نوفمبر 22, 2024

اسم الكاتب : دينا عبدالفتاح

«الحرب العصرية هي أن تجعل خصمك يقتل نفسه بنفسه بدلاً من أن تكلف نفسك مشقة قتله».. هكذا تحدّث العالم المصري الراحل الدكتور مصطفى محمود في بعض كتاباته الصادرة عام 1984، أي منذ نحو 35 عاماً تقريباً.

هذا مبدأ سياسي تم تطبيقه باحترافية في الكثير من الصراعات المسلحة والباردة حول العالم على مدار عشرات السنين الماضية، وإلى الآن ما زال هذا المبدأ يحكم الفكر السياسي، ولكن اختلفت أدواته بشكل كلي!

اليوم ونحن في العام التاسع عشر من الألفية الثالثة، باتت التكنولوجيا السلاح الأقوى على وجه الأرض، حيث يمكنك وأنت جالس في مكانك أن تحرك العالم أجمع يميناً ويساراً، دون أن تحرك جيوشك، أو تصنع السلاح، أو تنفق مئات المليارات من الدولارات على الذخائر.

كل ما تحتاج إليه؛ بعض من هؤلاء الذين يتقنون فن التعبير، وآخرون يتقنون التسويق، وحزمة من الأموال التي يمكن إنفاقها في تحقيق الهدف، وبذلك يمكنك بناء معتقدات خاطئة واستصدار مواقف شعبية بناءً عليها، والتحكم في مصائر أنظمة سياسية وحكومات وأمم بأكملها.

فانتشار وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مفجع، ووصول الهواتف المحمولة الذكية إلى أيدى الفقراء قبل الأغنياء، وهبوط أسعار استهلاك الإنترنت إلى مستوى متناول التلميذ قبل العامل يجعل من المنطقي أن تتغير أدوات الحرب، من حرب على الأجساد إلى حرب على العقول والأفكار، فلست بحاجة إلى صاروخ يتم إطلاقه لتدمير منشأة، لكن يمكنك بزراعة الأفكار أن توجه أبناء هذه البلدة إلى هدم المنشأة المجاورة لهم، والمملوكة لهم أيضاً.

ولست بحاجة إلى إطلاق رصاصة في قلب شخص ليموت، وأنت تملك أدوات يمكنها تغيير معتقداته المناهضة لك بشكل كلي، وأن تحوله من مجرد «عدو» إلى «حليف» يساعدك في تحقيق هدفك بكل دقة، وكأنه يسعى وراء هدف شخصي له!

الصراعات الدولية اليوم أخذت منحى مختلفاً تماماً عن السابق، ولا يتم رفع السلاح في الصراعات إلا في الدول الفقيرة التي تعاني من انخفاض وعى أبنائها، ونرى ذلك بكل وضوح في الدول العربية التي انتشرت فيها الصراعات المسلحة وقضت على الأخضر واليابس ودمّرت حياة الشعوب، بينما الصراعات على ساحة الدول المتقدّمة لها أدوات أخرى، أهمها المال والأفكار.

ولعلك ترى حجم الخلاف السياسي بين روسيا والولايات المتحدة حالياً، لكن لم يخرج أىٌّ من الطرفين ليُهدد باستخدام السلاح العسكري أو النووي، الذي يملكه، فقط لأن لديه أسلحة أخرى أكثر فتكاً وأقل تكلفة.

هذا فيما يتعلق بالصراعات بين الدول المتقدمة وبعضها البعض، والدول النامية وبعضها البعض أيضاً، ولكن في حالة الصراع بين الدول المتقدمة والدول النامية، فهناك منطق آخر يحكم اللعبة.

يعتمد هذا المنطق بشكل أساسي على فكرة «صناعة الوهم»، وتعنى أن تقوم بصناعة واقع افتراضي، وتقنع به الجميع، وتجعلهم يتصرّفون وفقاً له، وأن تقوم بمتابعة تنفيذ هذه الخطة عبر مراحلها المختلفة، لتؤدي في النهاية إلى النتائج التي ترجوها.

وقد تتمثل هذه النتائج في هدم الشعوب والدول بأكملها، ولدينا الكثير من الأمثلة على ذلك، وقد تتمثل أيضاً في تقسيم هذه الدول إلى دويلات، بحيث تصبح أضعف وأقل قدرة على حماية نفسها، ورأينا الكثير من هذه التجارب أيضاً.

ولعل الجميع يدرك أن الدول الكبرى ترعى مصالحها بكل الطرق، وتخطط دائماً بفكر استراتيجي ينظر إلى عشرات السنوات القادمة والمتغيرات التي يمكن أن تحدث فيها، فبقاء دولة قوية في منطقة ما، قد يؤثر على توجه مصالح دولة كبرى في هذه المنطقة أو دولة أخرى حليفة لها.

وبالتالي من الممكن ألا يستوعب عقل الإنسان البسيط الأهداف الدولية المستقبلية من وراء تصرفات وسلوكيات تتم على أرض بلده حالياً، لأنه غير متخصّص في السياسة أو غير مطلع على التجارب السابقة، وهنا وجب عليه أن يستمع إلى أهل الخبرة، وأن يستفتى أهل العلم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *