحدهما لصالح الآخر؛ والتراث الديني مع التراث العلماني غنيّان بالتجارب التي تحمل ثقافة الجمع والتوفيق، فالإنسان يحيا بالله، بعد أن يذوب فيه، ويصحو به بعد أن يفنى فيه، ويصبح إنساناً كاملاً بعد أن يعبده، إنّه المخلوق المكرّم.. هذه أصول النزعة الروحيّة في التراث الديني للديانات عامّة، وعلينا الاشتغال على إحلال هذه القيم الروحيّة بدل تحويل الدين إلى مجموعة طقوس جافّة مكررة تضحّي بمضمونها الأخلاقي والبنائي، لتتخذ مضموناً أقرب إلى العادة منه إلى العبادة. إنّ هذه القيم الدينية الروحية العالية تسمح لنا حتى بولادة الدين العالمي ـ على حدّ تعبير كانط ـ القادر على تخطّي الهويات المختلفة في بعض امتداداته.
وأيضاً الله قيمة مقدّسة يمكنها أن تساعد على إحلال وترسيخ القيم الأخلاقيّة في المجتمع، لاسيما تلك المجتمعات التي تمثل قضيّة الله جوهر هويّتها الوطنية والثقافية والاجتماعيّة، فلسنا بحاجة لافتعال مشكلة، وإن كانت تنحية الصورة الإشكاليّة المفتعلة بين الله والإنسان في العقل الديني والعلماني المتعصّبَين، أمرٌ يحتاج لجهد تنظيري كبير وقراءات اجتهاديّة جريئة وعميقة، يمكنها أن تحرّرنا من رواسب العلاقة المأزومة المفتعلة بين الله والإنسان في بعض الفهوم الدينية والعلمانيّة.
عندما تنتهي الأهداف عند هدف واحد!
يدعو التعصّب عامّة إلى التعامي عن أيّ مشكلة أخرى في الحياة، ومحاولة حصر المشاكل في الطرف المنافس المختلف معه، لاسيما المنافس السلطوي بالمعنى العام للكلمة، وهذا ما يعزّز بالتدريج في عقل المتعصّبين ثقافة تحميل كلّ سلبيات الواقع القائم في المجتمع العربي والإسلامي لفريقٍ بعينه، ومحاولة التطهّر من أيّ من هذه السلبيات؛ فعند المتعصّب العلماني تتحمّل الحالة الدينية مسؤوليّة الفشل الاقتصادي والتردّي الاجتماعي والهزائم العسكريّة والتراجع الحضاري وانتشار الأميّة والجهل، ومن ثمّ فوظيفة العلمانية اليوم هي ـ فقط وفقط ـ معاداة الدين وتصفية الحالة الدينيّة المسؤولة عن كلّ الفشل القائم، فيما يعتبر المتعصّب الديني أنّ هذا كلّه إنما جاء نتيجة التوجّه نحو العلمانيّة واتّباع الغرب واللهث خلف المصالح الدنيويّة وغير ذلك.
يميل التفكير المتعصّب عامّةً لتطهير نفسه من أيّ مسؤوليّة أو إدانة، وتحميل الطرف الآخر كلّ الإدانات، وهذه الآليّة وجدناها واضحة في الخلاف العلماني الديني بمظاهره المتعصّبة في العالم العربي والإسلامي، فلأنّ المتعصّب لا يقبل النقد، ولأنّ ثقافة التعصّب ترى في فكر الذات عصمةً وتعالياً وتسامياً ونوراً وهدى وبصيرة، لهذا من الصعب أن يُعيد المتعصّب نظره نحو ذاته لتحميلها ولو بعض المسؤوليّات أو توجيه العتاب أو اللوم لها، فضلاً عن إدانتها، فيضع كلّ الأزمات في الفريق الآخر، ولهذا عندما ينجح أحد الفريقين في تصفية حسابه مع الآخر أو يقوم بإلغائه تماماً من الساحة الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة، يفترض تلقائيّاً أنّ الأمور سوف تتحسّن، وأنّ الأمّة ستأكل من فوقها ومن تحت أرجلها، وإذ به يتفاجأ أنّ شيئاً أساسيّاً لم يتغيّر؛ ليس ذلك لأنّ الآخر لم يكن شريكاً في تخلّف الأمور والأوضاع، بل لأنّ الذات كانت شريكةً أيضاً، وثقافة التعصّب تلغي دائماً ـ بحصرها مشاكل العصر بالآخر ـ إمكانية تحمّل الذات أيّ مسؤوليّة، وعندما لا يتمّ اكتشاف تمام منابع المشكلة فإنّ سدّ منبع واحد مفترض لن يؤدّي إلى تلاشيها بالضرورة.
خطوات أوّليّة في طريق الحلّ
توجد سبل كثيرة لفضّ الاشتباك القائم بين العلمانية والدينية في العالم العربي والإسلامي، وربما يمكنني الحديث عن بعضها بنحو الإشارة فقط:
1 ـ البدء بحوار منتج وبنّاء وشفاف وواضح، يقوم على مبادرة الوسطيّين من الطرفين للتلاقي، بُغية تبادل الأفكار، والتفاوض على قواسم مشتركة، وعلى مساحات حريّة محدّدة، ويكون هذا الحوار مستعدّاً للخضوع لقوانين التفاوض، من التنازل عن بعض الأمور هنا وهناك؛ لفضّ الاشتباك القائم المعيق لنهوض الأمّة العربيّة والإسلاميّة.
وأصل أصول هذا الحوار هو تعرّف الأطراف المذهبيّة، وكذا الطرف العلماني والديني، على بعضها بعضاً، بشكل واضح وصحيح؛ فالجهل بالآخر أحد أركان التعصّب تجاهه في بعض الأحيان، تماماً كما هو الجهل عامّة سببٌ رئيس لظهور التعصّب في المجتمع، وكلّما تمكّنّا من فهم الآخر ووعيه عن قرب وضمن حالة تماس إيجابي مباشر كان ذلك أفعل في خلق حياة حواريّة صحيّة معه.
2 ـ يسبق هذا الحوار اعترافٌ حقيقي بالطرف الآخر، بوصفه حالة قائمة فعليّة وحقيقيّة في الوطن العربي والإسلامي، ذات تجربة يمكن الاستفادة من بعض جوانبها وأفكارها، ومن ثمّ فالحوار ليس وسيلة لتضييع الوقت أو كسبه، ولا هو بالتكتيك المرحلي الذي يُراد الحصول من ورائه على شيء آخر غيره، وإنّما هو مشروع استراتيجي حقيقي جادّ للإمساك بكلّ التيارات القادرة على التأثير بغية خلق مرحلة جديدة.
3 ـ إنّ اعتراف كلّ فريق بالآخر وخوضه حواراً معه، يستدعي قيام المعتدلين من الطرفين بممارسة نقد ذاتي، بل وتعميم ثقافة النقد الذاتي، فكلّما سعينا لممارسة نقد ذاتي ونشرنا ثقافة النقد الذاتي بين الدينيّين والعلمانيّين أنفسهم، تراجعت حالة التعصّب تجاه الآخر؛ لأنّ رواج روح النقد الذاتي سيفضي إلى اقتلاع روح التعصّب التي تبدو في الأحادية والإطلاق، ورفضّ الشك، والاستعلاء، وبناء الحواجز، والشعور بالنرجسيّة وغير ذلك. بل قد تفضي حالات النقد الذاتي إلى مشاريع مراجعة أو إعادة نظر، بل إلى مؤتمرات مراجعة حقيقيّة، تضيّق الفرصة أمام المتعصّبين داخل الفريقين.
ومن رحم النقد الذاتي، تأتي دعوتنا لتجديد الخطاب الديني، والخطاب المذهبي، وهي دعوة قديمة معروفة، لكنّ دعوتنا الأخرى التي نرفقها بهذه الدعوة هي لتجديد الخطاب العلماني في العالم العربي والإسلامي، فهذا الخطاب مطالبٌ أيضاً بنقد ذاته وتجديدها ومراجعتها، وبتجديد الخطابات وبُنياتها التحتيّة يمكن أن ننفتح على مستوى آخر، ونتطلّع نحو أفقٍ جديد إن شاء الله.
4 ـ يعني هذا الأمر ـ ببنوده الثلاثة المتقدّمة ـ أنّ على كلّ فريق أن يروّج داخل جماعته لثقافة تفهّم هواجس الآخرين تجاهنا، وليس فقط ثقافة تعميق هواجسنا تجاه الآخرين، ففي هذه الحال تعمّ روح حُسن الظنّ بدل روح سوء الظنّ بالآخرين.
5 ـ القيام بمؤتمرات وملتقيات (وألوان تواصل أخرى) تتناول أهمّ قضايا العصر في العالم العربي والإسلامي، وتعمل على مشاركة الفريقين معاً فيها، ففي قضايا التنمية والاقتصاد والتربية والتعليم والطبقية والفساد والاستبداد وقضايا الأمّة الكبرى وغير ذلك يلزم أن يشارك العلمانيون والمتدينون معاً ـ وكذا أبناء المذاهب الدينيّة المختلفة في أوطانهم ـ في التفكير لمعالجة هذه القضايا في ملتقيات أو مؤتمرات مشتركة أو .. وتأثير هذه القضيّة مهم جداً؛ لأنّه يخلق شعوراً عميقاً بأنّ الآخر شريك في الإصلاح، ويحمل همّ الأمّة، بدل الشعور بأنّه أحد أركان الفساد نفسه فيها.
6 ـ إطلاق مشاريع المصالحة في أكثر من بلد عربي ومسلم بين العلمانية والدينيّة، كما بين المذاهب، ولا نقصد من المصالحة اعتراف الديني بالفكر العلماني قهراً، ولا العكس، بل بمعنى اعترافه بالعلمانيّين ضرورةً، بوصفهم بشرٌ لهم الحقّ في الحياة والتفكير والمشاركة والقرار، ويحملون في تجربتهم عناصر نافعة ومنتجة وصالحة، والعكس صحيح تماماً.
ومن بنود أو الفضاءات الحاضنة لمشاريع المصالحة، السعيُ لوقف الحملات الإعلامية المتبادلة ـ وليس الحوارات الفكريّة في القضايا الخلافيّة ـ وتخفيف حدّة الاحتقان بين الطرفين، وتجفيف منابع التطرّف داخل كلّ فريق.
إنّنا نتطلّع لليوم الذي ندير فيه اختلافاتنا بجدارة، ولا نلغيها؛ لأنّ مشكلتنا ـ كما قلنا مراراً ـ ليست في أنّنا نختلف، بل هذه قوّتنا، إنّما مشكلتنا في أنّنا لا نعرف أو لا نجيد إدارة اختلافنا في الحياة.