اسم الكاتب : زيد محمود علي
مقتطفات لبعض من ذكرياتي في معتقل
قصر النهاية
زيد محمود علي
الأهداء
————
الى الذين تحّملوا عذابات ومعاناة المعتقل من
الذين على قيد الحياة أو الذين أستشهدوا ،
أهدي هذه الصفحات المأساوية من ذكرياتي
الآليمة في معتقل قصر النهاية ، الحكايات
الواقعية والحقيقية ، لتبقى أحدى الركائز
في الاحتجاج ضد جميع المعتقلات والسجون
في العالم …… مع تمنياتي القلبية .
زيد محمود علي
المقدمة
———————
لماذا دفع الشباب حياتهم برخص في المعتقلات من خلال تسلط النظام عليهم وقد أباد النظام الكثيرين من أبناء شعبنا فالدولة العشائرية أفتقرت الى القيود والضوابط وأحتكرت مصادر القوة والسلطة ، وغياب الحريات ، وإلزام الشعب باطاعة الأوامر والنواهي ، وقد حكمت دولة التخلف سنوات طويلة بأضطهاد الشعب من خلال الأبادة الجماعية ، ومواجهة المعارضين بأساليب القتل والتصفية والأعتقال مما جعل الشعب فترة طويلة يعيش في مستنقع التخلف وكما قال أحد رموز الفكر ، أن لا لأمة أذا ضربت عليها الذلة والمسكنة حتى إنها تصير كالبهائم أو دون البهائم لاتسأل عن الحركة … وقد تنقسم على المستبد نادرا ولكن طلبا” للانتقام من شخصه لا طلبا” للخلاص من الأستبداد فلا تستفيد شيئا” أنما تستبدل مرضا” بمرض كمغص بصداع واليوم تعيش حالة جديدة وهذه النظم المستبدة تظل عالقة في أوراق كتب التاريخ المعاصر والتساؤل هنا …هل أن الشعب كان لايريد الحرية ، انه كان يخاف جبروت السلطة وخدر المارقين ، فالشعوب هي التي تنتصر في المطاف الأخير رغم جميع أساليب القوة والأستبداد التي تستخدم ضد الشعوب ………
من البديهيات أن قصر النهاية يعتبر من المعتقلات الفريدة ولايشبه أي معتقل أو سجن في أي مكان من بقاع العالم ، حيث كانت اجهزة الدولة تقوم بأحتجاز وتعذيب الأشخاص الغير مرغوب بهم سياسيا” أو المعارضين لسياسة الدولة ، وهدفها هو مكافحة وتصفية المعارضين لشتى التيارات السياسية ، المهم هو عدم التعرض لسياسة الدولة بأي شكل من الأشكال ، وكان المغزى من هذا المعتقل هو خلق حالة من الارهاب والخوف لدى الخصوم وفي قلوب المعارضين ، وتم تسمية قصر النهاية هو بمعنى القضاء على فكرة المعارضين ونهاية للأنسان المعارض أي مايقصد نهاية فكرته أو نهايته الجسدية ، ومنذ أن أعتقلت في هذا السجن ولحد يومنا هذا ظلت أحداث المعتقل الرهيب في ذاكرتي ولّد في داخلي أنطباع لتلك الفترة التي عشت فيها داخل المعتقل وهي ذكريات مرةّ وأليمة ولاأتصور أن يوما” من الايام أن تمحو ذكريات ذلك المعتقل من ذاكرتي ، ولاأعتقد أنا بالذات بل كل من تذوق مرارة السجن ومعاناته ، سيكون على نفس حالتي ، لأن المعتقل كان رهيب والعاملين فيه وحوش كاسرة لايمدون بأية صلة بالأنسانية وكل ما أصفه هنا هو قليل بحق المعتقل والمعتقلين لأنها كانت فترة زمنية عصيبة ، وكنت دوما” أقارن مع نفسي هل أن هتلر كان يمتلك مثل هذا المعتقل ، حيث شاهدت العشرات من الأفلام التي تتحدث عن المعتقلات والمعتقلين ، وتابعت في مطالعاتي عن قصص وأحداث الجستابو – البوليس السري للنازية في فترة الحرب العالمية الثانية ، لم أعثر على أي معتقل أو سجن على شاكلة قصر النهاية العراقي الذي يبقى وصمة عار على النظام السابق .
البداية
————
في صباح يوم السبت من عام 1971 شهر شباط ، كان الجو ناعم البرودة ، تحركت بالذهاب الى دائرتي الجديدة التي تم أعادتي اليها فترة شهرين وهي دائرة الأستيلاء والاراضي أحدى الدوائر العائدة الى وزارة الزراعة ، وقبل أعادتي للوظيفة كنت في رئاسة الصحة لمحافظة اربيل ، تم فصلي أنذاك لأسباب غير معروفة والى اليوم لم أعرف لماذا تم فصلي ، وعلى كل حال ففي ذلك اليوم المشؤوم عند حوالي الساعة التاسعة صباحا” لم أتوقع حيث تفاجئت دائرتنا بتطويقها من قبل أجهزة أمن أربيل ، وموقع دائرتي كان خلف المدرسة الايوبية لطلبة الدراسة الابتدائية أنذاك ، في وقتها كنت قد تعينت كاتب طابعة وكنت في غرفة الطابعة مع الاخوان كنعان ويونس ، ولم أكن أعرف أن تطويق الدائرة هو لأجل توقيفي أنا بالذات ، وكان مديري أنذاك هو( كاكه ره ش النقشبندي )حاليا” يعمل في مجلس الوزراء الكوردستاني ، وأذا جاء الفراش يطلبني لزيارة غرفة المدير ، ونزلت من غرفة الطابعة في الطابق العلوي ، طرقت الباب ودخلت غرفة مديري وقال لي كاكه ره ش أدخل وعند دخولي رأيت أحد ضباط دائرة أمن أربيل جالسا” عنده ، .. حيث قال ليّ مديرالدائرة ياأخ زيد … أنهم جاءوا حسب ماعرفته لأصطحابك الى دائرة الأمن لديهم بعض الأستفسارات وبعدها بفترة ساعة سيعيدونك الى الدائرة وقلت له نعم لامانع ، فما هو العمل والدائرة مطوقة ، وسلمت على مديري ورافقتهم وكانت ثلاثة سيارات عائدة لمديرية أمن أربيل ، وقبل الذهاب الى دائرة أمن اربيل ، حيث أن هناك أسلوب روتيني متبع من قبل دائرة الأمن في توقيف الموظفين هو الحصول على أمر توقيف من المحاكم ، عندها توقفت السيارات أمام محكمة اربيل القديمة وترجل الضابط مع أثنان من جهاز الأمن اصحبوني الى الحاكم ، وبدون أن يستجوبني منح ضابط الأمن ورقة أذن توقيفي وبعدها أصطحبوني الى دائرة أمن اربيل وهذه الطريقة معمولة بها لربما فقط للموظفين حسب أعتقادي .
في دائرة أمن اربيل
———————
كنت بمرافقة ضابط الأمن ، حيث أخذني الى غرفته وطلب مني الجلوس ، وجلست أمامه وهو جلس خلف المنضدة الخاصة به ، وتكلم معي بأحترام متزايد وقال لي ماذا تطلب من غذاء ، وأضاف أن الطريق بعيد ويجب أن تأكل شيء قبل المغادرة ، وقال أن هنالك بعض الاستفسارات البسيطة يتم أخذها منك ومن ثم العودة بك الى اربيل
وأضاف بقوله ، نحن فقط مأمورين لا أكثر ….ولم يحدد المنطقة التي سنتوجه اليها ، لكن توقعاتي كانت بغداد لايقبل الخطأ ، وعندها طلبت ( الغذاء ) حيث لاحول لي ولا قوة وفعلا” أرسلوا أحد الأشخاص من أفراد الأمن لجلب الغذاء من خارج الدائرة ، وبعد أنتهائي من الغذاء طلبوا مني التوجه الى السيارة لنقلي وكانت السيارة شوفر ليت ( دبل قمرة ) وقد طلبوا مني الجلوس في الوسط بين شخصين من جهاز الأمن وأعتقد أن هذه الطريقة هي خوفا” من هروب المعتقليين ، أو أي عمل أخر يقوم به الموقوف في اوقات السير ، وهذه الطريقة تستخدم مع جميع الموقوفين الذين يتم أرسالهم الى بغداد ، وهذه الطرق المتبعة روتينية ، وفي حوالي الساعة الخامسة عصرا” وصلنا الى بغداد ، وتم تسليمي الى الشعبة السياسية في مديرية الأمن العامة ، لا أتذكر الشعبة الثالثة أو الرابعة ، وعندها ادخلوني أحدى الغرف طلبوا مني تسليم جميع ما أحمله من ساعة يد وقلم وأية حاجة أخرى غير الملابس والنقود حيث وضعوها في كيس خاص وكتبوا أسمي عليها ، ثم أخذوني الى قاعة كبيرة يطلق عليها الموقوفين بأسم قاعة شيكاغو لا أعلم من أين جاءت هذه التسمية ، وكان في القاعة ما يقارب الأربعين معتقلا” سياسيا” كانوا فيها ، وعند دخولي أخذت بالتوجه لأحدى أركان القاعة للجلوس ، وفي عقلي الخوف والتساؤلات مع نفسي وعائلتي تأتي في ذاكرتي ، وفي تلك الاثناء كنت أفكر في الكثير من القضايا التي تمسني هذه كانت حالتي ، وبعد جلوسي بدقائق جائني أحد الأشخاص من المعتقلين يسألني ماهي تهمتك السياسية ، ومع من كنت تعمل ..؟ قلت له لاأعمل مع أحد أنما فقط تهمة ، أثناء حديثي معه لاحظت أحد الاشخاص من بعيد يؤشر بيديه ويحذرني من الكلام ويطلب السكوت ، بوضع أصبع يده أمام فمه ، عندها علمت مايقصده أحترس من هؤلاء ، الظاهر هو وجود عناصر مندسة داخل المعتقل ، أو أن وجود معتقليين سياسيين منهارين وأعترفوا وهم متعاونيين مع الجهاز الامني للحصول على معلومات أولية قبل سوقهم الى هيئات التحقيق وهذه الأساليب كانت تستخدم مع كافة المعتقلين الذين يتم جلبهم .
التوجه الى قصر النهاية
————————–
. وفي صباح اليوم التالي تم أستدعائي من قبل أحد أفراد جهاز الأمن العامة ، قال لي …أجلب حاجياتك للذهاب الى مكان التحقيق وصعدت أحدى السيارات مع أفراد من جهاز الأمن وتوجهت السيارة في طرقات بغداد وعندما توجهت الى منطقة الحارثية في بغداد قرب جسر الخر والقريبة من معرض بغداد الدولي عندها توقعت نحن متوجهون الى ( معتقل قصر النهاية الرهيب ) وفعلا” كان ذلك صحيحا”حسب توقعاتي ، وبعد الوصول طلبوا مني النزول ، حيث ترجلت ماشيا” الى القصر الذي تفاجئت برؤيته ، لأني رأيت القصر في صور قديمة من مجلات جلبها والدي وهو من أتباع الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ، في بدايات أنقلاب ثورة (14) تموز الخالدة والتي تم تحريفها نحو الهاوية ، وعرفت هذا هو ( القصر ) الذي كان يسمى في العهد الملكي ب( قصر الزهور ) مكان الأسرة المالكة رحمهم الله ، ملكة عالية وملك فيصل والوصي وجميع من كان لهم علاقة بالعائلة الملكية ، وبعد ثورة تموز أصبح القصر مستشفى للآمراض الصدرية العسكري ، وفي فترة حكم صدام حسين أصبح معتقل يسمى قصر النهاية يشرف عليه مدير الأمن العام ناظم كزار الذي تم تصفيته فيما بعد ، وبعد دخولي القصر طلب مني أحد المسؤوليين من جلاوزة القصر الوقوف ووجهي الى الجدار دون النظر الى الخلف ، أثناء وقوفي كنا خمسة أشخاص من ضمنهم أمرأءة كانت تبكي بحرارة وبعد وقوفنا صفا” واحدا” مدة نصف ساعة بعدها جاءوا مجموعة من جلاوزة القصر ، أخذوا بالضرب علينا من الخلف ، بالركلات بالارجل والضربات ولم نعرف من أين تأتي الضربات الموجهة لنا ، ونحن لاحول ولاقوة لنا ، وحتى أستخدموا الكيبلات الكهربائية حتى مع المرأة التي كانت واقفة معنا ، لكن أكثرنا فقد وعيه … ، وأستيقضنا ، بعد فترة رأينا نفسنا في غرفة التعذيب ، رأيت شخصا” معلق من قدمه ورأسه نازل الى الاسفل وأخرين جالسين ، وأخرين متمددين على الأرض وأجسامهم ملطغة بالدماء وقسم آخر ينتظر دوره ،وأنا واحد منهم ، وهذه الغرفة تسمى بغرفة ( المكينة ) هو جهاز تعليق المعتقلين ويقوم السجان بالضرب على أسفل الأرجل بكيبل كهربائي ، وهنالك جهاز آخر يسمى ( ماسك الرأس ) وهذا الجهاز يمسك الرأس بأحكام كطوق الرأس وهنالك قطارة تقوم بعد المسك بتقطير الماء الحار على الرأس في حالة تشغيله ، وهذه الأجهزة استخدموها علينا لمدة أسبوع كامل وعلى فترات وجرعات وكان أحد الاشخاص المعتقلين من أهالي منطقة محافظة ميسان المدعو ( بوحسين) من تنظيمات القيادة المركزية للحزب الشيوعي جماعة عزيز الحاج الذي كان يبث العزيمة والأصرار على تحمل التعذيب وتقبل هذه الحالة التي واجهت الكثيرين لأول مرة ، وكان يقول لنا هذه هي حالة مفروضة علينا من القتلة وأعداء الشعب هل تخافوهم …، وعلينا تحمل أساليب الجلاوزة لأننا جميعنا على حق وهم على باطل ، أخواني كونوا على تحمل هنا لكسر مايفرضونه علينا ، وهذا المكان بالذات مكان الأبطال الذين يقفون ضد أشرس سلطة دكتاتورية ، وحقيقة أن أقوال ( ابوعلي ) وأحاديثه داخل غرف التعذيب كانت تثلج صدورنا ، وتعطينا آمل لأننا كنا في حالة صدمة وخوف ، وكنت أقول مع نفسي أيوجد أمثال هؤلاء الأبطال ، حيث الكثيرين من المعتقلين لاتجاهات عدة لم تكن لهم الرغبة بالتحدث مع أي شخص في حين نرى هذا الشخص يحث الأخرين على الأصرار والثبات وقوة العزيمة وبعد فترة أسبوع تم نقلنا لزنزانات أنفرادية تقريبا” مساحة الغرفة (5/2) متر لا أكثر ، وأعطوا لكل سجين أناء صغير وذلك لأستلام حصته من الغذاء ، وحيث أن الخروج مرتين في اليوم صباحا” ومساءا” وذلك للذهاب الى المرافق الصحية ، هذا ما تم تخصيصه من قبل مسؤولي السجن وحسب أوامر من أدارة السجن ، وهنالك حاله هو عندما يقوم السجناء بالانطلاقة الاولى للذهاب الى المرافق الصحية يقف أحد الجلاوزة من المجرمين بضرب المعتقلين في حالة الذهاب والأياب ، وهذا البرنامج متبع يوميا” ، وتعرفت في هذا القاطع من الموقوفين على بعض الأشخاص وهو المدعو ( مامند حمد مندو ) من محافظة اربيل لم أعرف تهمته ، وضابط الطيار الحاج شريف كذلك من محافظة اربيل والشهيدين ، محسن وأحسان حمه ره ش كذلك هم من محافظة اربيل ، والاستاذ المرحوم محمد عبدالرحمن القصاب الذي تم أعتقالي بعده بأسبوع وبعض من شرطة الحدود الأيرانية ، وكانت لي علاقة مع الجميع علاقة طيبة ، لأننا جميعا” كنا مظلومين في هذا السجن الرهيب ، الذي ظل ولم ينتهي فهي الصدف وقسمة رب العالمين . وكنا في ليالي كثيرة نجلس في زنزاناتنا ، نسمع أغاني أم كلثوم الصوت الشجي الذي كان يأتينا الصوت من مكان قريب وهو معرض بغداد الدولي ، وكنا نرتاح نوعما عند سماعنا للآغاني وخصوصا” أغنية ( شمس الاصيل ) كانت هذه الأغنية تعاد كل يوم ، وقد أنطبعت الأغنية في دماغي وخيالي وحتى بعد خروجي من السجن ، كلما أسمع هذه الأغنية تعيد الذكريات لهذا المعتقل الرهيب والزنزانات الانفرادية ، وكنا في تلك في تلك الزنزانات كانت السكائر من أهم المواد التي تتداول بين المعتقلين ، والذين يحصلون على سكارتين يكونون ذلك اليوم قد حصلوا على شيء ثمين لا مثيل له ، وكان أحد المعتقلين وهو كان يسمى ( محمد الأعور ) من الكورد الفيليين رجل شهم لايخاف العقاب ، حيث أن أية مخالفة من قبل المعتقلين داخل قصر النهاية يتم ارسال المخالف الى غرفة ( المكينة ) والكثيرين يخافون المخالفة وأنا من ضمنهم ، وفي أحدى الليالى أشتكى أحد المعتقلين من أصحاب النفوس الضعيفة الذين يريدون أن يحببوا أنفسهم لدى جلاوزة القصر ، وأوصل معلومة للمسؤولين الأمنيين بأن ( محمد الأعور ) يعطي سكائر للمعتقليين الأخرين ، عندها أخذوه الجلاوزة الى ( غرفة المكينه ) وبعد ساعتين جلبوه جثة هامدة ، حيث ظل فترة أسبوع راقدا” في الفراش لايخرج الى ( المرافق الصحية ) الا مرة واحدة في اليوم ولايأكل الا قليلا” وبعد أسبوعين تحسنت حالته الصحية ، تعرفت عليه من خلال التحدث معه من وراء القضبان وكان مقابل باب زنزانتي وكنا نتكلم فترات ، كان يثق بي ، وكنا في الزنزانات الصغيرة الأنفرادية كانت حالة صعبة جدا” هو النوم على الارض ببطانية واحدة ، ورداءة الغذاء ويضاف لكل ذلك التعذيب والضرب المستمر ، وقضينا ثلاثة أشهر ومن ثم تم نقلنا الى القاعة رقم 1 تحوي (40) معتقل من السياسيين ، وهذه القاعة مجاورة لقاعة رقم 2 والقاعتان أمامهما حديقة صغيرة ويربط مع القاعتين مجموعة مغاسل ومرافق صحية ، وفي تلك الفترة تعرفت على بعض الاشخاص من محافظتي أربيل وهم المرحوم أحسان ومحسن حمه
ره ش كانوا شجعانا” وأصحاب مواقف حيث تعرفت عليهم في السجن وهم أخوة ، وقالوا لي نحن من منطقة الاسكان في اربيل ، وقلت لهم أني من منطقة أزادي القريبة لمنطقتكم ، وأثناء فترة أعتقالي علمت أن المرحوم حسين شيرواني مدير شرطة اربيل السابق كان في أحدى زنزانات القصر وموقوف معنا لكني لم أراه وفي القاعة التي كنت فيها كانوا الاشخاص من المعتقلين معي ، أمثال احمد المشهداني ن .ض عسكري متهم بنفس تهمتي ، وبدر المشهداني – أبو شيماء – من نفس تهمتي – على خط اليسار وكذلك زعيم لطيف وحسين نعمة ، نفس تهمتي ، ومحسن العساف مدير البنك المركزي ، في عهد نظام البكر وعزيز الحاج سكرتير الحزب الشيوعي القيادة المركزية ، وغيرهم العشرات من السياسيين والرسامين والفنانين والشعراء ، أمثال الفنان التشكيلي قاسم الساعدي أحد العاملين في مجلة الهدف اليسارية وصديقي القديم وهو من أهالي بغداد ، ومحمد عبد الطائي الذي أعدمه النظام والمرحوم الاستاذ محمد عبد الرحمن القصاب من أعز أصدقائي والقريبين لّي والذي تم توقيفه معي في نفس الأسبوع ولكل من هؤلاء قصه ….
أن الاحزاب التي تم توقيفها واعتقالها أنذاك هي الاحزاب – البارتي أي الحزب الديمقراطي الكوردستاني و الحزب الشيوعي القيادة المركزية ابراهيم علاوي وعزيز الحاج ، حزب الدعوة – القوميين العرب ، اليساريين السوريين ، الفاطميين – وبعض من حرس الحدود الايرانيين أضافة الى مستقليين معارضيين وقضايا لاصلة لها بالسياسة .
حكاية الشاعر الذي اتهم بالجنون
———————————————-
أما قصة الشاعر معلم الابتدائية ( أبو رسن ) من أهالي محافظة الناصرية الطيبين ، يقال أنه كان أنسان شاعر ومثقف كبير ، لكن التعذيب والصدمات الكهربائية بجهاز الكاوية ، أفقده عقله ، وأساليب التعذيب لفترة جعل منه أنسانا” مجنونا” ، فأبو رسن كان يلقي الأشعار بحدود المئة بيت من الأبيات الشعرية ، فهذا عند الطلب ، أي عندما يطلب منه المسؤولين في الخفارة بالقاء شعر غزل ، فيقوم بألقاء الاشعار وخاصة في فترة الليل بعد الساعة الحادية عشر عند عودة الجلاوزة من خارج القصر وهم سكارى وقضوا وقتا” مريحا” مع العاهرات ، فعند رجوعهم يقومون بتسلية أنفسهم هو أهانة المعتقليين وخاصة يرسلون على أبو رسن ، يطلبون منه القاء الأشعار لهم ، وحسب طلبهم عن الحب أو الغزل أو أي شيء ومايعجبهم وهو يقف أمامهم يلق الأشعار بجدية دون توقف وكأنه واقف أمام حفل كبير ، وهم جالسين يضحكون ويقضون الوقت لأنهم لاينامون يبقون ساهرين حتى الصباح ، وبعدها يطلبون منه أن يجعل نفسه كلبا” ، ( يعوي ) شبيها” بالكلب ، ويقوم بتمثيل حالة الكلب عند المسير على الاربعة ، القدمين واليدين ، بتقمص حالة الكلب ، وأذ يتعاجز عن بعض الحركات فهم يقومون بضربه ، وكان الجميع في المعتقل ، ينتابهم الكآبة من تلك الواقعة لابو رسن ولاسيما عند أطلاق نباح الكلاب ، وهم يضحكون …… هذه مأساة أبوسن الشاعر والمثقف ….
قصة الفنان قاسم الساعدي
——————————–
أن أساليب التعذيب المتعددة والمتنوعة أخذت أشكال كثيرة من ضمنها ، كلف الرسام قاسم الساعدي برسم صورة أحد الموقوفين الموجودين داخل القاعة وهو رئيس حزب قومي موقوف على ذمة التحقيق ، وقد أوعزوا الجلاوزة بوضع سندانه ثقيلة مملؤة بالرمل على رأسه وقالوا لقاسم أبدأ بالرسم ولاتستعجل ، نريد الصورة واضحة وجيدة ، وأخذ قاسم يرسم بناءا” على أوامرهم ، وقد أستغرق في عملية الرسم فترة ساعة الى أن سقط ارضا” رئيس الحزب فاقد الوعي لدقائق ، وبعد أن أستيقظ أخذ بالبكاء لأن السندانه كانت ثقيلة وأنه لم يستطع من تحملها أكثر من ساعتين خلال فترة الرسم وهم طلبوا زمن الوقت وهذه كانت أحدى أساليبهم في التعذيب والأهانة .
حكاية أبو مهدي
—————
قصة أبو مهدي الأصلع قصة حزينه ‘ كان أبو مهدي موقوفا” في القصر وتهمته كانت هي محاولة أنقلابية مع مجموعة عسكريين وهو برتبة ( ن.ض ) وهذه التهم هي تلصق بكل معارض وهي كحجة لاأكثر وابو مهدي لطيف الخلق ومتكلم لبق ومرات كان يقول أن ( المحاولة الانقلابية ) هي أتهام فقط ، أن النظام حينما لايستطيع من كسب الأشخاص أو يعرف أن الشخص ليس معه حتى أن لم يكن مرتبط بتنظيم سياسي أو حزب سياسي ، يقوم بأتهامه بهذه التهم ، خاصة للعناصر العسكرية وعلى كل حال ، فقد أرسلوا على أبو مهدي وكانوا جالسين في غرفتهم بحدود ثلاثة أشخاص ، والغرفة كانت مجاورة لقاعتنا ، حتى الصوت والتحدث فيما بينهم كانت تصل الينا ، فأثناء الحديث جاء صوت ( أبو مهدي ) بقوة الرعد ، وبعدها أخذوه الى المستشفى وعلمنا أن هولاء المجرمين قاموا بسكب قدر من الماء المغلي على رأسه ولم نعرف الأسباب ، وقد مكث أبو مهدي في مستشفى المعتقل ( 15 ) يوما” ومن ثم أعادوه الى المعتقل وأثار ذلك العمل ظاهرة على رأسه وبالأخص صلعته التي أحترقت ، وبعد عودته من المستشفى حكى لنا الحكاية المحزنة ، فقلنا له أن الأثر هو في صالحك وهو علامة معتقل قصر النهاية ، وقلنا له لاتحزن ، كان أنسان شهم وطيب النفس .
حوض التيزاب
————————-
لم أرى موقع حوض التيزاب لكني كنت على يقين أنه موجود في القصر حيث سمعت حكايات كثيرة مع الموقوفين داخل ، المعتقل ، فقط هؤلاء الذين شاهدوه من السجناء السياسيين ، للضغط عليهم في استجوابهم وأخذ الاعترافات منهم ، ونقل لنا أحدى تلك الحكايات أبو علي ، أحد عناصر تنظيم القيادة المركزية ، حيث قال يوم من الأيام جمعونا نحن مجموعة من السياسيين وأوقفونا صفا” واحدا” ، وجاءوا بشخص وقذفوه أمامنا الى داخل الحوض وكان يصرخ من الألم وجسمه يتأكل من التيزاب والبخار يتطاير وهذا الشخص المتحدث عن الحادثة ، كان من أهالي الديوانية المدعو ( داود سلمان ) قال أن المنظر كان بشع جدا” وظل في خيالي أشهر وأنا اتذكر تلك الواقعة في منامي كل ليلة ، وحسب ماعرفته أن الذي تم قذفه كان من المعارضين الأشداء ، وأن قذف الأشخاص في حوض التيزاب هو أسلوب النظام في خلق حالة الأنهيار في نفوس السياسيين والمعارضين ( أبو سلمان ) كان أقرب الناس ليّ في القاعة لأنه من محبي لعبة الشطرنج كنا نمارس اللعبة داخل المعتقل وقد عملناأحجار اللعبة من ( لب الصمون) ومن ثم نقوم بتلوينه أضافة الى ذلك فأن أبو سلمان مثقف يساري رغم أنه لايجيد القراءة والكتابة ، لكنه مثقف شعبي خريج تنظيمات القيادة المركزية ، وفي بعض الأحيان كان يشرح لنا مفاهيم سياسية مع الاقتصاد السياسي ، وغيرها من مواضيع ، أنه طيب القلب يمثل أبناء الريف الطيبين .
المشرفين على القصر من الجلاوزة
كان المشرفين على تعذيب المعتقلين من الجلاوزة هم ( ناظم كزار ) ومعروف لدى الوسط العراقي وخاصة الوسط البغدادي ، كان المدير العام للآمن العامة ، وكان يسمى بالعم الكبير من قبل الجميع العناصر العاملة في القصر وهو المشرف العام على جميع أساليب التعذيب في المعتقل وكان يقتصر عمله على تعذيب المسؤولين الكبار من الأحزاب المعارضة فقط ، ويأتي من بعده ( فؤاد الأعور ) من المجرمين من الطراز الأول القتل لديه كشرب الماء ، وكان مساعدا” لناظم كزار وهو المسؤول الأول بعد ناظم على شؤون القصر ويقوم بالتحقيقات الأولية مع المعتقليين ، وبعده يأتي رشاد التكريتي أحد المسؤوليين المهمين في القصر ويأتي من بعده أحمد الجبوري قيل عنه أنه أبن المطربة المشهورة وحيدة خليل ، كان عسكري المسلك وتم تنسيبه في قصر النهاية للقيام بتعذيب وضرب المعتقليين وأما المدعو ( طلال ) وهذا كانت لديه قصه حيث متواجد ليلا” ونهارا” داخل القصر ومن الجلاوزة ولديه حكايه ، حيث قالوا عنه أصبح موظف خدمات لأنه توقف عن تعذيب المعتقليين يقال في أحد الأيام قام ( طلال) بتعذيب أحد الأشخاص ويقال أن الشخص قضى نحبه في التعذيب ، تحت يد طلال ويقال أن الشخص الذي تم تعذيبه ينتسب الى السادة والمؤمنيين وجاء الشخص المرحوم في حلم طلال عدة ليالي مما جعله يعتكف ويطلب ألأعتذار من العم الكبير بتنسيبه لعمل آخر وفعلا” يتم الموافقة على تنسيبه بعمل آخر ، وهذه الحكاية معروفة لدى جميع المعتقلين ، أي يرى طلال أحلاما مزعجة أثر قتل هذا الشخص ويقال أن طلال تعّقد نفسيا” جراء هذه الحادثة ، وهنالك أشخاص كثيرين يعملون داخل القصر لاأعرف أسمائهم ، وأكثرهم كانوا من الشباب والمراهقين جلبهم ناظم كزار من الأتحاد الوطني لطلبة العراق ، وأستخدمهم أداة لتعذيب الأخرين داخل المعتقل ، أما تواجد ( جبار كوردي ) داخل القصر هو حماية نفسه من المعارضين ، وبأعتبار أن المكان آمن ، وبأعتبار جبار كوردي قتل المعارضين من السياسيين بأمر من صدام حسين أكثر من (99) شخصية سياسية ويقال أنه كان له الدور في قتل ( حردان التكريتي ) الوزير السابق ، ولكن قتل جبار على أيدي أجهزة الأمن العراقية كما قيل في فترة محاولة الأغتيال بعد غلق القصر وخاصة أنه شكل خطرا” على دولة النظام وخاصة كان له عداوات كثيرة وخاصة مع مسؤولي الدولة لأنهم يخافونه كونه كان أداة لصدام في تصفية القيادات من حزب البعث ، ومكروه على طول الخط من قبلهم وبالأخص مع عبدالله فاضل أحد وزراء النظام وكذلك شخصيات من عشائر تكريت سكنة منطقة الكرخ في بغداد وعلى هذا الأساس قام النظام عن طريق اجهزته الأمنية بتصفية جبار كوردي وعائلته ، وحسب ماعرفت أن جميع عائلته تم ضربهم الأبر السامة وهم سبعة اشخاص وكانوا موقوفين داخل الأمن العامة اثناء توقيفي وقد التقيتهم هناك والبعض منهم أصلا” ليس له صلة بالسياسة وليسوا مذنبين ، لكن أمر التصفية والقضاء عليهم فيما بعد كان قرار الاجهزة الأمنية للنظام .
حكاية سيارة الأوساخ
——————————————————–
مرة كل أسبوع تدخل سيارة الأوساخ الى داخل معتقل قصر النهاية ، عندها يطلبون من المعتقلين بتحضير الأوساخ والوقوف صفا” واحدا” وبالتسلسل طابور طويل ويتقدم واحد واحد لتسليم الأوساخ وعندما يتقدم الأول وبالتسلسل عند تسليم الأوساخ لكل شخص من المعتقلين يقومون الجلاوزة بضربه بالكيبل الكهربائي مع آهانته وسبه بشتائم بذيئة وهذه الحالة أسلوب آخر متبع في أهانة المعتقلين وأكثرهم شخصيات برتب كبيرة من العسكريين والمدنيين منهم وكلاء وزارة ومهندسين وأطباء في دوائر الدولة الخ ……
حكاية الشاب السوري
————————-
في اثناء توقيفي الجميع جالسين منهم كانوا يلعبون الشطرنج وقسم آخر يتحدث آ ثناء ذلك جلبوا شاب سوري بعمر (15) سنة تم القبض عليه في الحدود السورية العراقية ، وعند ما جلبوه ليلا” الساعة الواحدة ، لم يمضي عليه ساعتين الا وقضى نحبه وتوفي داخل المعتقل نتيجة الخوف من واقع المعتقل لأنه بهذا العمر لم يرى بحياته مثل هذا المعتقل كان قد أصيب بصدمة خوف ولم يتحمل ذلك الوضع وعلمنا أنهم قاموا برميه في حوض التيزاب وفي اليوم التالي أتفق جميع الموقوفين من المعتقلين بمظاهرة الصمت وعدم التكلم لفترة 24 ساعة أحتجاجا” على هذه الواقعة وهو الرد المناسب داخل المعتقل ، وقد أحس مسؤول المعتقل من الجلاوزة لهذه الواقعة وجاء احمد الجبوري متوعدا” الموقوفين بالعقاب الصارم ، وفي الليل بعد الساعة (12) ليلا” أخذونا واحدا” تلو الآخر الى غرف التعذيب (المكينة )ليكون الرد على الأحتجاج وخاصة القياديين من الاحزاب تم معاقبتهم بشدة .
حكاية مصلح الدراجات
—————————————————————-
في المعتقل كانت هنالك الكثير من الحكايات ، لاتمت صلة بالسياسة ، فحكاية مصلح الدراجات المدعو ( مهدي البايسكلجي ) واحدة من أغرب الحكايات ، كان صاحب دكان لتصليح الدراجات في منطقة الكرخ ، سألته مرة عن تهمته ، قال لي ، أني ليست سياسيا” وسأشرح لك قصتي .. وقال أني كنت كثيرا” ما أجري أتصالات هاتفية مع الفتيات دون تحديد الرقم وكنت أتابع بعض الارقام الهاتفية وخاصة أذا عرفت أنها أمرأة ، ففي أحد الأيام أجريت أتصال هاتفي مع أحد الفتيات وقد جاملتني بحرارة وبود وأحترام هذه الفتاة قالت لي أتصل بي بأستمرار وأتصلت بها أكثر من مرة وكنت أغازلها من خلال الهاتف وفي المرة الرابعة طلبت مني تحديد موعد خارج البيت للقاء ، وقال مهدي ذهبت اليها ولكني أستغربت من وضعها وملبسها ، يدل وضعها أنها من عائلة غنية ، وعلى كل حال جلست معي في أحدى المنتزهات نتحدث ، لأول مرة قلت مع نفسي حصلت على كنز لايقدر ، وأنا في خيالي وبعد مرور نصف ساعة على اللقاء شاهدت سيارتين وقفت أمامنا ترجلوا منها شخصين مدججين بالسلاح وطلبوا مني مرافقتهم وقالوا أنت بالذات ، تعجبت ولم أفكر بالموضوع وذهبت معهم وقلت لصديقتي سأراكي بعد فترة عند رجوعي لأن الأخوان مخطئين بي ، وبعد صعودي السيارة معهم جلبوني الى قصر النهاية وبقيت فترة أسبوع كامل أنا في داخل غرف التعذيب ، وبعدها قالوا لي الا تعرف هذه الفتاة أنها أبنته عقيد في جهاز الأمن الخاص ، وقلت مع نفسي تورطت في قضية كبيرة ، وعرفت المصيبة وقعت في مصيدة خطيرة ، وقد أستخدموا معي جميع أساليب التعذيب والأهانات وقالوا لي أنك ستقضي ثلاثة سنوات في هذا المعتقل ، كعقوبة وأنا هنا أمامك ( مهدي البايسكلجي ) مصلح الدراجات الهوائية الذي لايعرف شيء” عن السياسة لكني خضت أكبر تجربة في حياتي وعرفت أن هنالك العشرات من المظلوميين السياسيين وأنا اتعاطف معهم .
دكتور الأسنان محمد علي القويزي
————————————————————
كان معنا في المعتقل – الدكتور طيب القلب والمعروف من عائلة معروفة وكانت ليّ علاقة به جيدة وكذلك أنه أنسان غير سياسي ، وحكايته ، قال ليّ أنهم جلبوني الى هنا دون أسباب ، أستغربت ، وأضاف بقوله كانت لديّ عيادة أسنان في بغداد ، وكان يتردد عليّ بعض الأشخاص لا أعرف عنهم شيء وكانوا يتابعوني من خلال مراجعاتهم للمعالجة ،وكنت أنا أنتقد بعض الظواهر السياسية والاقتصادية في البلد ، ونتيجة لذلك تم أعتقالي من خلال تقارير الجواسيس ، واليوم أنا أقضي محكوميتي في معتقل قصر النهاية ، وأنا لم أقصد شيئا” في أنتقادي سوى مصلحة البلد ، وقد كان الدكتور من المقربين ليّ في المعتقل حيث نتبادل الاحاديث في قضايا همومنا داخل المعتقل ، وأن الدكتور كان يتفاوت معي العمر لأنه كان كبير السن ، وبعد خروجي لم أعرف عنه شيئا”الذي ظل في ذاكرتي وحامله في قلبي .
عزيز الحاج وأحمد الحديثي
————————————————————-
تعرفت عليهافي المعتقل – عزيز الحاج شخص معروف كان سكرتيرا” للحزب الشيوعي – القيادة المركزية ، ومن الكورد الفيليين مثقف ثقافة موسوعية ، وكاتب جيد ، لكنه أنهار في الفترة الأخيرة من أعتقاله ، كان يقول أن ذلك خارج عن أرادتي – أنتهى الحزب وقبل أطلاق سراحه بيومين تعرفت عليه ، ونحن بقينا في المعتقل ، أما أحمد الحديثي كان أحد قياديى الحزب للخط الطلابي ، كان عنصر هزيل وفاشل بمعنى الكلمة ، هذا الشخص كان معنا في الزنزانه لقد جلب أكثر من ( 150 ) شخصا” الى المعتقل بعد الأعتراف عليهم ، بأعتباره مسؤول التنظيم الخاص بالطلبة ، وفي كل ليلة يصيح بأعلى صوته على مسؤولي السجن ، أخرجوني بسرعة تذكرت بعض الأشخاص الذين لهم علاقة بتنظيمنا لجلبهم الى المعتقل وكانوا الجلاوزة يقومون بأخراجه وبعد ساعات يجلب عناصر جديدة يتم أعتقالهم ، أنسان متخاذل ، وفي أحدى المرات أراد أن يعيد العملية صاح عليه أحد الأشخاص من المعتقلين وهو أسمه ( رحيم ) كوردي فيلي ، معتقل من جماعة القيادة المركزية ، لم يتحمل مايقوم به أحمد الحديثي ، وقال له يا جبان الا تستحي من نفسك اهذا هو شرف التنظيم الذي كنت مسؤول عليه وسكت وجلس في مكانه وقال له يا رحيم لو لم تكن كوردي فيلي لعلم الله ماذا سأفعل بك من خلال أخباري عليك لمسؤولي المعتقل ، وقصة أحمد الحديثي بعد خروجنا من المعتقل التقيته بالصدفه يشرب قنينة بييبسي في أحدى الدكاكين المجاورة لسينما صلاح الدين في اربيل ، ويرافقه عناصر من جهاز أمن أربيل ، وسلم عليّ وقال ليّ أني حاليا” أعمل في مديرية أمن أربيل ، وأذا أحتجت لشيء فأنا في خدمتك ، وهذا الأنسان الذي تحول من أنسان ثوري الى مسلك الأمن وبعدها لم أصادفه وذهب في طي النسيان .
محسن العساف مدير البنك المركزي
—————————————————————-
يضل في الذاكرة مناضل يساري معروف داخل المعتقل ، وقد تم تعذيبه بأساليب شتى بالمكواة الكهربائية في جسمه ، تراه خريطه لأثار التعذيب أنطبعت على جسمه ، كان هذا الشخص مديرا” للبنك المركزي العراقي ، ولديه تنظيم يساري معادي للسلطة ، قضى فترة طويلة داخل المعتقل ، كانت الدولة تخافه كان منصبه قبل دخوله المعتقل وبعد أطلاق سراحه ترك العراق مهاجرا” الى المانيا ، وبعد خروجي أنا من المعتقل سمعت أخباره من خلال شخص كان معنا في المعتقل ، قال رأيته في أحد الشوارع في العاصمة برلين يبيع باقات ورد للمارة ، قال لقد تأثرت من الموقف كثيرا” وقلت له يا أخ محسن ماهذا العمل لايليق بمقامك … قال لقد جاوبني … يا أخ .. أني سعيد جدا” بهذا العمل لأني عشت مرارة الحياة ومآسيها في المعتقل وبين هذه الحياة البسيطة والتي عندي أفضل شيء والناس هنا لايعرفونني من أكون ومن أنا لكني أمارس حريتي وأنا طليق كالطير بعيدا” عن كل شيء أسمه الدكتاتورية .
حسين نعمة وأحمد المشهداني
أسماءضلت في الذ اكرة أحمد المشهداني رجل يسارى كان يتظاهر بالجنون لكنه لم يستطع التملص والتخلص من تعذيب الجلاوزة ، حيث أن قياساتهم كانت هو كل الأشخاص الموقوفين هم مجرمين بدون أستثناء أن كانوا مختلي العقل أو أصحاب عقل ناضج لايهمهم ذلك لديهم أوامر وصلاحيات لتعذيب المعتقلين وأنتزاع الاعترافات منهم ، أما حسين نعمة الأنسان المكافح والمناضل والمثقف ، من أقرب أصدقائي ، لقد كان هذا الأنسان من أهالي الناصرية ، سكنة بغداد ومتهم بالتيار اليساري ، قضى فترة طويلة موقوفا” داخل المعتقل وكان الشخص الوحيد من جميغ المعتقليين الذي يتم تعليقه في شباك المرافق بصورة مستمرة وبتوجيه من ناظم كزار لكونه العنصر الوحيد الذي نظم الكثير من الضباط داخل صفوف الفيلق الخامس ، والذي كان يتحدى الجلاوزة داخل المعتقل لم أراه بعد نقله من القاعة ، لحد خروجي من السجن ، كانت لي ذكريات خارج المعتقل ، وكان من مطالعي مجلة الهدف ومجلة دراسات عربية .
يوم أطلاق سراحي من المعتقل
—————————————————————
كان يوم شتائي قارص من عام 1973 جاء أحمد الجبوري يرافقه رشاد التكريتي ، أحد مسؤولي المعتقل وقف في المنطقة الوسطية بين الزنزانات والقاعتان وأخذ يتكلم بالمذياع ، مع ذكر الأسماء وطلب من الذي يذيع أسمه عليه الخروج من القاعة ، والوقوف صفا” واحدا” وأذيعوا بحدود 30 معتقلا قال لنا أحمد الجبوري قفوا أمامي ، وجلب حلاق لتحليق رؤوسنا ولحيتنا وبعدها ، أخذونا بسيارات الى خارج المعتقل وأتجهت السيارة الى قرب منطقة القصر الابيض عندها علمنا أنهم نقلونا الى دائرة الأمن العامة ، ونزلنا من السيارة واحد تلوا الأخر وأدخلونا غرفة الاستديو وأخذوا صور لنا من الأمام والجانبان وبعدها طلب المسؤول الشعبة السياسية في دائرة الأمن ، الوقوف صفا” واحدا” حيث أن رشاد التكريتي لديه ملاحظات قبل أطلاق سراحكم ، وبدأ بالحديث أتمنى لكم حياة جديدة وبعيدا” عن السياسة ولدي وصية لكم وهي مهمة فأن كل من يتطرق الى معتقل قصر النهاية ويقوم بالحديث عنه لدى الأخرين سنعيده مرة أخرى الى هذا المعتقل وأرجوا أن تكونوا منطقيين في حياتكم عليكم التوجه الى أطفالكم ومعيشتكم دون اللجؤ للسياسة والعمل السياسي أن هذه وصيتنا لكم ، عندها جلسنا داخل الدائرة حيث تبد لت السياسةمعنا بشكل مفاجىء وقد أحترمنا مسؤول الشعبة وبادرنا كمجاميع موزعين على الاقسام وقال هل تشربون شيء ، من فرحتنا للخروج لم أفكر الا أن أرى الشارع وأخيرا” صافحنا المسؤول وخرجنا وعند صعودنا الباص الامانة كان الناس أنظارهم موجهة لنا بأستغراب وحزن لأنهم يعرفون أننا كنا موقوفين من مظهرنا ، وكانت وجوههم هي التي تتكلم تعاطفوا معناحيث دفعت بطاقة السيارة من الناس لم أعرفهم دفع لجميعنا وخاصة كنا 9 وذهبت راسا” الى فندقي الذي أنزل فيه وهو فندق سيفان في شارع المشجر ، وبسرعة أجريت أتصال هاتفيا”للبيت جاءت والدتي المرحومة قالت من أنت قلت لقد أطلقوا سراحي من المعتقل ، قالت والدتي أنك تمزح معنا أن ولدي مات ولم نعرف عن أخباره شيء قلت لها سأتي غدا” الى البيت ولم تصدق والدتي الخبر وأغمي عليها حسب ماعرفته في التلفون ، والملاحظة أن هذا المعتقل هو عند توقيف الشخص تنتهي أخباره لأن أية مراجعة نهائيا” غير واردة ، أذن الكثيرين فقدوا ولحد اليوم أثارهم غير معروفه ، وعلى كل حال لم تصدق والدتي الخبر ، وعند عودتي أول ماشاهدت والدتي وهم في أنتظاري أغمي عليها بعد سماعها صوتي وكانت حالة مفاجئة وفعلا”بعد دخولي البيتأخذت والدتي بالبكاء وأخذت بأحتضاني وهو دلالة قلب الأم تجاه أبنها ، وضلت هذه الواقعة المريرة التي ضلت في قلب أمي التي أخذتها معها الى القبر ……..